السبت، 14 نوفمبر 2009

صحيح خباشي

صحيح خباشي

لوكالة المغرب العربي للأنباء، ومديرها السيد الخباشي، طريقة خاصة في «فدلكة» الأخبار واختيار الوقت الملائم لتعميمها. خصوصا عندما يتعلق الأمر بجريدة «المساء». فسعادته يتلقى استدعاءات المحكمة التي تخصنا قبل أن نتلقاها نحن.
واضح أن الخباشي ووكالته لا تحبنا، وتبحث بالريق الناشف عن أية حبة لكي تحولها إلى قبة، وتصعد فوقها لكي «تبرح» في الناس بسبقها الصحافي الثمين.
عندما أصر الخباشي، صهر المنصوري مدير المخابرات العسكرية وذراعه اليمنى، على تعمد الخلط بين «المساء» والاستماع إلى المخرج محمد العسلي، أحد المساهمين في الشركة المصدرة للجريدة، في قضية لها علاقة بتبييض وتهريب العملة والتهجير من طرف شبكة للسوريين، فإنه يكون قد كشف عن نية مبيتة للإساءة إلى هذه الجريدة.
وقد اعتبرت بعض الصحف رواية الخباشي، التي أخذها عن مصادره الصادقة الأمينة المشهود لها بالورع والتقوى، الرواية الصحيحة والوحيدة، وبنت عليها مقالاتها الرئيسية وعناوينها الغليظة، مع حرص كبير على أن يتجاور اسم «المساء» مع كلمات من عيار «تهريب العملة»، «التبييض» «التهجير»، بحثا عن إثارة رخيصة لبيع نسخ إضافية على ظهر «المساء».
وبينما اكتفت بعض الصحف بترديد «صحيح الخباشي»، تعاملت صحف أخرى بمهنية، وأوردت رواية الخباشي واتصلت بمحمد العسلي وأخذت روايته ونشرت مادة خبرية متوازنة ومهنية.
ولكي تعرفوا أن وكالة الخباشي أصبحت أداة لتصفية الحسابات بأموال دافعي الضرائب، ولعبة في يد أجهزة تتحرك وراء الستار لتلطيخ سمعة كل من يظهر فيه «البلان»، سأقترح عليكم بعض الأخبار التي تدخل في باب المتفرقات والمنوعات، والتي يستحيل أن تعثروا لها على أثر في قصاصات وكالة آية الله الخباشي.
قبل أسبوع اعتقل رجال الأمن في أحد شوارع الدار البيضاء صحافيين، أحدهما يشتغل في جريدة رسمية، والثاني يشتغل في جريدة تقول عن نفسها أنها مستقلة. والسبب هو اعتداؤهما على مواطن بسبب سكرهما الطافح. وبما أن وكالة الخباشي لديها مصادرها الأمنية المطلعة، فمن الأكيد أنه توصل بالخبر. لكن سعادته ليست لديه تعليمات بالهجوم على هاتين الصحيفتين، لذلك لم ينشر أية قصاصة حول الموضوع. وحتى لو نشر قصاصة تتحدث عن هذه الحادثة، التي لو وقع نصفها في مؤسستنا لضربوا لنا الطر بسببها، فإنه لن «يفيد» زبائنه بأسماء المساهمين ومؤسسي الشركات التي تصدر الجريدتين اللتين يشتغلان فيها.
والواقع أن مدير الوكالة ينطبق عليه المثل الذي يقول أن الجمل لا يرى سوى سنام غيره. ولذلك لم نقرأ سطرا واحدا في كل أخبار وكالته حول الحادثة التي كان هو شخصيا بطلها في أحد شوارع طنجة الرئيسية قبل شهرين، عندما نزل من سيارته فاقدا السيطرة على نفسه وحطم سيارة أحد المواطنين واعتدى عليه بالضرب لمجرد أن هذا الأخير زاحم سعادته على مكان وقوف سيارته.
واضح أن وكالة الخباشي لا تختار بعناية الأخبار التي «تفدلكها» وتنشر قصاصاتها، بل تختار بعناية حتى الأخبار التي تخفيها وتمارس حولها التعتيم، إعمالا لقاعدة كم حاجة قضيناها بتركها.
وقد شاهدنا كيف تحدثت أغلب الصحف والمجلات عن الحادث التي كان بطله حفيظ العلمي، رئيس الكنفدرالية العامة لأرباب المقاولات، والذي اعتدى بدوره على مواطن في قلب الدار البيضاء بالضرب والشتم، وهدده بإرساله إلى مشرحة الموتى، وكل ذنب المواطن أنه احتك بابن سعادة الباطرون الأول في المغرب الذي لم يتورع عن الادعاء أمام الملأ أنه هو من يحكم المغرب.
ورغم خطورة ما قام به وتفوه به رئيس الكنفدرالية العامة لأرباب المقاولات، فإن وكالة الخباشي، التي لديها مكتب بالمناسبة يقع بالقرب من مكان وقوع الحادث، لم تر داعيا لإخبار زبائنها بما وقع. خصوصا وأن الأمور تطورت بعدما قرر الضحية وضع شكاية لدى الشرطة بالضرب والتهديد بالقتل ضد حفيظ العلمي، معززا شكايته بشهادة شاهدة حضرت الوقائع بتفاصيلها.
البكم والصمم اللذان يصيبان الخباشي ووكالته، لا يقتصران فقط على أخبار وفضائح الوجهاء وكبار الشخصيات المقربة من السلطة، بل يشملان حتى المقربين من الجنرالات الأقوياء. وعندما اتخذ الجنرال حسني بنسليمان قرار توقيف صهره الكولونيل التريكي بسبب تورطه في تزوير محضر رسمي لإخفاء معالم جريمة قتل راح ضحيتها حارس فندق «أونفيتريت» بالصخيرات، لم يجد السيد الخباشي فائدة تذكر في إخبار الرأي العام، الذي يتقاضى راتبه من أمواله، بتفاصيل هذا الحادث الخطير الذي تجتمع فيه كل عناصر الخبر العاجل. ففيه جريمة القتل وعزل الإطار العسكري الكبير والتزوير في محضر رسمي. وإذا كانت كل هذه العناصر الخبرية لا تستحق تشكيل قصاصة صغيرة حولها، فإننا صراحة لا نعرف المدرسة الصحافية التي ينتمي إليها سعادته، والتي تخصص قصاصات طويلة لاستقالة الجنرال مشرف في باكستان، بينما تصاب بالخرس عندما يتعلق الأمر بعزل كولونيل مغربي في الدرك الملكي.
وإذا كانت وكالة الخباشي تصاب بالبكم عندما يتعلق الأمر بأخبار وتجاوزات الدرك الملكي، فكيف يمكن أن نتخيل مغامرة الخباشي بالزج باسم الكولونيل التريكي في قصاصة خبرية مقرونا بعلاقة المصاهرة التي تجمعه بالجنرال حسني بنسليمان، كما صنع عندما زج باسم محمد العسلي وسط شبكة للتهريب والتبييض وزج معها باسم «المساء» وسط الجميع، فأبدع قصاصة خبرية هدفها الرئيسي تلطيخ سمعة المخرج محمد العسلي ومعه سمعة مؤسسة «المساء» التي لا يوجد في قانونها ما يقول أن محمد العسلي هو «مؤسسها» أو «صاحبها» أو «مالكها» كما تهافتت وكتبت بعض الجرائد، وإنما أحد المساهمين فيها. وقانون الشركة موضوع في المحكمة وبوسع الجميع الاطلاع عليه للتأكد من صحة ما نقول.
واضح إذن أن الخباشي حول وكالته من وكالة أنباء تحترم نفسها وزبائنها إلى مؤسسة لتصفية الحسابات بالوكالة.
وإذا كان الخباشي قد رفع عنه القلم، ويستطيع أن يقترف من الأخطاء المهنية ما يشاء، فإن قناة عمومية كالقناة الثانية مطالبة بالتحري في الخبر والاتصال بالمعني بالأمر لأخذ روايته. خصوصا إذا كانت رواية الوكالة كاذبة وتنطوي على إرادة واضحة للإساءة إلى مؤسسة «المساء».
ولذلك فإيراد خبر الوكالة بتلك الطريقة التي تنطوي على التشهير والتشنيع وتلطيخ السمعة، تفرض علينا اللجوء إلى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، لكي ينصفنا حكماؤها من هذا الظلم والتجني والباطل الذي عممته نشرة أخبار القناة الثانية، وأقحمت فيه جريدة «المساء»، دون أن يكون هناك مبرر لذكرها سوى تلطيخ سمعتها وزعزعة ثقة ملايين المشاهدين في مصداقيتها.
لقد أعطت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري المثال في أكثر من مناسبة على الصرامة في تطبيق القانون ضد وسائل الإعلام التي تخرق مواثيق وقوانين العمل المهني. ولعل مراسلتها الأخيرة لمدير «هيت راديو» لمطالبته بتوضيحات حول التجاوزات البورنوغرافية التي عرفتها بعض حلقات برنامج «بث حر»، واعتراف المدير بالخطأ الجسيم الذي ورطه فيه منشطو هذا البرنامج، تسير في اتجاه الحرص على تطبيق القانون في احترام كامل لدفتر التحملات.
ولذلك نعتقد أن الهيئة العليا للاتصال ستعطي «المساء» حق الدفاع عن سمعتها التي حاولت القناة الثانية تلطيخها بواسطة تلك القصاصة المسمومة التي دستها لها وكالة الخباشي.
ونتمنى أن تتأسس في المغرب هيئة حكماء في الإعلام المكتوب مثل هيئة حكماء التلفزيون والراديو، تكون لديها الصلاحيات لردع هذا المد البورنوغرافي الكاسح الذي يجتاح الصحافة المكتوبة هذه الأيام.
فقد أصبحنا نرى صحفا تصدر بعد أن «تزين» صدرها بما يكفي من الكلام الساقط الذي لا يمكن أن تسمعه حتى في أحقر الخمارات.
ومثلما أن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ترى أن مثل ما أقدمت عليه «هيت راديو» في ذلك البرنامج يشكل تهديدا للذوق العام والأخلاق العامة، فإن الوزير الأول الذي لديه سلطة حجز المطبوعات التي تخل بالنظام والحياء العام بانتظار بت القضاء في أمرها، يبدو أنه غير متضايق تماما من كل الكلمات الشاذة وعديمة الذوق والشتائم الحاطة بالكرامة الإنسانية التي «تزين» بها بعض الصحف صفحاتها الأولى. والتي بالمناسبة تتسلم كل سنة دعم وزارة الاتصال السخي المستخلص من جيوب دافعي الضرائب.
إن دعم مثل هذه المطبوعات المخلة بالآداب بأموال الشعب لا يعتبر فقط تبذيرا للمال العام، وإنما مساهمة من طرف الحكومة بأموال الشعب في تدمير أخلاقهم والمس بمشاعرهم، وتحريضهم على «قلة العراض».
فليتحمل كل واحد منا مسؤوليته في تغيير هذا المنكر، أو على الأقل فضحه بلسانه أو بقلمه، أو بقلبه، وهذا أضعف الإيمان.

0 التعليقات:

إرسال تعليق