السبت، 14 نوفمبر 2009

الدعاء المستجاب

الدعاء المستجاب

هناك غرائب تقع في بعض القطاعات الحكومية لا تصل إلى أسماع الوزراء المحترمين الجالسين في أبراجهم العالية بحي الوزارات. ووزير العدل مثلا لم يسمع من قبل عن وظيفة الزوج «الحَلاَّل». وهو الرجل العاطل عن العمل والذي توجد ثلاث أو أربع نساء في ذمته على سنة الله ورسوله، تعيش كل واحدة منهن في بيتها الخاص. مع فرق بسيط، هو أن تلك الزوجات لا يشتغلن كربات بيوت وإنما يشتغلن كعاهرات. وفي كل مرة تسقط إحداهن في قبضة رجال الأمن متلبسة بممارسة الفساد، تعترف لهم أنها امرأة متزوجة، حتى تحاكم بتهمة الخيانة الزوجية. لكن الزوج بمجرد ما ينتهي إلى علمه خبر اعتقال إحدى «زوجاته» حتى يسارع إلى مركز الشرطة ويتنازل لزوجته عن حقه في متابعتها بالخيانة الزوجية. ويأخذها إلى بيتها حيث تعيش منفصلة عنه. لكي يصله في آخر الشهر تعويضه على «تحليله» لها أمام الشرع.
وأمام أغلب محاكم المملكة هناك «موظفون» لا يمكن أن تجد أرقام تأجيرهم في أي مصلحة من مصالح وزارة العدل، ومع ذلك فهم يشتغلون مع المحاكم كشهود زور. فهناك شهود الزور الخاصون بالعدولات، وهم مستعدون للإدلاء بشهادتهم في قضايا التركة، ويمكن أن تعثر على شهود زور حسب السن التي تريد، خصوصا في ما يتعلق باللفيف. وكل طبعا حسب ثمنه.
وهناك شهود الزور الخاصون بالمحاكم، وهم متخصصون في قضايا الجنحي والعادي، ومتوفرون حسب المناطق التي تقع فيها الأحداث التي يحتاج فيها الزبون شهادة.
ثم هناك أخيرا شهود زور المقاطعات. وهؤلاء متخصصون في تقديم الشهادة للمحتاجين إلى شهادة العزوبة أو غيرها من الشهادات التي تمنحها المقاطعات للمواطنين.
وإذا كان وزير العدل يجهل وجود هذه المهن «التكميلية» التي تعطي خدماتها للمواطنين أمام أبواب أغلب محاكم المملكة، فإن وزيرة الصحة ياسمينة بادو تجهل ربما أن الدماء التي تجمعها وزارتها من تبرعات المواطنين أصبحت تباع اليوم في مستشفياتها العمومية بأربعمائة درهم للكيس الواحد. والحالة الوحيدة التي يستفيد فيها المرضى من أكياس الدماء مجانا هي عندما يقرر طبيب الإنعاش ذلك بعد أن يتأكد من أن نسبة الهيموغلوبين في دماء المريض لا تتعدى أربعة غرامات في كل لتر. أما إذا وصل المواطن بذراعه مكسورة وحوضه مفككا وجلدة رأسه مفتوحة، ووجد الطبيب أن نسبة الهيموغلوبين في دمائه تصل إلى سبعة غرامات، فإن المريض يكون مطالبا بدفع ثمن أربعة أكياس من الدماء من جيبه. والحل الوحيد المتبقي أمام المواطن الذي لا يملك مصاريف اقتناء أكياس الدماء عندما يتعرض لمثل هذه الحوادث، هو أن يمر ببيته قبل أن يقرر التوجه إلى المستعجلات، ويجلس فيه لكي ينزف بهدوء حوالي «إطرو» من الدم، ما يكفي لكي تنزل نسبة الهيموغلوبين في دمه إلى أربعة غرامات التي تمنح الاستفادة المجانية من الدماء في مستشفيات ياسمينة.
والنصيحة الوحيدة التي يجب أن تخرج ياسمينة بادو لإعطائها للمواطنين في وسائل الإعلام العمومية، هي أن كل من فكر في إدارة محرك سيارته والنزول إلى الطريق عليه أن يتأكد أولا من وجود مبلغ 2000 درهم في جيبه. ثمن أربعة أكياس من الدم على الأقل، تحسبا لوقوع حادثة لا قدر الله قد يكون من نتائجه الوصول إلى أحد مستشفيات ياسمينة. لهلا يوصل ليها شي مسلم.
وقد كنا على عهد الشيخ بيد الله نتأسى على مطالبة إدارة المستشفى المرضى باقتناء الخيوط والبنج والبيطادين، إلى أن جاءت ياسمينة بادو فأصبحت في عهدها تباع حتى أكياس الدم التي يتبرع بها المواطنون.
أما وزير التربية والتعليم الذي قدم مشروعه الإصلاحي أمام الملك على شاشات تلفزيونات البلازما المتطورة، والذي تفتخر الكاتبة العامة لوزارته بالقضاء على الاكتظاظ في الأقسام، فلا بد أنه يجهل أن هناك أقساما في مدارس بالحي الحسني بالدار البيضاء «تحتضن» أكثر من ستين تلميذا في القسم الواحد في الجذع المشترك. وبينما يتحدث سعادته عن إصلاح منظومة التعليم يقف تلاميذ على أرجلهم في آخر الفصل بهذه المدارس لأنهم لا يجدون طاولات فارغة يجلسون عليها.
وعندما نتأمل طريقة الوزارة في سد الفراغ الحاصل في أساتذة بعض التخصصات، نفهم أن «إصلاح منظومة التعليم» كما يفهمها ويطبقها خشيشن هي «كم حاجة قضيناها بتركها». فمثلا عندماا تعذر على نيابة التعليم بالدار البيضاء الكبرى توفير أستاذ لمادة الترجمة لتلاميذ السنة الأولى ثانوي، فالحل سهل للغاية، فقد قامت النيابة بإلغاء مادة الترجمة من المقرر. وهذا ما وقع بالفعل خلال هذا الدخول المدرسي الحالي.
وليست مادة الترجمة هي الضحية الوحيدة في دخول هذه السنة، بل حتى مادة الفلسفة التي هللوا في الوزارة برجوعها إلى مقررات التعليم. ألغتها نيابة التعليم من مقررات الجذع المشترك.
وإذا كانت وزارة التعليم في عهد خشيشن تلجأ إلى إلغاء المواد الدراسية من المقررات وحرمان التلاميذ من حقهم في المعرفة، فهناك تلاميذ في مراكش ليسوا محرومين فقط من بعض مواد المقرر وإنما حتى من الماء في المراحيض. وحسب نائب وزير التربية الوطنية بمراكش فهناك أكثر من مائة مؤسسة تعليمية بمراكش تفتقر إلى المرافق الصحية الضرورية. وهكذا أصبح التلاميذ في مؤسسات تعليمية كثيرة يلجؤون إلى الاستنجاء بالحجارة عند قضاء حوائجهم.
وأخطر من استنجاء التلاميذ بالحجارة وإلغاء الترجمة والفلسفة من مقررات بعض المؤسسات التعليمية، هناك «القدوة الحسنة» التي يفتقر إليها التلاميذ. فكل يوم تقريبا يشاهد هؤلاء التلاميذ في وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية ما يحدث لطلبة ناجحين ولامعين استطاعوا أن يكملوا جميع مراحل تعليمهم العالي، وفي الأخير أصبحوا يقطعون صيامهم أمام البرلمان بانتظار استئناف مسلسل الضرب والجرح على يد قوات الأمن.
وبسبب استمرار هذا الفيلم المخجل في قلب الرباط، وأمام عمالات وباشويات وقيادات الأقاليم النائية، ستظل العائلات المغربية ترى في أطفالها الذاهبين إلى المدرسة مجرد مشاريع عاطلين عن العمل سينتهي بهم المطاف عاجلا أم آجلا إلى ساحة البرلمان. ولعل هذا أحد أهم أسباب العزوف عن الدراسة، والتي لا يشير إليها ميثاق إصلاح التعليم للأسف.
لهذه الأسباب مجتمعة، عندما أقرأ رسائل بعض القراء الذين فروا بجلودهم من المغرب، أفهم سبب انضمامهم إلى «نادي المهجرين المغاربة» الذين نجح قادتنا في طردهم من بلادهم نحو بلدان الجيران. وإليكم واحدة من هذه الرسائل عسى أن يفهم البعض لماذا هرب إلى حدود اليوم ثلاثة ملايين ونصف مليون مغربي من أجمل بلد في العالم، بكل الوسائل المتاحة، والتي لم تسلم منها حتى السباحة.
«السلام عليكم، كيف الحال أنا من قرائك وأقيم في اسبانيا. كتبت لك تقريبا منذ سنتين وكنت حينذاك لا أزال بالمغرب، وتذكر أنني قلت لك لو كلفني الهروب من المغرب 20 مليونا لدفعتها للهروب من جو المغرب المخنوق بالظلم و«الحكرة». مع إني ابن عائلة ميسورة والحمد لله. وقلت لك إني أريد أن أعيش كبشر، لا ككلب حشاك. والحمد لله تحقق الحلم وبطريقة قانونية. وعندما أتيت هنا بدأت بعقد المقارنات. ووجدت أن القانون يسري على الكل ولو كان ابن رئيس الوزراء. الرشوة لا وجود لها. هنا يوجد المسلمون الحقيقيون، ولا تنقصهم سوى الشهادة. نحن خمسة إخوة في الخارج، الكل فر بجلده، مع أنهم كلهم ذوو مستوى علمي. لم أكن أريد مفارقة أبي وأمي وأهلي في المغرب ولكن «الله يجعل التقليد على من جرى علينا وهربنا من بلادنا».
آمين يا رب العالمين.

0 التعليقات:

إرسال تعليق