الجمعة، 13 نوفمبر 2009

كولو العزوة تلاح وبلا فلسفة

كولو العزوة تلاح وبلا فلسفة

في الدول الديمقراطية يكون مرور مائة يوم على تشكيل الحكومة مناسبة للوزير الأول لتقديم الحصيلة الأولية لعمله الحكومي. جارنا ساباطيرو، الذي يستعد لترحيل المهاجرين السريين المغاربة ومقايضة عشرات الآلاف من القانونيين منهم أوراق إقامتهم بحفنة من الأوروات، قدم حصيلته قبل يومين تحت شعار «بدون مركب نقص». ببساطة لأن رئيس الوزراء الإسباني أنهى مائة يوم في قصر المونكلوا بإدخال كل أرقام الاقتصاد الاسباني في الخانة الحمراء. يعني أن «البولة الحمرا شعلات» عند جيراننا الشماليين. وليس في إسبانيا وحدها، وإنما في فرنسا أيضا يمسك الاقتصاديون رؤوسهم خوفا من سقوط مفاجئ لأسهم الشركات الكبرى في البورصة. إلا في المغرب، فإن صلاح الدين مزوار وزير المالية يتحدث عن النمو الذي يحققه المغرب والذي يتوقع له أن يستمر في معدل 6،2 في سنة 2010، واضعا ضمن تصوره أن سعر برميل البترول لن يتعدى 120 دولارا، يعني أن الإخوان في السعودية إذا ما لمعت في ذهنهم فكرة تخفيض إنتاجهم ورفع أسعار البترول في السوق العالمية إلى 150 دولارا أو أكثر، وما ذلك على آل عبد العزيز بعزيز، فإن توقعات الأخ مزوار ستسقط في الماء.
جيراننا الإسبان ليست لديهم عقدة في الحديث عن دخول اقتصاد بلادهم في الخانة الحمراء، بل إن ساباطيرو نفسه يعترف بأن الوضعية الصعبة التي تجتازها بلاده، ولو قدر له أن يقترب أكثر من المهاجرين المغاربة، الذين بالمناسبة يعلق عليهم الجميع مشاكل الاقتصاد الاسباني، لكان استعان في لقائه الجماهيري الذي نظمه بمناسبة مرور مائة يوم على تنصيب حكومته، بأغنية عبد العزيز الستاتي التي عنوانها «وراها كاينة ظروف»، وهذه الظروف الصعبة سيتم تجاوزها على ظهر المهاجرين. ولو كانت وزارة تحديث القطاعات العمومية على عهد بوسعيد تعرف أن فكرة المغادرة الطوعية التي طبقتها و«خرجت» على المغرب بسببها، فكرة قابلة للتصدير لكانت سجلتها باسمها في مكتب حقوق التأليف، حتى لا تقرصنها حكومة ساباطيرو هذه الأيام. فقد اكتشفت هذه الأخيرة مزايا المغادرة الطوعية واقترحت على مائة ألف مهاجر «شومور بكواغطو» منحة مالية مقابل أن يعطوهم قلة النظر في وجههم غير العزيز. وهذه المنحة يمكن أن تصل إلى ستة آلاف أورو لكل «كحل الراس» تعتقد حكومة الاشتراكي ساباطيرو أنها كافية لكي يبدأ بها المهاجر العائد إلى المغرب مشروعا اقتصاديا. والحال أن ستة آلاف أورو هو الثمن الذي يتزاحم المغاربة لدفعه لعصابات التأشيرات مقابل فيزا شينغن مدة صلاحيتها يومين أو ثلاثة، أي ما يكفي لكي يضع الواحد «عفطته» فوق التراب الأوربي لكي يتبخر في واحدة من دول الاتحاد الأوربي حتى يظهر الحق، أي حتى يسوي وضعيته ويعود بسيارة وشعر مدهون بالبريانطي وحذاء رياضي وبذلة البارصا أو الميلان، حسب علم الدولة التي سهل عليه الله فيها.
أما المهاجرون الآخرون الذين لا كواغط لهم، ويشتغل أغلبهم في الأوراش والحقول والمزارع وضيعات تربية الخنازير، فهؤلاء سيجمعونهم واحدا واحدا وسيكدسونهم في الحافلات والطائرات والبواخر ليبعثوا بهم نحو بلدانهم التي وقعت حكوماتها على هذا الاتفاق.
في إسبانيا التي لدينا فيها مئات الآلاف من المهاجرين، القانونيين والسريين، يوجد المغاربة أمام فوهة المدفع. وما وقع ضدهم في مورسيا مؤخرا عندما استوقفتهم الشرطة بعنف في المقاهي والمتاجر بسبب سحنتهم المدبوغة بالشمس وجمعتهم في حديقة للتدقيق في هوياتهم، سوى توطئة لما سيأتي.
أما في الإعلام اليميني الذي تحركه مشاعر العداء التي يكنها الحزب الشعبي لكل ما يأتي من وراء البحر، خصوصا القنوات التابعة للكنيسة، فإن المهاجرين، خصوصا المغاربة، هم سبب اشتعال «البولة الحمرا» في إسبانيا بعد مائة يوم من حكم الاشتراكيين. وهذا يذكر كثيرا بتلك النكتة التي تقول أن ثلاثة رجال من جنسيات مختلفة وجدوا أنفسهم في مركب يغرق ولإنقاذه يجب أن يضحي أحدهم ويلقي بنفسه في عرض البحر. فقال الأول وكان أوربيا أنه لا يستطيع أن يضحي من أجل الآخرين لأن بلاده تعول عليه كثيرا وعليه أن يعود إليها حيا. وقال الثاني وكان أمريكيا أنه كذلك لا يستطيع لأن هذا سيزعزع الإيمان بأسطورة الأمريكي الذي لا يقهر. فنظر إليهما الثالث وكان إفريقيا أسود البشرة وقال «وهيا كولو العزوة تلاح وبلا فلسفة».
ويستند المتحمسون في إسبانيا لطرد المهاجرين نحو بلدانهم إلى مجموعة من الأكاذيب التي لفرط تكرارها في الجرائد اليمينية وبرامج النميمة في التلفزيون ونشرات الأخبار في راديو كادينا كوبي التي تمولها الكنيسة، إحدى أغنى الشركات في إسبانيا (الكنيسة وليس الراديو)، أصبحت حقائق يرددها المواطنون ويصدقونها أكثر من بشارات الدعاة الدينيين الدجالين الذين يبيعون نبوءتهم بأسعار تنافسية في القنوات الجهوية.
ومن بين الأوهام التي حولت المهاجرين إلى مشاجب لتعليق الأزمة، كونهم يستغلون الخدمات الصحية أكثر من غيرهم. مع أن المهاجرين في إسبانيا يستفيدون من الخدمات الصحية 15 بالمائة أقل من نظرائهم الإسبان. فالمهاجر يذهب إلى الطبيب نصف المرات التي يذهب فيها المواطن الإسباني إليه. والمهاجرون يمثلون في إسبانيا حوالي عشرة بالمائة من السكان، لكن خمسة بالمائة فقط منهم يزورون الطبيب، مع أن المهاجرين يساهمون في ميزانية الصحة بحوالي خمسة بالمائة. بالإضافة إلى أن المهاجرين الذين يصلون إلى إسبانيا يكونون في صحة جيدة وفي عز شبابهم. وليست الميكروبات الأوربية هي التي يمكن أن تفتك بمهاجرين استطاعوا أن يفلتوا من فيروس الإيبولا أو لسعات ذبابة التسي تسي أو الملاريا والحمى النهرية.
ومن بين الأوهام التي يختفي وراءها الراغبون في طرد المهاجرين كونهم يأتون إلى إسبانيا فقط من أجل اقتراف الجرائم. والحال أنه حسب كاتب الدولة في الأمن فقد سجلت سنة 2002 تراجع نسبة الجريمة التي يقترفها المهاجرون إلى 1،5 بالمائة، وفي سنة 2006 التي عرفت فيها إسبانيا ارتفاع نسبة المهاجرين إلى خمسين بالمائة نزلت نسبة الجرائم التي ارتكبها المهاجرون عن رقم 1،5 المسجل سنة 2002.
أما القائلون بأن المهاجرين يأتون لكي يسرقوا فرص الشغل للإسبان، فيكفي أن تعرفوا بأنه حتى يونيو من السنة الماضية خلق 241.000 مهاجر شركته الخاصة. وشغل معه ليس المهاجرين أمثاله وإنما الإسبان أنفسهم.
ومن بين الأمور المضحكة التي شيد عليها رئيس الحزب الشعبي ماريانو راخوي حملته الانتخابية الأخيرة كونه سيناضل من أجل محاربة ختان الفتيات في إسبانيا الذي يشوه جنسيا 130 مليون امرأة عبر العالم، والذي يمارسه المهاجرون القاطنون بإسبانيا.
والواقع أن القانون الإسباني يمنع هذه الممارسة بحزب شعبي أو بدونه، بل يذهب بعيدا عندما يعرض مقترفه للمتابعة خارج التراب الإسباني. فضلا عن أن هذه الممارسة لا علاقة لها بالدين الإسلامي وإنما بتقليد قبلي متخلف لا يكاد يسجل له حضور في إسبانيا إلا في وسائل الإعلام الباحثة عن الإثارة.
ومن التهم المثيرة أيضا إلصاق تعدد الزوجات بالمهاجرين المغاربة، هذا في الوقت الذي لا تتعدى فيه نسبة التعدد في المغرب نفسه، والذي لا تمنعه مدونته شرط موافقة الزوجة الأولى، نسبة ثلاثة بالمائة. وهذا يشبه إلى حد كبير الجدال الدائر في المغرب حول عقوبة الإعدام، مع أنه منذ الحاج ثابت لم ينفذ أي حكم للإعدام في المغرب، وكل أحكام الإعدام التي تصدر هي في الواقع أحكام بالمؤبد.
وإذا لم يكن المهاجرون المغاربة مزواجين يعددون النساء والحريم، فإنهم ينافسون الأرانب في عدد الولادات. ولذلك يستفيدون أكثر من غيرهم من الإعانات العائلية. وهذا خطأ شائع، فإسبانيا سجلت سنة 1999 أدنى نسبة ولادات في العالم بنسبة 1.07 % وارتفعت صيحات الإنذار آنذاك تحذر من إمكانية انقراض العرق الإسباني إذا ما استمر الجميع محافظا على برودة... أعصابه. ولولا المهاجرين الذين هبوا لنجدة مستشفيات الولادة من الإفلاس، لحلت الكارثة بإسبانيا. وبفضلهم سجلت سنة 2007 وحدها نسبة ولادة في صفوف المهاجرين وصلت إلى 17،6 بالمائة من مجموع الولادات التي عرفتها إسبانيا.
وعندما لا يجد دعاة طرد المهاجرين من ذريعة صلبة لإقناع مستمعيهم بخطورة المهاجرين على مستقبلهم، يقولون بأن المهاجرات يأتين إلى إسبانيا لاحتراف الدعارة. وينسون أنه إذا كانت هناك عاهرات على أرصفة المدن الإسبانية فلأن العاهرات الإسبانيات لم يعدن يحتملن القيام بهذه الوظيفة في الشارع، وإنما أصبحن يمارسنها في البيوت وبوسائل اتصالات متطورة غير متاحة للعاهرات القادمات من أوربا الشرقية أو إفريقيا. وحسب إحصائيات رسمية فأغلب زبائن هؤلاء العاهرات هم من الإسبان، وأغلبهم زبائن ثابتون.
لذلك فإذا كانت حكومة ساباطيرو تريد أن تبحث عن مشجب تعلق عليه مشاكلها فيجب أن تبحث لها عن مشجب آخر غير المهاجرين المغاربة، لأن هؤلاء المهاجرين ليسوا جزءا من المشكل وإنما هم جزء من الحل. إلا إذا كان ساباطيرو يحب النكت المغربية، خصوصا نكتة «كولو العزوة تلاح وبلا فلسفة».

0 التعليقات:

إرسال تعليق