الأربعاء، 18 نوفمبر 2009

هز ليا نسماتشي ليك

هز ليا نسماتشي ليك

وسط هذا الحصار المالي الخانق الذي خلفته عملية السطو «القانونية» على حساباتنا البنكية، هناك ما يبعث على الفرح في هذه المأساة. ونحن في عين الإعصار، صامدين إلى آخر طلقة حبر، نتابع بفخر وكبرياء كل هذه الحملة غير المسبوقة من التضامن الإعلامي والحقوقي والشعبي مع «المساء».
في مسرح محمد الخامس بالرباط، حيث كرمت لجنة التحكيم التي عينتها وزارة الاتصال الفائزين بجوائز السنة الصحافية، وقف الزميل محمد العوني من الإذاعة الوطنية في المنصة ليتسلم جائزته وأعلن تضامنه مع «المساء» في محنتها، فوقف الجمهور وصفق قرابة دقيقتين. رغم أنف الأشعري وبنعبد الله والناصري، الوزراء الثلاثة اليساريين التقدميين، يا حسرة، الذين تعاقبوا على حقيبة وزارة الاتصال، الذين كانوا «مبندين» في المقاعد الأمامية للمسرح.
ثم بعده صعد أحد قدماء المحاربين في الصحافة الوطنية، عبد الله الستوكي، وتسلم جائزة التكريم، وأعلن من فوق المنصة تضامنه مع «المساء» في محنتها.
بعد يومين سيعلن الزميل العوني تنازله عن نصف مقدار الجائزة للمساء، بينما خصص النصف الآخر لدعم منتدى دمقرطة الإعلام. وفي مدينة العيون سيلغي أعضاء في النقابة الوطنية للصحافة ورئيسا تحرير جريدتين محليتين نشاطا كان مبرمجا للاحتفال باليوم الوطني للإعلام. وفي الدار البيضاء سيقرر منظمو تظاهرة «نجوم بلادي» السنوية أن يلغوا احتفال هذه السنة احتجاجا على قرار إعدام «المساء»، واستجابة لدعوة الزميل البريني الذي دعا إلى مقاطعة الاحتفال باليوم الوطني للإعلام لهذه السنة.
سينزل فرع النقابة الوطنية للصحافة للتظاهر صباح السبت أمام مقر «المساء» في الدار البيضاء، ومساء ستنزل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان للتظاهر أمام البرلمان تضامنا مع «المساء». وفي اليوم نفسه ستخرج اللجنة المحلية للتضامن مع «المساء» في مارتيل بتطوان للتظاهر احتجاجا على الظلم الذي نتعرض له.
ومن الرباط ستصلنا رسالة من الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، يخبرنا فيها رئيسها أن الهيئة راسلت القناة الثانية بخصوص الشكاية التي أرسلناها إلى حكمائها نشتكي فيها من حشر اسم مؤسسة «المساء» والمخرج محمد العسلي في خبر يتعلق بتوقيف شبكة للسوريين متورطين في تهريب العملة والتهجير. وطلبت منها أن تقرأ في نشرات أخبارها قرار الهيئة الذي يقول بأن مديرية الأخبار عندما حشرت اسم «المساء» والمخرج محمد العسلي في خبرها حول شبكة السوريين كانت قد أخلت بالمهنية والحياد، وألحقت ضررا بصورة «المساء» وبصورة المخرج محمد العسلي.
وعوض أن تتحمل القناة الثانية مسؤوليتها وتعترف بخطئها وتقرأ قرار الهيئة العليا للاتصال، لجأت إلى المحكمة الإدارية لكي تطعن في القرار. والمضحك في تعليل القناة لرفضها الامتثال لقرار الهيئة العليا، هو أنها استقت الخبر من وكالة المغرب العربي للأنباء، وأن الوكالة محدثة بظهير ملكي. وكأن المؤسسات المحدثة بمقتضى ظهير لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
وهذه بدعة جديدة انتشرت في المغرب مؤخرا. فكل من يتم تعيينه بظهير ملكي يعتقد أنه أصبح شخصا مقدسا لا يخطئ، وإن أخطأ لا تجوز محاسبته عن أخطائه. وهذا يذكرنا بأولئك المحظوظين الذين كانوا ينحدرون من عائلات ثرية ويحملون ظهائر التوقير أيام الاستعمار. وبفضل هذا الظهير لم يكن يطالهم قانون المخزن مثل سائر «المروك كحل الراس». فهاهو السيد عليوة المدير العام للقرض العقاري والسياحي يشهر، عندما تنشر الصحافة خبر استفادته من ممتلكات البنك بأسعار تفضيلية، تعيينه بظهير ملكي وكأنه يطلب من الصحافة والبرلمان أن يوقره على وجه هذا الظهير الذي عين به. وهاهو مصطفى بنعلي الذي عينه الملك على رأس القناة الثانية بظهير ملكي، يطالب اليوم بمليارين كتعويض عن الطرد التعسفي لمجرد أن الذين عينوه قرروا تعويضه بمدير جديد.
وكأن هؤلاء المعينين بظهير لم يشاهدوا كيف أعفى الملك قبل أمس يونس معمر، مدير المكتب الوطني للكهرباء، رغم أنه لم يفرح بظهير تعيينه أكثر من سنتين. فالرجل تعرض لصعقة كهربائية عالية الضغط عندما قرر فجأة أن يقطع التيار عن مصانع ومطابع عين السبع، أهم منطقة صناعية في الدار البيضاء والمغرب بكامله. وكم هو محظوظ لأن الملك أعفاه من منصبه قبل أن يرسل إليه الميداوي قضاة مجلسه الأعلى للحسابات لكي يحققوا معه في أكثر من 9347 صفقة أبرمها مع شركات مختلفة دون اللجوء إلى نشر طلبات عروض بشأنها.
وإذا كان يونس معمر قد «حط» الظهير وذهب إلى حال سبيله، فإن الجميع ينتظر أن يصل هذا التيار عالي الضغط إلى المكتب الوطني للمطارات، حيث مديره عبد الحنين بنعلو، المعين بظهير هو الآخر، يشتري لنفسه عقارا في ملكية المكتب الوطني للمطارات بإفران بمبلغ زهيد لا يتعدى 15 مليون سنتيم.
ولا بد أن هؤلاء المعينين بظهير ملكي يعتقدون أن ظهائرهم تسمح لهم بالتصرف في ممتلكات المؤسسات التي يديرونها بدون أن يخشوا المحاسبة. كما أنهم يستطيعون أن يشهروا هذا الظهير الملكي في وجه كل من يسيئون إلى سمعته ويخربون مصداقيته.
وهكذا نرى كيف أن القناة الثانية في جوابها على قرار الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، تشهر الظهير الملكي المؤسس لوكالة الأنباء التي أخذت عنها الخبر الملفق والذي خلطت فيه بين شبكة السوريين و«المساء» والمخرج محمد العسلي. وكأن الاختباء تحت «قشابة» الخباشي مدير الوكالة يعفي القناة من مسؤوليتها في نشر الخبر المسيء وتعميمه على الرأي العام.
والمضحك في تبرير القناة الثانية هو أنها تقول بأن ضمان الطابع التعددي في المواقف يقتصر فقط على البرامج، وبما أن نشرة الأخبار ليست برنامجا فلا ضرورة لاحترام التعدد. وهذا يكشف عن جهل مريع بأبجديات الإعلام التلفزيوني، ويفضح المستوى المهني لمن عهدت إليهم مهمة إخبار الرأي العام. لأن احترام التعددية مطلوبة في الأخبار التي تذيعها القنوات أكثر مما هي مطلوبة في البرامج. وكون الخبر مأخوذ من وكالة رسمية للأنباء ليس وحده مبررا لإذاعته بدون تحقيق شرط الحياد والموضوعية والمهنية. فالوكالة تنتج قصاصات إخبارية وتقارير رسمية، ولا تنتج قرآنا منزلا أو وحيا منزها عن الخطأ. وليس لأن الوكالة محدثة بظهير ملكي فإن مديرها «المعصوم» عن الخطأ سيسمح لنفسه بنشر تقارير خبرية تهاجم الأشخاص والمؤسسات التي تضعها بعض الأجهزة المخابراتية في لوائحها السوداء. ثم تأتي بعد ذلك القناة الثانية وتأخذ عنها هذه التقارير «المعصومة» وتذيعها بضمير مهني مرتاح.
إن لعبة «هز ليا نسماتشي ليك» التي تمارسها القناة الثانية ووكالة الخباشي للأنباء أصبحت مفضوحة اليوم. لقد سقط القناع عن الجهاز الحقيقي المتحكم في دواليب أخبار القناة الثانية ووكالة الأنباء الرسمية. وهو نفسه الجهاز الذي يشن اليوم حربا إعلامية في منشوراته المفضوحة ضد بعض حكماء الهيئة العليا للاتصال بتهمة التحيز لـ«المساء».
فهذا الجهاز الذي يعتبر نفسه فوق القانون، أصيب بحالة اكتئاب حادة عندما رأى أن خطته البليدة لإقبار «المساء» لا يسارها فيها أحد غير أزلامه في وكالة الخباشي ومديرية أخبار القناة الثانية ومنشورات سخيفة لا يقرأها حتى محرروها.
إننا لسعداء بهذه الانتصارات الصغيرة التي نحرزها في معركتنا ضد هذا الجهاز المتجبر والمتسلط والذي وضع كل «تنوعيره» في خدمة هدف واحد ووحيد وهو القضاء على «المساء» وإقفال أبوابها. وكأن المغرب سيكون أفضل حالا إذا ما جاء الصباح ولم تنزل «المساء» إلى الأكشاك.
بتضامنكم ومؤازرتكم ووقوفكم إلى جانبنا في هذه الأزمنة الرديئة سيفهم هذا الجهاز أن الوقت حان لكي يرفع حذاءه الثقيل عنا جميعا، صحافيين ومواطنين. فالمغاربة يريدون اليوم دولة المؤسسات وليس دولة المخابرات.
فهل تلتقط أجهزة رصدهم هذه الرسالة، أم إنهم سيقرؤونها كما هي العادة من قفاها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق