الأربعاء، 18 نوفمبر 2009

من سيربح المليار ؟

من سيربح المليار ؟

أشياء مثيرة للدهشة تحدث هذه الأيام في المغرب. فلا يكاد يوم يمر دون أن نسمع عن «متضرر» يطالب بمليار أو «جوج» لجبر «ضرره». بدأ المزاد على رأس «المساء» قبل سنة، عندما طالب زيان، وزير حقوق الإنسان السابق، بتعويض قدره 600 مليون لقضاته الأربعة. وعندما رأى «نقيب» المحامين أن المبلغ الذي طالب به وأعطته إياه المحكمة غير كاف، رفع دعوى ضد «المساء» لجبر «ضرره» هو هذه المرة لمجرد أننا نشرنا خبرا حول مواطنة رفعت ضده دعوى قضائية أمام القضاء، وطالبنا بأربعمائة مليون. ربما لكي يكمل «خيره» الذي بدأه قبل سنة، ويصل بسقف مطالبه المادية إلى حدود المليار.
واليوم نسمع أن محمد الفراع رئيس التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، رفع دعوى قضائية ضد زملائنا في جريدة «الاتحاد الاشتراكي» وطالبهم بمليار سنتيم كتعويض عما اعتبره قذفا في حقه. وفوق هذا وذاك دفع الفراع تكاليف تسجيل الشكاية المباشرة في المحكمة من صندوق التعاضدية، عملا بالمثل المغربي الشائع «من ليحيتو لقم ليه».
ويبدو أن المحاكم في المغرب سائرة في اتجاه مزاحمة بورصة الدار البيضاء، بسبب قيمة التعويضات الخيالية التي «تروج» بين ردهاتها وقاعاتها هذه الأيام. فهاهي نجاة عتابو تطالب الشركة المنتجة لفرماج البقرة الضاحكة بمليار سنتيم كتعويض على ما اعتبرته صاحبة «وهادي كذبة باينة» سرقة فنية لأغنيتها «ناري عالعظمة» واستعمالها في إشهار الفرماج الشهير الذي ظل طيلة شهر رمضان يتسابق في التلفزيون مع صوت «الودان»، والذي أوهم المشاهدين بأن كل من يأكله يفقد وقاره ويرفع يديه إلى الأعلى ويبدأ في «التعواج والتلواز» قائلا «أها أها أها والعظمة».
وإذا كانت نجاة عتابو قد نجحت ابتدائيا في وقف بث الوصلة الإشهارية لفرماج العظمة في القناتين العموميتين، فإن محكمة الاستئناف قضت ببطلان قرار الإيقاف، لأن مكتب حقوق المؤلفين لا توجد في أرشيفاته سوى أغنية واحدة محفوظة باسم شاعرة مغمورة عنوانها «العظمة»، حرفية بدون «ناري».
ولا بد أن الذي يجب أن يصرخ «ناري» وهو يلطم «وجهو وفخاضو» هو فيصل العرايشي مدير القطب الإعلامي العمومي، فهاهو رجله الثاني في القطب سابقا، مصطفى بنعلي الذي كان مديرا على القناة الثانية، يطالبه بمليارين كتعويض عما اعتبره طردا تعسفيا من العمل.
ولو أن الرجل لم يتعب كثيرا في الحصول على عمل جديد. فما لبث أن غادر مقر القناة الثانية بعين السبع حتى نط إلى مقر شركة «الضحى»، فالشركتان معا جارتان في نفس الشارع ولا يفصل بينهما سوى حائط قصير.
وبخروج مصطفى بنعلي من قناة عين السبع التلفزيونية ودخوله مقر شركة «الضحى» العقارية، يكون قد حقق حلما ظل يراوده منذ حفل تنصيبه مديرا على القناة الثانية، وهو حلم التحول إلى «طاشرون». فمنذ تنصيبه مديرا عاما على قناة عين السبع ترك الأخبار والبرامج جانبا وانشغل بحفر الأساسات وبناء الأستوديوهات وإعلاء طوابق المقرات، إلى أن أصبح مشهورا بين ردهات القناة باسم مصطفى «بني وعلي». وهاهو اليوم يحقق حلمه القديم ويعثر على عمل جديد في شركة «الضحى»، حيث سيكون بمستطاعه التفرغ لهواية البناء والتشييد.
بعض ألسنة السوء يحلو لهم أن يرددوا بأن الرجل كان يوم تعيينه يريد دخول مقر «الضحى» في عين السبع فأخطأ الباب ودخل مقر القناة الثانية. وهاهم الذين عينوه يتداركون الخطأ ويرشدونه إلى العنوان الصحيح. لكن مصطفى بنعلي يريد تعويضا على هذا الخطأ «المطبعي» في قرار التعيين قدره مليارين من السنتيمات. فهو يعتبر الاستغناء عن خدماته طردا تعسفيا.
طبعا من حق كل هؤلاء المدراء والرؤساء والفنانين اللجوء إلى القضاء للمطالبة بجبر ما يعتبرونه ضررا أصابهم. لكن أليست المبالغ الطائلة التي يطالبون بها مثيرة للتساؤل. خصوصا وأننا لم نعد نسمع سوى الملايير وهي «تشير» ذات اليمين وذات الشمال، وكأننا في أوربا أو أمريكا.
إن واحدة من النتائج الخطيرة لسياسة تشجيع القضاة على مقاضاة الصحافة ومطالبتها بمئات الملايين، هو تصاعد سقف التعويضات التي يطالب بها كل من يعتبر نفسه متضررا من الصحافة أو وسائل الإعلام عموما.
لقد انطلق المزاد العلني على رأس الصحافة المستقلة بالمغرب قبل خمس سنوات بسبعين مليونا ضد لوجورنال لصالح وزير الخارجية محمد بنعيسى، الذي بالمناسبة ترك له عباس الفاسي راتب وزير متقاعد مدى الحياة، ثم طلع المزاد ضد «تيل كيل» إلى ثمانين مليونا في قضية حليمة العسالي، والتي طلعت حليمة فعلا وتنازلت عن المبلغ بعدما اعتبرت كلمة اعتذار بسيطة كافية لجبر خاطرها. ثم سخنت الأسعار في بورصة القضاء عندما وصل سعر رأس «لوجورنال» إلى 300 مليون لصالح مدير مركز أوربي ببلجيكا. أما رأس «المساء» فيعتبره الماسكون بسوط القضاء ساخنا أكثر من اللازم ويجب قطعه، ولذلك حددوا له سعر 612 مليونا للقضاة الأربعة، زائد 400 مليون لزيان، فوصل المزاد إلى مليار والصرف.
وإذا كان الذين يرفعون دعاوى ويطالبون بالملايير يبحث بعضهم عن جبر الضرر فيما يبحث بعضهم الآخر عن الاغتناء غير المشروع على ظهر الصحافيين، فإن تصريحا لمحامي القضاة الأربعة، محمد زيان، لوكالة «قدس بريس» يكشف صراحة عن الهدف الحقيقي من جر «المساء» إلى مقصلة العدالة. فقد قال سيادة النقيب أن الخط التحريري لـجريدة «المساء» خط إجرامي ولذلك سيناضل من أجل إغلاقها حرصا على حقوق الإنسان.
هكذا نفهم أن الهدف من ملاحقة زيان لنا بالمتابعات القضائية والغرامات التي وصلت إلى مليار ليس هو جبر ضرر القضاة أو جبر ضرره المتخيل، وإنما إغلاق هذه الجريدة. وهاهو يخرج لها «نيشان» ويقولها صراحة وبدون مراوغة.
ونحن هنا نطرح سؤالا بسيطا على زيان، من هي الجهة التي أعطته هذا الأمر، ونيابة عن من يقوم بهذه المهمة الانتحارية، وما هو الثمن الحقيقي لرأسنا. خصوصا عندما نعرف أن ثمن إرساله لنوبير الأموي إلى السجن في قضية جريدة «الباييس» الاسبانية كان حقيبة وزارية أعطاها له الحسن الثاني لم يتأبطها أكثر من تسعة أشهر.
إذا كان زيان يعتقد أن الخط التحريري للمساء خط إجرامي، فعليه أن يطلب من وزير العدل تحريك دعوى قضائية ضد عشرات الآلاف من القراء الذين يشترون هذه الجريدة بتهمة المشاركة في «الجريمة». وعليه أيضا أن يطالب وزير الاتصال الذي يسمح لهذه الجريدة المجرمة بالصدور بتقديم استقالته من منصبه بتهمة التستر عليها وعدم التبليغ.
لقد كنا منذ اليوم الأول لتوصلنا باستدعاء المحكمة مقتنعين بأن «شرف» القضاة و«كرامتهم» هي آخر ما يهم زيان والذين بعثوا به لتنفيذ هذه المهمة الانتحارية. وهاهو اليوم يعترف بعظمة لسانه بأن هدفه الرئيسي هو إغلاق «المساء» حرصا على سلامة المواطنين من الوقوع ضحية لجرائمنا اليومية.
ونحن لا نطلب من زيان أن يدخر جهدا في القيام بهذه المهمة، بل نشجعه على المضي في ذلك بركوب أعلى ما في خيله. فقط نطلب منه أن يكون شجاعا وأن يكشف لنا وللمغاربة الذين يخشى عليهم منا أسماء الذين كلفوه بهذه المهمة القذرة. وإذا كان عاجزا عن القيام بذلك فإننا سنعفيه من هذا الحرج وسنقوم نحن مكانه بذلك. لأننا نعرف أسماءهم ومناصبهم ونصيب كل واحد منهم في هذه المؤامرة الدنيئة.
لقد انكشفت اللعبة يا سادة، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته أمام الشعب. الذين خططوا للجريمة يجب أن يعلنوا عن أنفسهم ويتشبثوا بمطلب الإعدام، ونحن من جانبنا سنتشبث بحقنا في الدفاع عن حقنا في البقاء.
وسنرى من سينتصر في النهاية.
وكما قال نابليون، ربما نكون قد خسرنا معركة لكننا بالتأكيد لم نخسر الحرب.

0 التعليقات:

إرسال تعليق