السبت، 14 نوفمبر 2009

نصائح وإرشادات

نصائح وإرشادات

بما أنه في المغرب كل من فضح الفساد داخل المؤسسة التي يشتغل فيها يكون مصيره إما الطرد وإما السجن، فإن فكرة إنشاء «جمعية ضحايا فاضحي الفساد» أصبحت ضرورية أكثر من أي وقت مضى. وأحد الأشياء المهمة التي يجب على هذه الجمعية إصدارها هو دليل يتضمن نصائح عملية لكل موظف يفكر في فضح الفساد في المؤسسة التي يشتغل فيها.
بالنسبة للمعتقل السياسي جمال الزعيم، الذي ألقي به في السجن بعد أن فضح فساد بعض الضباط في الجيش، وحكم عليه بثماني سنوات سجنا لازال يقضيها إلى الآن، فالأمور أصبحت واضحة. فقد كتب من زنزانته ثلاث صفحات باليد عنونها هكذا «نصائح عملية لكل عسكري فكر في فضح فساد ضباطه»، وهي مستخلصة من تجربته التي اكتسبها من محنته عندما فكر رفقة ضابط الصف إبراهيم جالطي في فضح الفساد الإداري لبعض الضباط داخل الثكنات العسكرية، وما ترتب عن هذه «المبادرة الحميدة» من معاناة داخل السجن، واللامبالاة من طرف النخبة والصحافة والجمعيات الحقوقية.
ولذلك حرر جمال الزعيم ما يشبه الدليل لكي يقرأه كل عسكري فكر في تكرار التجربة وفضح الفساد والمفسدين داخل الجيش، وهنا تلخيص لهذا «الدليل» تعميما للفائدة.
على كل عسكري قرر أن يفضح الفساد وأخذ ورقة وقلما ليدون خروقات رئيسه بالثكنة أن يعرف أنه لا يدون فقط خروقات رئيسه وإنما أيضا يدون محضر إدانته، لذلك عليه أن يحرص ما أمكن على أن تكون الجرائم التي يتهم بها رئيسه الفاسد صغيرة، ببساطة لأنها الجرائم نفسها التي سيحاكم من أجلها. العسكري طبعا وليس الرئيس الفاسد.
وأول شيء يجب أن تفعله إذا كنت عسكريا نزيها عندما يتم اعتقالك من طرف الدرك الملكي هو ألا تنخدع عندما سيطلبون منك سرد جميع الخروقات التي كنت شاهدا عليها، بدعوى أنهم سيفتحون تحقيقا نزيها ومفصلا حولها. لهذا لا يجب أن تطلق لسانك في عد الخروقات بسذاجة، فرجال الدرك لن يفتحوا حولها أي تحقيق، بل إنهم يريدون فقط على ضوء الخروقات التي فضحت أن يقيموا درجة خطورتك وعدد سنوات السجن الكافية للحد من حماسك واندفاعك.
وطبعا قبل عرضك على المحكمة العسكرية سيعينون لك محاميا فاشلا ومخادعا. سيصنع كل ما بوسعه لكي يبشرك بالفرج العاجل، دون أن ينسى مطالبتك بعدم عرض قضيتك على صفحات الجرائد، لأن ذلك من شأنه إرباك خطته الدفاعية. أول شيء يجب أن تصنعه هو عدم الثقة به، وعليك أن ترفض مساعدة كل المحامين الذين سيعرضون عليك. كما أنه لا داعي لتنصيب أي محامي أصلا، لأن محاكمتك ستكون في حاجة إلى عدالة وليس إلى محامي. وهذا سيوفر على عائلتك مصاريف إضافية قد تذهب إلى جيوب المحامين.
عندما ستقف أمام القاضي لا تجهد نفسك في عرض حججك، لأن حكم إدانتك مكتوب سلفا، وهذه المحاكمة في الواقع ليست سوى مسرحية يقوم فيها القاضي بدور الإخراج، بينما تلعب فيها أنت دور البطل الذي يكتشف بعد صدور الحكم أنه لم يكن سوى ضحية، وأن تذكرة هذه المسرحية ستؤدي ثمنها سنوات من السجن تصرفها من رصيد أحلى سنوات العمر.
مباشرة بعد صدور الحكم عليك سيتم رميك وسط زنزانة يتزاحم فيها عتاة المجرمين. لا تخف عندما سيقترب منك أبطشهم وسيخاطبك بلغة «الحباسة» التي لا تفهمها. سيسألك عن تهمتك، وإذا قال لك مثلما قال لجمال الزعيم عندما وضع قدمه أول مرة داخل الزنزانة «واش جاي على بطانة»، فتذكر أن «بطانة» تعني بلغة «الحباسة» القتل. وطبعا ستحار في شرح جريمتك لهؤلاء المجرمين، فتهمتك غير متداولة بينهم، كما أن أغلب تهم السجناء مختصرة في كلمة واحدة كالقتل والاغتصاب والسرقة والمخدرات. وبما أن تهمتك الحقيقية هي «محاربة الفساد»، فما عليك سوى تلخيصها في كلمة واحدة وذلك بحذف كلمة «محاربة» وقل لهم فقط «الفساد». هكذا سيظنون أنهم ضبطوك متلبسا بين أحضان عاهرة. وعليك ألا تخجل من هذه التهمة، فالسجناء يتداولون بينهم صفة جرائمهم بافتخار، لأن طبيعة الجريمة هي التي تحدد المكانة الاجتماعية للسجين بين باقي السجناء.
عندما سيأتي والدك ووالدتك لزيارتك أول مرة، سيشرعان في البكاء. لا تحاول منعهما من ذلك، فهما لا يبكيان على مصيرك وإنما على مصير عدالة بلادك. ولا تنسى في نهاية الزيارة أن تحدد لهما مواعدا شهريا لزيارتك. وتجنب المواعيد الأسبوعية، لأن سنوات السجن طويلة ومصاريف الزيارة سترهقهما، فهما الوحيدان اللذان سيداومان على زيارتك.
حتما ستراودك وأنت في السجن فكرة عرض قضيتك أمام الرأي العام. عليك أن تتأكد أولا بأن الرأي العام كجماعة ضغط غير موجود في المغرب. وإذا فكرت في مراسلة الجرائد فعليك أن تحذف من ذهنك مراسلة الجرائد الحزبية، فهي لن تنشر لك كلمة واحدة حول قضيتك. راسل الجرائد المستقلة، ولا تستغرب إذا ما نشرت حولك خبرا في اليوم الأول في الصفحة الأولى ثم بدأت مع توالي الأعداد تقذف بك نحو صفحاتها الداخلية. وبعد عشرين يوما ستمتنع هذه الجرائد عن نشر رسائلك بدعوى التقادم. هكذا ستفهم أن قضيتك تحتاج إلى عشرين سنة لكي تتقادم جنائيا، بينما لا تحتاج سوى إلى عشرين يوما لكي تتقادم إعلاميا.
وأنت تعد الأيام في سجنك لا شك أنك ستتذكر أننا في المغرب لدينا ثلاثون حزبا سياسيا بإمكانهم دعمك في محنتك. إياك ثم إياك أن تصدق هذا الوهم. وإلا سيحدث معك مثلما حدث مع جمال الزعيم عندما طلب من أحد قادة حزب يساري «عتيد» حل بالسجن رفقة أعضاء من لجنة العدل والتشريع بالسجن المركزي بالقنيطرة سنة 2004 ، مساعدته في التعريف بقضيته، فما كان من القيادي الحزبي سوى أن أشعل سيجارته الشقراء ونفث دخانها في وجه العسكري السجين وأدار ظهره وانصرف. لهذا لا تفكر في طلب دعم من أحزاب هي نفسها تطلب الدعم من الدولة.
عندما تخذلك الصحافة والأحزاب ستدير وجهك نحو المنظمات الحقوقية، وستجد أن عددها يفوق العشرة. لكن تأكد أن جمعية واحدة بين كل هذه الجمعيات هي التي ستتبنى قضيتك. لكن عليك أن تكون قنوعا وغير أناني، وألا تطلب منها القيام بتحركات ميدانية لإطلاق سراحك. فكل ما يمكنها أن تصنعه من أجلك هو أنها ستتذكرك مرة واحدة كل سنة بمناسبة إصدارها لتقريرها السنوي، حيث ستكتفي بإدراج اسمك ضمن لائحة المعتقلين السياسيين.
لا تنتظر أن يشملك ذات يوم عفو بمناسبة عيد وطني أو ديني. فهؤلاء الذين يشملهم العفو أخطؤوا في حق مواطنين مثلهم، أما أنت فذنبك أنك أخطأت في حق المخزن الذي يوزع العفو عندما فكرت في تطهير الجيش من المفسدين ليصبح جيشا قويا.
عليك أن تكون دائما على استعداد نفسي لسماع أخبار محزنة حول أسرتك الصغيرة، حتى تتجنب الصدمات. كما حدث مع جمال الزعيم عندما أخبروه بوفاة أخيه فيصل الذي كان من أنجب التلاميذ، وكان حلمه أن يصبح ضابطا كبيرا في الجيش، لكن بعد اعتقال أخيه جمال أصيب بصدمة نفسية غادر بسببها الدراسة وظل يعاني إلى أن عثر عليه غريقا هذا الصيف في سد الوحدة بتاونات.
إذا استطعت أن تغادر السجن بعد قضاء عقوبتك سليما في عقلك وجسدك، ستكتشف أنك غادرت سجنا أصغر إلى سجن أكبر. ستجد نفسك بلا كرامة وحيدا مشردا ومراقبا ومحاصرا في خبزك من طرف الأجهزة البوليسية السرية والعلنية. لهذا لا تضيع الوقت وفكر في مغادرة هذا الوطن.
عليك أن تتحول إلى لاجئ سياسي في إحدى الدول الغربية. لكن قبل أن تغادر الوطن للجوء في أوطان الآخرين، عليك أن تلجأ أولا إلى أقرب مغارة لكي تنحت على صخرها ملخصا لقضيتك. وكن متأكدا أن هذه الصخرة الجامدة ستبقى وفية لرسالتك إلى أن يأتي زمن آخر بعد مئات السنين سينصفك فيه علماء الأنتروبولوجيا. سينصفك التاريخ على يد هؤلاء العلماء بعد أن عجزت نخبة زمانك عن القيام بذلك.
ها أنت الآن حصلت على اللجوء السياسي في دولة غربية، ستحصل أخيرا على قدر من الكرامة، لكنك في المقابل ستكتشف أنك فقدت وطنك. عندها ستطرح على نفسك سؤالا فلسفيا عميقا لن تجد له جوابا مقنعا، وهو أيهما أولى، الوطن أو الكرامة ؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق