الجمعة، 13 نوفمبر 2009

حوتة وحدة تخنز الشواري

حوتة وحدة تخنز الشواري

من أغرب الذرائع التي ساقها أعضاء من الفريق الاستقلالي في البرلمان لتبرير إحراجهم من فكرة تشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق في أحداث سيدي إفني، هو ما قالته النائبة الاستقلالية بناني سميرس التي ضربتها «النفس» فجأة على ميزانية البرلمان. فقد قالت النائبة المحترمة أن هذه اللجنة ستكلف ميزانية البرلمان الشيء الكثير، ولذلك فالأحسن سيكون هو اللجوء إلى إجراء بعض التغييرات الأمنية لمعاقبة المسؤولين عما وقع.
والغريب في موقف فريق عباس الفاسي البرلماني أنه لم يتحدث مطلقا طوال وجوده تحت قبة البرلمان عن المصاريف التي تنهك ميزانية البرلمان، وعلى رأسها مصاريف الرحلات الكثيرة التي يطوف فيها رؤساء وأعضاء الفرق النيابية الكرة الأرضية بكاملها، إلا اليوم عندما فكرت فرق المعارضة في إنشاء لجنة برلمانية لتقصي الحقائق في سيدي إفني.
وواضح أن الفريق الاستقلالي محرج كثيرا هذه الأيام في البرلمان، ويعرف أن مشاركته في تشكيل هذه اللجنة تعتبر ضربة سياسية كبيرة لأمين حزبهم ووزيرهم الأول عباس الفاسي الذي سمعه مشاهدو القناتين الأولى والثانية «يمسح السما بليكة» وينفي وقوع أية أحداث في سيدي إفني.
وهنا يظهر جليا أن أعضاء بالفريق الاستقلالي يضعون مصلحة و«مصداقية» أمينهم العام للحزب ووزيرهم الأول فوق مصلحة ساكنة سيدي إفني التي تنتظر تشكيل هذه اللجنة التي ستأتي لتحقق في ما وقع. حتى يختار الرأي العام بين تصديق خبر وكالة «عباس بريس» التي تنفي وقوع أية أحداث، وبين الأخبار التي نشرتها الصحافة المستقلة (عن البوليس)، والتي وصفت بالصورة والكلمة فظاعة ما وقع ويقع في سيدي إفني.
أحد الظرفاء علق على خبر تأسيس لجنة لتقصي الحقائق في سيدي إفني بقوله أن هذه اللجنة يجب أن تفكر، مادامت ستكلف البرلمان ميزانية مالية، في التحقيق أيضا في فضيحة «النجاة» التي كان بطلها عباس الفاسي عندما كان وزيرا للشغل. هكذا تضرب اللجنة البرلمانية عصفورين بحجر واحد. خصوصا وأن ضحايا فضيحة «النجاة» أكثر من ضحايا أحداث سيدي إفني. فحسب جمعية ضحايا «النجاة» فقد انتحر خمسة منهم إلى حدود اليوم بسبب اليأس المزمن الذي أصابهم بعد تأكدهم من أن قضيتهم مع اللصوص الذين سرقوا أحلامهم بالعمل في أعالي البحار وصلت إلى الباب المسدود. هكذا ففضيحة النجاة أسفرت عن قتلى، ورغم ذلك لم تتأسس لجنة برلمانية لتقصي الحقائق حول الملابسات التي أدت بهؤلاء الشباب إلى وضع حد لحياتهم.
ويبدو أن تأسيس لجنة لتقصي الحقائق في سيدي إفني لن يكون غدا. والظاهر أن الأمر سيأخذ بعض الوقت. لذلك فمن الضروري توضيح الصورة أمام الحكومة والبرلمان لكي يتخذوا ما يرونه لازما لإعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي في سيدي إفني.
هناك اليوم عشرات الشباب المطاردين في الجبال، والذين لجؤوا إليها هربا من الآلة القمعية للأمن. وهم هناك منذ السبت الماضي، أي حوالي سبعة أيام. بلا طعام أو شراب. فقوات الأمن تقطع عنهم الإمدادات وتحذر سكان القبائل من مدهم بالماء والطعام. إن هذه الطريقة في تعقب الفارين إلى الجبال بالطائرات والكلاب ووسائل الرصد المتطورة، لا تلجأ إليها الدول إلا في حالة مكافحة الإرهاب أو الجماعات المسلحة. والحال أن الفارين من بطش الآلة الأمنية ليسوا مسلحين سوى بالثياب التي كانوا يضعون فوق ظهورهم.
إن أول شيء يجب أن تقوم به السلطات الأمنية هو تحويل هذه المطاردة الجهنمية للفارين إلى الجبال إلى عملية إنسانية لإنقاذهم من الجوع والعطش والأمراض التي تتهدد سلامتهم. يجب على الطائرات التي تحلق فوق الجبال بحثا عنهم أن تلقي إليهم بالمؤونة لكي يظلوا على قيد الحياة، إلى حين نزولهم من الجبال. وبعدها يمكن للدولة أن تحاكمهم إذا ما ثبت لديها أنهم اقترفوا جرما في حق أمنها أو الأمن العام.
إن إنقاذ المتحصنين بالجبال أصبح اليوم ضرورة عاجلة، فالنائم يا سعادة الشرقي أضريس والعنيكري وحسني بنسليمان بين الأحراش في الجبال تحت درجات حرارة تصل إلى ما دون الصفر ليس مثل النائم فوق سريره الناعم والدافئ في فيلته بطريق زعير أو السويسي.
إن محاصرة عشرات الشباب في الجبال وتعقبهم بالكلاب والطائرات وتحذير القرويين من إمدادهم بالطعام كما لو كانوا انقلابيين أو إرهابيين خطيرين حملوا السلاح في وجه النظام، لهو الشطط في استعمال السلطة بعينه.
أما المسألة الثانية والتي لا تقل أهمية عن الأولى فهي رفع الحصار عن المدينة والانكباب بشكل عاجل على إيجاد حلول للملف الاجتماعي لساكنة سيدي إفني.
يجب التفكير جديا في إحداث عمالة في سيدي إفني، عوض أن تبقى تابعة لتيزنيت. حتى تستفيد المدينة من عمل وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية. فسيدي إفني تدخل ضمن الامتداد البشري للجنوب، وحسن الدرهم رئيس المجلس البلدي للمرسة بولاية العيون، وعبد الوهاب بلفقيه رئيس المجلس البلدي لكلميم، وكلاهما باعمراني الأصل. ويجب الشروع في وضع مخطط متكامل لتنمية المدينة وفك العزلة عنها.
فقد بدا واضحا أن ميناء سيدي إفني يدر أرباحا تقدر بالملايير على المحظوظين الذين يستغلون أسماكه. ففي أسبوع واحد من الحصار قدرت خسارة الشركات العاملة بالميناء بحوالي مليار سنتيم. وهذا الرقم وحده يكشف «الذهب» الذي يستخرجه هؤلاء من الميناء دون أن يكون لأبناء المدينة نصيب منه.
والأهم من هذا كله هو أن تفهم الدولة أن ما وقع في سيدي إفني ليس سوى مجرد ناقوس إنذار. لذلك ليس من الحكمة الاقتصار على تحليل صوت هذا الناقوس ومدى حدة طنينه، وإنما الأجدر تحليل رسائله.
ولعل أكبر خطأ يمكن أن ترتكبه الدولة في التعاطي مع أحداث سيدي إفني هو اقتصارها على شغل الرأي العام وساكنة المدينة بمحاكمات الشباب الذين اعتقلتهم على خلفية ما وقع. وهذه سياسة مغربية عفا عنها الزمن وأصبحت فاقدة لجدواها. وقد لجأت إليها الدولة مع معتقلي انتفاضة صفرو وبومالن دادس ومناطق أخرى، بحيث ينشغل الجميع بالمحاكمات عن الأسباب الأساسية التي من أجلها خرج الناس إلى الشارع. وبالتالي يصبح خروج هؤلاء المعتقلين من السجن إما بالبراءة أو العفو انتصارا باهرا في حد ذاته، دون أن ينتبه الجميع إلى أنهم خرجوا من كل هذه الحكاية بخفي حنين. فلا مطالب تحققت ولا تنمية جاءت، فقط ضياع للوقت والجهد في محاكمات هزلية تنتهي بعد أن تهدأ الأوضاع إلى أحكام بالبراءة. فيما المتهمون الرئيسيون في القضية والذين يكونون غالبا هم الفقر والتهميش والحكرة، يحصلون على السراح المؤقت بانتظار انتفاضة أخرى تحدث عندما يحتك السكين بالعظم.
يجب على الدولة أن تفهم أن منطق الرصاص سواء كان نحاسيا أو مطاطيا لا ينفع في خلق الاستقرار والأمن في أية منطقة. ما يخلق الأمن والاستقرار هو التنمية التي توفر سبل العيش الكريم للمواطنين. لهذا تصلح الدولة. أما أولئك الجنرالات الذين يعتقدون أنه بالعصا والرصاص والقنابل المسيلة للدموع سنخلق الاستقرار، وأنهم إذا ما غادروا مناصبهم ستسود الفوضى في البلد، وأنه بدون وجودهم ستتوقف الكرة الأرضية عن الدوران، فيجب أن يعرفوا أن المقابر مليئة بالأشخاص الذين كانوا يعتقدون أنفسهم ضروريين.
مستقبل المغرب أهم من نياشين البعض، وسفنهم في أعالي البحار. فيبدو أن التطرف في قمع محاصري الميناء ومعهم سكان المدينة يخفي رغبة في بث الرعب في قلب كل من يهدد مصالح الماسكين بإمبراطورية السمك في الجنوب. وإذا كان البعض اليوم في المغرب يتصرف دون روية أو بعد نظر، فيجب تذكيره بما قاله الكاتب «وارنر بيفيت» الذي قال ذات يوم «الخطر يأتي عندما نجهل ماذا نصنع».
والذين لا يعرفون من يكون «وارنر بيفيت»، (لأنه اسم كاتب وليس نوعا من أنواع السمك)، نحيلهم على ما يقابلها في الثقافة الشعبية المغربية، وهو المثال الذي يقول «حوتة وحدة تخنز الشواري».

0 التعليقات:

إرسال تعليق