السبت، 14 نوفمبر 2009

سعدات اللي عندو جداتو فالعرس

سعدات اللي عندو جداتو فالعرس

ليس مستغربا في المغرب أن تكون المؤسسة العسكرية واحدة من المؤسسات التي تسود فيها الرشوة أكثر من غيرها من مؤسسات المملكة، حسب تصريح لرئيس ترانسبارينسي المغرب. فحيثما انتفت الشفافية تعشش الرشوة والزبونية. وميزانية الجيش وطريقة تسيير المؤسسة العسكرية، إضافة إلى ميزانية القصر، تعتبر من الموضوعات المحرمة على المناقشة البرلمانية.
ولذلك فالمغرب يعتبر إحدى الدول القلائل في العالم التي تحول فيها الجنرالات وكبار المسؤولين بالجيش إلى أثرياء يملكون عقارات وأراضي فلاحية ومراكب صيد في أعالي البحار ويملك أبناؤهم وزوجاتهم منشآت صناعية، بعضها له علاقة وثيقة بالمواد الغذائية التي تتزود بها ثكنات العسكر، والمعدات التي يحتاجها العسكر ورجال الدرك كالألبسة والأحذية وغيرها.
بعض هؤلاء المسؤولين السامين في الجيش يتصورون أن سلطتهم تتجاوز حدود ثكناتهم، وأن الجميع يجب أن يكون في خدمتهم سواء داخل الثكنة أو خارجها. ولذلك قرر أحدهم من المقيمين على الشريط البحري لبوزنيقة أواسط هذا الشهر أن ينزل إلى الشاطئ المقابل لإقامته ويقطع بنفسه الخيط الذي يصل الإذاعة الشاطئية بالمولد الكهربائي. فسيادته لا يتحمل ضجيج الأطفال وهم يؤدون أناشيدهم الصباحية على الشاطئ. وليس أناشيد الأطفال فقط، فيبدو أن سعادته لا يطيق رؤية أية سيارة واقفة أمام فيلته. مع أن الوقوف مسموح به قانونيا على طول الشريط. ولذلك خرج قبل أيام منتفخ الأوداج وصعد فوق السيارات وبدأ «يشتف» عليها واحدة واحدة، إلى أن «بغجها» جميعها.
وبما أن الأمر يتعلق بمسؤول كبير في الجيش فإن أصحاب السيارات «كمدوها» وسكتوا، لأنهم يعرفون مسبقا أنهم محظوظون لأن «الدقة» جاءت في السيارة فقط، ولم يجدوا أنفسهم متابعين بتهمة إهانة مسؤول عسكري سامي أثناء أدائه لقيلولته.
شطط كبار المسؤولين في الجيش لا يعاني منه بعض المدنيين فقط، بل إن أكبر من يعاني من شطط هؤلاء المسؤولين هم العسكريون الذين يشتغلون تحت إمرتهم. فالطاعة والانضباط تتحول إلى استعباد وإهانة وخوف يكاد يكون يوميا من التعرض لعقوبات حبسية أو الوقوف أمام محكمة عسكرية. وليس مدهشا أن تجد اليوم في مغرب الحداثة والمعاصرة جنرالا أو كولونيلا لديه وحده فيلق من الجنود يسهرون على راحته وراحة زوجته وأبنائه. فمنهم الطباخون ومنهم الذين يقومون بأشغال التنظيف في البيت ومنهم السائقون الذين يصحبون الزوجة إلى الأسواق والأبناء إلى المدرسة. وعندما يحتاج أحد كبار المسؤولين العسكريين عمالا يشتغلون في ضيعته، يختار من ثكنته من يصلح لهذه المهمة، وعندما يريد بناء أو توسيع فيلته، فلديه ما يكفيه من عمال بناء بين فيالقه العسكرية.
حتى أصبحت «معيشة بيليكي» موضة أغلب كبار العسكريين. حتى ولو تسببت هذه الموضة في تجويع مئات العسكريين الذين يقتاتون في الثكنات، والذين يوحي منظر بعضهم بأنهم يعانون من سوء تغذية مزمن.
ومن شدة الخوف الذي يعاني منه العسكر في بعض الثكنات، وقعت مؤخرا حادثة طريفة في شكلها غير أن مضمونها يخفي مدى الرعب الذي يشعر به بعض العسكريين أمام مسؤوليهم. فقد تغيب إمام المسجد التابع لإحدى الثكنات وتولى الصلاة بالعسكر الكوماندون شاف. وعندما قام الإمام من الركوع وقال «سمع الله لمن حمده»، أجاب المصلون جميعا «ربنا ولك الحمد»، إلا واحدا نسي أنه بين يدي الله وقال «ربنا ولك الحمد أمون كوموندون شاف».
ولذلك فليس غريبا في ظل هذه العلاقة بين العسكريين ومرؤوسيهم المبنية على الرعب، أن نكتشف أن حبس الزاكي بسلا يوجد فيه اليوم أكثر من 300 جندي و12 ضابطا وأربعة كلونيلات. وأغلب هؤلاء الجنود، حسب المحكمة العسكرية التي حاكمتهم، يقضون عقوبة حبسية بسبب فرارهم من الخدمة العسكرية. ومنهم ممرضون وأطر يقررون بعد انتهاء عقد عملهم مع القوات المسلحة الملكية تقديم طلبات لمغادرة صفوف الجيش.
وإذا كان بعض هؤلاء المعتقلين قد قرر أن يضع حدا لمشواره العسكري في صفوف القوات المسلحة الملكية قبل انتهاء عقده القانوني، فإن آخرين يجدون أنفسهم في حبس الزاكي لمجرد أنهم تجرؤوا ووجهوا طلب إعفائهم من الخدمة بعد انتهاء مدة العقد الذي وقعوا عليه يوم دخولهم.
فقد اكتشفت القيادة العليا للقوات المسلحة أن كثيرا من الجنود الذين قضوا عشر سنوات في صفوف الجيش كممرضين ومهندسين وأطباء يختارون بعد انتهاء مدة عقدهم مغادرة صفوف الجيش للعمل في القطاع الخاص برواتب تضاعف رواتبهم في الجيش ثلاث أو أربع مرات.
ولكي تثني القيادة العليا هؤلاء الجنود عن المغادرة اهتدت إلى رفع العقوبة الحبسية لفارين من الجندية، وأصبحت اليوم سنة بعد أن كانت محدودة في ستة أشهر. وليس الفارون من الجندية من ينتهون في حبس الزاكي، وإنما حتى بعض الذين تجرؤوا وطلبوا إعفاءهم بعد انتهاء عقدهم مع الجيش. وليست التهم ما يعوز القيادة العليا لكي ينتهي عسكري في السجن. فمجرد عدم الاعتدال في الوقفة عند مرور جنرال يكفي لإرسال العسكري إلى السجن بتهمة عدم الانضباط.
وبعد قضاء ستة أشهر في حبس الزاكي يستطيع طالبو الإعفاء أن يغادروا الجيش إذا أرادوا. فعندها تكون القيادة العليا متأكدة من أن سيرة هؤلاء العسكريين السابقين الذاتية والمهنية التي تلطخها ستة أشهر سجنا كافية لكي تحرمهم من ولوج سوق الشغل في القطاع الخاص.
وحتى الذين ترفض طلبات إعفائهم بعد انتهاء مدة العقد الذي يجمعهم بالقوات المسلحة الملكية، ويبقون في خدمة الجيش، يتحول طلب إعفاء بعضهم إلى وصمة عار في ملفهم، تحول دون ترقيتهم. مع أن القانون يقول أن العقد شريعة المتعاقدين، وفي جميع جيوش العالم للعسكريين الاختيار بين تمديد عقدهم أو إنهائه بمجرد انتهاء مدته.
وطبعا هناك حالات يطبق فيها القانون، خصوصا الذين لديهم جدتهم في العرس. فالقانون في الجيش كما عند المدنيين يسري على البعض في الوقت الذي يدوسه البعض الآخر. ومثال الكولونيل التريكي الذي زور محضرا رسميا في حادثة فندق «أونفيتريت» المميتة بالصخيرات وأرسله صهره الجنرال حسني بنسليمان إلى بيته ليستريح ثلاثة أشهر، خير مثال على أن الصرامة العسكرية لا تطبق على الجميع بنفس الكيفية.
وآخر مثال على هؤلاء الذين لديهم جداتهم في العرس، ما وقع قبل يومين في مطار محمد الخامس عندما اعتقلت شرطة المطار امرأة على خلفية وجود شيك بذمتها بقيمة أربعة آلاف درهم، وحرروا لها محضرا وقرروا متابعتها في حالة اعتقال، تماما كما يصنعون مع المواطنين العاديين في هذه الحالة. سوى أن المرأة لم تكن مواطنة عادية، واتضح لرجال الشرطة أنها إحدى قريبات الشرقي أضريس، المدير العام للأمن الوطني. فاعتذروا لها وجاؤوها بالعصير والشاي وكتبوا لها محضرا آخر لكي تتابع في حالة سراح، وركبت طائرتها وغادرت بسلام.
وخلال هذا الوقت، كانت شرطة الجمارك توقف أستاذة مغربية مسافرة إلى كندا هي ورضيعها وزوجها في إطار الهجرة العائلية، بتهمة ارتكاب حادثة سير سنة 2002 بسيارة غولف مع جنحة الفرار بمدينة القنيطرة. فكان على الزوج أن يسافر وعلى الأستاذة أمال التازي أن تذهب في حالة اعتقال إلى كوميسارية المعاريف حيث قضت ثمان وأربعين ساعة في مكان قذر برفقة حاج بلباسه الأبيض كان ذاهبا إلى العمرة فأعيد من المطار لأنه أمضى شيكا بأربعة آلاف درهم على سبيل الضمانة لأحد أصدقائه، ومهاجرة من إفريقيا السوداء ضبطوها وهي تخفي المخدرات في شعرها، بعض بنات الليل وشاذ جنسي يلبس لباس النساء يسمي نفسه «نبيلة» ألقته الشرطة في جناح النساء. وحتى لكي تشرب كان على الأستاذة المعتقلة أن تدفع رشوة 200 درهم لأحد رجال الأمن لكي يحضر الماء إليها.
وفي الأخير وبعد قضاء ثلاثة أيام في الزنزانة النتنة اتضح للشرطة أن الأستاذة لم تكن تملك يوما سيارة من نوع «غولف» سوداء اللون، بل سيارة من نوع «أونو» بيضاء اللون. فأفرج عنها لكي تلتحق بزوجها عبر رحلة جوية لاحقة إلى كندا كلفتها ألفين درهم إضافية كتكاليف لتغيير موعد السفر.
وبعد ذلك يتساءلون لماذا يهاجر المغاربة بعائلاتهم إلى كندا وأمريكا وأوربا. الجواب بسيط، إنهم يبحثون عن الأمان والعدل والمساواة. ثلاثة شروط أساسية لحياة الكائن البشري وتقدمه ورخائه لازلنا نفتقدها في المغرب.

0 التعليقات:

إرسال تعليق