الاثنين، 9 نوفمبر 2009

لا ديدي لا حب الملوك

لا ديدي لا حب الملوك

بعض ولاة الأمن يستحقون أن يغير شكيب بنموسى اسم وظيفتهم لكي يصبحوا «غلاة الأمن» عوض ولاة الأمن. تأملوا هذا المثال، عندما كتبنا قبل أسابيع حول توزيع كريم غلاب وزير النقل والتجهيز بتنسيق مع ولاية الأمن واللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير لحوالي 5000 خوذة واقية على مستعملي الدرجات النارية في جهة تطوان، استغربنا كيف أن والي الأمن يبدي حرصا على تطبيق القانون بفرض وضع الخوذات الواقية على رؤوس المواطنين، في مقابل استهتار كامل بأمن رجاله الذين يركبون الدراجات النارية والذين لم يستفيدوا من خوذات اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير. وكأن رؤوس رجال الأمن مصنوعة من الفولاذ ولا خوف عليها من الحوادث.
مباشرة بعد صدور الخبر أسر والي الأمن لبعض المقربين منه بأنه لا ينتظر من الصحافة أن تعلمه شغله، وأطلق حملة واسعة لاعتقال الدراجات النارية أسفرت عن جمع حوالي 160 دراجة نارية لا يستعمل أصحابها الخوذة الواقية.
وطبعا رجال الأمن الذين كانوا يوقفون المواطنين الذين يخالفون قانون السير كانوا أول من يخالف هذا القانون. لكن يبدو أن القانون الذي يسري على المواطنين ليس هو القانون نفسه الذي يسري على رجال الأمن. على الأقل الذين يعملون تحت إمرة والي أمن تطوان.
ولعل أكبر دليل على أن بعض حماة القانون هم أول من يخرقونه ما يحدث في نادي الشرطة بجانب الخزانة البلدية بالرباط. إذ يمكن لشرطي أن يعتقل مواطنا بتهمة السكر العلني في الشارع، وعندما يودعه المخفر يصعد إلى الطابق العلوي للنادي حيث يمكنه أن يسكر بدوره ويغادر إلى بيته دون أن يعترض سبيله أحد. ولكم أن تتصوروا حرج النساء اللواتي يتوافدن على الطابق السفلي للنادي حيث فتحت الإدارة العامة للأمن الوطني مكتبا لاستخراج بطاقة التعريف البيوميترية الجديدة، خصوصا عندما يخلطهن بعض زبائن الطابق العلوي بطينة أخرى من النساء ويعتقدون أنهن صاعدات إلى الفوق.
وربما يستغرب كل من يمر أمام نادي الشرطة على الساعة السابعة والنصف صباحا وهو يرى شاحنة الخمور تفرغ شحنتها يوميا هناك، متسائلا عن العلاقة بين النادي والبار والأمن والبطاقة البيوميترية. لكن ما دمت في المغرب فلا تستغرب.
عندما طالبنا بحق رجال الأمن من مستعملي الدراجات النارية فلكي لا نسمع ذات صباح أن أحدهم تعرض لحادثة سير قاتلة، وكان من الممكن إنقاذ حياته لو أن إدارته وفرت له خوذة واقية. للأسف الشديد لا أحد أراد أن يستمع إلينا، وحدث ما كنا نخشاه في الدار البيضاء بعد أن توفي الأسبوع الماضي رجل أمن ينتمي إلى وحدة «الصقور» بعدما صدمته سيارة رباعية الدفع واصطدم رأسه بإسفلت شارع سيدي عبد الرحمان بتراب مقاطعة الحي الحسني، ليسقط بعدها صريعا.
فقد كانت إدارة الأمن محتاجة إلى أن يموت أحد رجالها في الشارع ويصطدم رأسه بالإسفلت لكي تفهم أن الخوذة الواقية التي تجبر المواطنين على وضعها، ضرورية أيضا لحياة رجالها. وهكذا أصبح رجال الأمن المنتمون إلى فرقة «الصقور» بالدار البيضاء مجبرين على وضع الخوذات الواقية أثناء مزاولة عملهم.
إن أول شيء يجب أن تقوم به عائلة علي الصحراوي، رجل الأمن الذي مات بسبب حادثة السير أثناء مزاولته لعمله، هو أن تبحث عن محامي وتوكل إليه رفع دعوى ضد الإدارة العامة للأمن الوطني بتهمة تعريض حياة الشرطي المتوفى للخطر، وتطالبها بتعويض مادي يتناسب مع الأضرار التي سيخلفها غياب الفقيد عن أسرته. لأن قانون الشغل واضح في هذا الباب، فالإدارة التي يشتغل الشرطي تحت إمرتها ارتكبت خطأ مهنيا فادحا بعدم توفيرها للخوذة الواقية لأحد موظفيها أثناء مزاولته لعمله. وفي قانون الشغل، الذي لا يطبق منه للأسف حتى ربعه، فمفتشو الشغل عند تفقدهم لمدى تطبيق القانون في أوراش البناء ملزمون بمعاقبة كل صاحب ورش لا يضع فيه عمال البناء والمهندسون خوذات واقية. ويكفي أن يزور مفتشو وزارة جمال أغماني، الذي بالمناسبة سافر إلى الأندلس لكي يطمئن على تطبيق الفلاحين الإسبان لقانون الشغل مع النساء المغربيات العاملات في حقول الفريز، محطات القطارات الجديدة التي دشنها الخليع، والتي يعرف الجميع متى بدأت الأشغال فيها لكن لا أحد يعرف متى ستنتهي، لكي يروا كيف يشتغل عمال بناء بدون خوذات واقية في أوراش بناء تابعة لشركة حكومية.
قبل أن تعطي وزارة النقل والتجهيز الدروس للمواطنين في كيفية المحافظة على حياتهم ضد الحوادث بضرورة وضع القبعات الواقية، كان عليها أن تبدأ بنفسها وأن تفرض على الشركات المتعاقدة معها في بناء محطاتها الجديدة أن تطبق قانون الشغل وأن توزع على عمالها خوذات واقية لحمايتهم من حوادث الشغل. حتى لا ينطبق على السيدة بورارة مستشارة وزير النقل والتجهيز المثال المغربي الذي يقول «خلات تشطب باب دارها ومشات تشطب باب الجامع».
لكن يبدو أن ديوان الوزير غلاب مشغول هذه الأيام فقط بتدبير «حوادث الشغل» الداخلية، خصوصا بعدما لم «يهضم» الاستقلاليون استقدام مدام المستشارة التي لا تعرف اليسار من اليمين للاتحادي شالوط الذي كان موظفا سابقا في ديوان محمد الكحص على عهد حكومة جطو. ويبدو أن حلول هذا الضيف الاتحادي الجديد في ديوان الاستقلالي غلاب سيتطلب توزيع خوذات واقية على بعض موظفي الديوان، خصوصا المستشارة مدام بورارة التي جلبته، حتى يتجنبوا «حوادث الشغل» المحتملة بعد دخول نقابة الاتحاد العام للشغالين على الخط ومطالبتهما للمستشارة بتطبيق شعار حزب الاستقلال المعروف في توزيع المناصب «المغرب لنا لا لغيرنا»، مع تعديل بسيط ليصبح «خيرنا مايديهش غيرنا».
ويبدو أن الذي عليه أن يلبس خوذة واقية ضد حوادث الشغل هو والي الأمن بتطوان. فمباشرة بعد نشرنا في هذا العمود لخبر تجميد شكاية مواطن ضد أحد رجال أمنه الذي اعتدى بعصاه على عرضه، مهددا إياه بالاغتصاب، وحديثنا عن لائحة بتوقيعات عشرات من المواطنين مستعدين لتقديم شهادتهم ضد رجل الأمن، قطع سعادة الوالي عطلته وعاد مسرعا لمكتبه. ومن تداعيات الخبر أن الوكيل العام للملك بتطوان أحال شكاية المواطن المتضرر على المحكمة الابتدائية بتطوان للنظر فيها. نتمنى أن تأخذ العدالة مجراها.
والواقع أننا خلال الأسبوع الأخير رأينا ضحايا حوادث «الشغل الناقص» كثيرين يسقطون تباعا، خصوصا على مستوى الموظفين الكبار. فبعد إقالة عامل خنيفرة من منصبه بسبب عرقلته لمشاريع التنمية في المنطقة، تذكرت ياسمينة بادو وزيرة الصحة أن وزارتها لديها مستشفى عمومي بخنيفرة يفتقر إلى أبسط المعدات الطبية. فذهبت إلى خنيفرة على سعدها ووعدها وقامت بزيارة مفاجئة للمستشفى أعفت على إثرها المندوب الإقليمي لوزارة الصحة بخنيفرة ومعه مدير المستشفى.
وقد كان الجميع ينتظر إقالة ليديدي الذي يتحمل مسؤولية إدارة السجون إضافة إلى مسؤولية الكاتب العام لوزارة العدل، خصوصا بعد فضيحة فرار تسعة من معتقلي السلفية الجهادية بسجن القنيطرة. لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فعوض أن يقال ليديدي أقيل بنديدي رئيس مؤسسة «أونا»، بسبب وقوفه وراء خسائر الشركة المالية. خصوصا فرع «وانا» الذي التهم الملايير ولازال يطالب بالمزيد.
والواقع لو أن الصرامة التي تدار بها الأمور في شركة «أونا» كانت هي الصرامة ذاتها التي تدار بها أمور الحكومة لرأينا أكثر من وزير وكاتب عام للوزارة يجمع حقائبه ويترك مقعده لمن هو أكثر كفاءة منه لتحمل المسؤولية.
ولو أن ليديدي كان في مكان بنديدي لاختلف الوضع، وعوض أن تتم التضحية بمدير صغير أو حارس سجن، لكنا رأينا الكاتب العام لوزارة العدل يقرأ في الغد مثله مثل جميع المواطنين بلاغا مقتضبا للشركة منشورا في الصحافة يشرح أسباب إقالته من وظيفته. تماما كما حدث مع بنديدي. لكن يبدو أن إسمي الرجلين يتشابه في النغمة، غير أن «مخارج» حروف كل واحد منهما تختلف.

0 التعليقات:

إرسال تعليق