الجمعة، 13 نوفمبر 2009

نساء ناشطات

نساء ناشطات

مدام «باء جيم» امرأة تحب الأطفال كثيرا، ومن شدة حرصها على تعليم الأطفال تعليما جيدا فقد أرسلت أبناءها إلى كندا لكي يدرسوا هناك. ولكن هذا لم يمنعها من تأسيس جمعية لرعاية الأطفال اليتامى وطرق أبواب البنوك والمؤسسات الحكومية لكي يوقعوا لها شيكات باسمها. فحساب جمعيتها التي سمتها «جمعية المنشار» فتحته باسمها الشخصي، والذي بمجرد ما يسمعه مديرو البنوك والمؤسسات الرسمية حتى يفتحوا دفاتر شيكاتهم عن آخرها.
مشكلة «باء جيم» هي أنها مرهفة الإحساس، ولذلك فهي لا تستطيع أن تذهب لزيارة هؤلاء الأطفال الذين تجمع المساعدات باسمهم في أحيائهم القصديرية حيث الواد الحار الذي يمر من وسطها قد يكلفها حذاءها المصنوع من جلد التمساح، التمساح نفسه الذي تشترك معه في دموعه.
لذلك فهي تفضل أن تتحدث عن هؤلاء الأطفال في روايال منصور أو شيراطون أو المامونية. فهناك يكثر المحسنون الذين يبحثون عن جمعية يمنحونها أمام المصورين شيكات سمينة. لكي ينتظروا صورهم عند بداية الشهر على صفحات المجلات الصقيلة التي تتخصص في نشر أخبار تلك الأنشطة الخيرية من صنف خمس نجوم.
هناك تلتقي مدام «باء جيم» بصديقتها ماضموزيل «عين كاف»، التي لم تتزوج لأن القطار الذي طالما انتظرته لم يتوقف في محطتها ومضى يصفر وينفث دخانه بعيدا عنها، فيما هي بقيت تنفث دخان سيجارتها الشقراء بنشوة وهي جالسة حول المائدة المستديرة التي تناقش إشكالية القضاء على تشغيل الفتيات الصغيرات. وقبل أن تغلق هاتفها الموطورولا الوردي اللون الذي جاءها هدية عندما حضرت حفل فريق من الطرافيستي في أحد بارات الدار البيضاء تجري مكالمة سريعة مع الخادمة في البيت، والتي ليست سوى فتاة في العاشرة من عمرها جلبتها من نواحي بني ملال عندما ذهبت لكي تحسس سكان المنطقة بضرورة التخلي عن إرسال بناتهم للعمل في المدن. لكن بما أنها ليست مثل أولئك البورجوازيين المتعفنين الذين يحبون استعباد الخادمات ومنحهم مائة درهم في الشهر، فإنها قررت أن تمنحها مائتي درهم في الشهر.
مدام «باء جيم» وماضموزيل «عين كاف» تعشقان الحديث عن قضية المرأة، إنهما تعتبرانها قضيتهما الشخصية. لكنهما لا تحبان الاختلاط بالنساء اللواتي يحاولن كل يوم الصعود إلى طبقتهن المخملية. إنهن بنظرهن أفاعي سامة تبحث عن فريسة يلتوين حولها لكي يخنقنها على مهل. لذلك تحرص مدام «باء جيم» على ترك زوجها خارج انشغالاتها الخيرية. وإذا ظهرت ذات مساء بصحبته في حفل خيري ففقط لكي يوصلها إلى باب الفندق ويعود إلى البيت لكي يتحدث مع أبنائه بالميسنجر من كندا، ويطمئن على وصول الحوالات البنكية التي أرسلها إليهم.
تذهب مدام «باء جيم» وماضموزيل «عين كاف» ثلاث مرات في الأسبوع إلى نادي الأيروبيك. تدفعان له كل شهر ما يوازي راتب موظف في السلم سبعة. وكل حصة تتعلمان رقصة من نوع جديد. بالأمس تعلمتا رقصة الصامبا، فالمؤتمر الذي ستسافران إليه الشهر المقبل في البرازيل حول حقوق الطفل سيكون مناسبة لاستعراض منجزات الجمعية في الأشهر الأخيرة، وأيضا مناسبة لاستعراض ما تعلمتاه في نادي الأيروبيك في النوادي الليلة. وتقريبا في كل مؤتمر تذهبان إليه تصنعان ذلك معا، حتى أن شكوكا أصبحت تحوم في الأوساط المخملية من أن علاقة غريبة تجمع بين المرأتين. أنتم تعرفون ألسنة المغاربة الطويلة، عندما لا يصلون إلى اللحم يقولون بسرعة أن رائحته عطنة.
لكن مدام «باء جيم» لا تهتم للشائعات، كل ما يشغل بالها هو البحث عن تمويلات جديدة لمشاريعها التي لا أحد يراها سوى على أغلفة المجلات الصقيلة. قبل يومين تعرفت إلى «مدام خاء خاء»، سيدة في أواسط العمر متزوجة من ثري يقضي معظم وقته متنقلا بين الطائرات، فيما هي تقضي معظم وقتها متنقلة بين الأسرة. امرأة متحررة كما يحلو لها أن تقول عن نفسها. تعرف أن زوجها ليس قديسا لكي لا يخونها مع كل تلك الفتيات الجميلات اللواتي يرافقنه في رحلاته كمعاونات له. لذلك فهي تنتقم منه بمنح نفسها لشباب تلتقي بهم في نهايات الأسبوع بعلب مراكش الليلية. قاعدتها الذهبية التي تعمل بها هي أن العمر عشرة أيام، سبعة تضيع في العادة الشهرية، لذلك يجب التمتع بالحياة كل دقيقة.
مشكلة «خاء خاء» أنها أحيانا تشعر بالملل وتريد أن تشغل حياتها بعمل اجتماعي. اقترحت عليها مدام «باء جيم» أن تؤسس جمعية لتوعية النساء بمخاطر السرطان. وأخذتها من يدها وطرقت بضعة أبواب وصافحت بضعة أيادي وقبلت وجوها سمينة. وبعد ذلك خرجت الجمعية وانطلقت برأسمال محترم مسجل باسم «خاء خاء». وعندما سألت مدام باء جيم أن تعلمها كيف تشتغل، نصحتها بتنظيم مؤتمر علمي وتدعو إليه بضعة أطباء من الخارج، وبضعة صحافيين مستعدين للكتابة عن أي شيء، ثم تحجز للجميع في فندق من فئة خمس نجوم، وسترى النتيجة في اليوم الموالي.
انضمت مدام «خاء خاء» إلى المجموعة بسرعة واندمجت فيها مثل قطرة ماء. لكل واحدة منهن سيارتها الكات كات، وبطاقة انخراط في أرقى نوادي الغولف بالمملكة، وأطفال يدرسون بالخارج، وأزواج متفهمون يقدرون المجهودات الجبارة التي تقوم بها زوجاتهم لدفع البلاد نحو المزيد من التقدم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق