الأحد، 15 نوفمبر 2009

الله يجيب الشيفا

الله يجيب الشيفا

في الحقيقة أصبحت أخاف من قراءة إحصائيات الحكومة هذه الأيام. فبمجرد ما تنهي قراءة إحصاء لوزارة الأسرة والتضامن حول عدد المغاربة المصابين بإعاقات جسدية، حتى يصدمك إحصاء آخر لوزارة الصحة حول عدد المصابين بانفصام الشخصية. وقبل أن تكمل قراءة نتائج الإحصاء تنزل عليك الوزارة ذاتها بإحصاء جديد حول عدد المغاربة المرضى بالضغط وأمراض القلب والشرايين. وقبل أن تسترد أنفاسك تفاجئك الوزارة بآخر إحصاء حول عدد المغاربة المصابين بالاكتئاب والوسواس الخناس. وصراحة لم أندهش للعدد الهائل من المغاربة المصابين بالوسواس والذي حصرته ياسمينة بادو في عشرة ملايين مغربي، لأنني متأكد من أن ثلاثين مليون مغربي يعانون من الوسواس الخناس.
فبسبب انتشار الإجرام والسرقة بالنشل والسيوف أصبح الواحد منا عندما يخرج إلى الشارع يرى جميع الناس على هيئة قطاع طرق يتربصون به الدوائر لسرقة بزطامه أو هاتفه. وأصبح المغاربة يسيرون في الشوارع والأزقة وهم يلتفتون مخافة أن يكون أحد اللصوص ماشيا وراءهم. وهذا ما سمته وزارة الصحة في إحصائها الأخير بالرهاب الاجتماعي. أي أن المغربي أصبح خائفا من ظله، لا يثق في شيء، إلى درجة أن بعضهم إذا سلم عليك يعيد حساب أصابعه.
وعندما يتهمنا الناطق الرسمي باسم الحكومة نحن الصحافيين بنشر اليأس والقنوط بين الناس، فإنه ينسى أن أكبر من ينشر اليأس والاكتئاب بين الناس هي مصالح وزارات الحكومة التي ينطق بها. والتي لو تبعنا إحصائياتها لخرجنا بصورة مخيفة حول المغرب تلخص سكانه الثلاثين مليون كالتالي :
- عشرة ملايين مصابون بالاكتئاب والوسواس، حسب وزارة ياسمينة بادو.
- 300 ألف مصابون بالانفصام حسب وزارة الصحة دائما.
- ثلاثة ملايين معاق حسب وزارة نزهة الصقلي.
هذا دون أن نتحدث عن إحصائيات وزارة الصحة المفزعة حول الأعداد المتزايدة كل سنة للمغاربة المصابين بأمراض القلب والشرايين والقصور الكلوي والالتهاب الكبدي والسل والسرطان وسائر الأمراض المستعصية والمكلفة. ودون أن نتحدث أيضا عن إحصائيات وزارة الأسرة والتضامن حول أعداد المتسولين وأطفال الشوارع والنساء العازبات المشردات على أرصفة المدن.
لذلك فمن الطبيعي بعد قراءة كل هذه الإحصائيات الحكومية المخيفة أن يشعر الإنسان بالانقباض والاكتئاب ويصبح فريسة سهلة للوساوس والهواجس.
ولذلك أفهم اليوم لماذا يصر الناطق الرسمي باسم الحكومة على طمأنة الرأي العام المغربي بخصوص الأزمة المالية العالمية، خصوصا عندما يقول بأن المغرب لن يتأثر بالأزمة التي تعصف ببنوك أوربا وأمريكا. فالحكومة مسكينة «هازة لينا الهم»، وتعرف أن الوسواس الخناس «داير فينا حالة»، وأن أبسط شك يراودنا حول قدرات بنوكنا على تحمل الأزمة سيدفع ملايين الموسوسين منا إلى سحب ودائعهم من حساباتهم البنكية والعودة إلى زمن دس «ماصوات» الفلوس في «المساند والمضربات».
ولذلك فالحكومة بصمتها المطبق حول الأزمة العالمية تريد أن تبعث للمغاربة رسالة متفائلة، حتى تمر هذه الأزمة على خير، فتعود إلى إخراج رأسها من الرمال.
وسيرا على هذا المنوال، سنحاول نحن أيضا من جانبنا أن نغض الطرف عن الأخبار الكئيبة التي تنشر الوسواس الخناس واليأس والقنوط بين المغاربة، وسنكتفي بالحديث عن الأخبار المضحكة والطريفة، حتى نهز «المورال» لخوتنا في الإسلام، ونزيد بهم القدام، مع الاعتذار للحاجة الحمداوية على هذا التحوير الذي تفرضه متغيرات المرحلة.
والحقيقة أننا ضيعنا على قرائنا خبرا مهما جاء من إمينتانوت، و«أغرقنا» في الحديث عن ضحايا الفيضانات وتقاعس السلطة عن إغاثة منكوبيها، وتركنا جانبا الخبر الأهم في كل المنطقة. وهو خبر اعتقال مؤذن مسجد بإمينتانوت متلبسا بإخفاء عشيقته في «تسريح»، بعد أن داهمه السكان مصحوبين بالسلطة المحلية وهو يهم بها بعد إقفال المسجد وذهاب المصلين إلى بيوتهم ليلا.
وعندما أحس المؤذن بوقوعه في الورطة جمع وطوى صديقته في «التسريح» وحاول إخفاءها في ركن من المسجد. لكن الله أراد أن يفضحه في تلك الليلة، فانتهى هو وصديقته الملفوفة في «التسريح» في ضيافة الأمن.
وهكذا، ففي الوقت الذي كان فيه سكان إمينتانوت يفعلون كل ما بوسعهم لإنقاذ أنفسهم من الغرق، كان سعادة المؤذن يفكر في طريقة لإنقاذ نفسه من الورطة التي وضع نفسه فيها.
أما في فاس فقد انشغلنا بأخبار الإجرام والنشل والسرقة بالسيوف، وتحدثنا عن ذلك السائح الألماني الذي سرقه وطعنه حتى الموت أحد المجرمين، وأغفلنا الحديث عن خبر سعيد بطلته سائحة صينية فاجأها قبل أمس لص من مشاهير لصوص فاس، وهددها بسكينه. ومن سوء حظ اللص أن «الشينوية» محزمة، بالإضافة إلى حزام سروالها، بحزام أسود في الكاراطي. فأعطته سلخة لن ينساها في حياته وسلمته للشرطة شبه غائب عن الوعي، فاكتشفوا أن اللص مبحوث عنه منذ مدة، وشكروا «الشينوية» على تعاونها مع الأمن.
ولو أرادوا رأيي فالأحسن كان سيكون هو اقتراح توقيع شراكة تعاون بين الشرقي أضريس مدير الأمن وهذه السائحة «الشينوية»، تقوم بموجبه هذه الأخيرة بالتدخل لحساب الأمن الوطني لتوقيف واعتقال المطلوبين للعدالة في فاس ونواحيها، والذين تعجز ولاية الأمن عن اعتقالهم رغم أنهم محزمون ، بالإضافة إلى «السمطة كحلة» بالمسدسات والمينوطات.
وفي مراكش، فقد تحدثنا عن انقطاع ماء الشرب عن بيوت الناس بسبب الأمطار التي حركت التخت في صهاريج المكتب الوطني للماء، دون أن تفلح طبعا في تحريك التخت الذي تكلس في دواليب المكتب، ونسينا أن نتحدث عن خبر طريف سيضحك القراء بلا شك. ويتعلق بتجريد مستشفى ابن سينا العسكري بمراكش من 75 ممرضا برتبة «أجودان» وثلاثة برتبة قبطان واثنين برتبة «كوماندار» وإعارتهم لمخرج أمريكي يصور فيلما في وارزازات عنوانه «أمير الفرس».
وهكذا نفهم عدم قدرة الجيش على إرسال ممرضيه إلى إمينتانوت الأقرب إلى مراكش منها إلى وارزازات، من أجل إسعاف المنكوبين. فقد كانوا أغلبهم «مسربسين» مع المخرج الأمريكي الذي يدفع لهم 400 درهم للراس عن كل يوم عمل. المشكلة هي أن هؤلاء الكومبارس لا يصلهم من الأربعمائة درهم التي يصرفها عليهم المخرج الأمريكي سوى خمسين درهما للرأس. أما البقية فتضيع في الطريق إليهم داخل جيوب «مخرج» مغربي يصور بها ربما فيلما موازيا لفيلم «أمير الفرس» عنوانه «أمير الفلس».
وإذا كان الملك قد زار بشكل مفاجئ المستشفى العسكري بالرباط فاكتشف أن جهاز السكانير لا يشتغل، فإنه سيكتشف لو قام بزيارة مفاجئة للمستشفى العسكري بمراكش أن أغلب أطره قد غادرته إلى وارزازات للعب دور الكومبارس في أفلام الأجانب، وترك المرضى المغاربة في يد الله.
وطبعا ليس في مراكش سوى هذه الأخبار الطريفة، بل فيها أيضا خبر طريف يتحدث عن مهاجمة عبد الباري الزمزمي لمهرجان حول رقصة «الصالصا». وحسب الزمزمي فهذه الرقصة تشجع على الانحراف والفساد. وطبعا رقصة «الصالصا» يؤديها رجل وامرأة، مما يعني ضرورة الاحتكاك والالتصاق. ولم تتسن لنا معرفة الاقتراح العملي الذي يقدمه عبد الباري الزمزمي لأداء هذه الرقصة دون احتكاك بين الجنسين. كأن يؤديها الرجل بمفرده وتؤديها المرأة بمفردها، و«يادار مدخلك شر» على رأي الأشقاء المصريين. وعلى ذكر الأشقاء المصريين فإذا كان الزمزمي لديه الوقت لكي يتحدث عن رقصة «الصالصا»، مع أن في المغرب «صالصات» سياسية كثيرة وحارة لا يجرؤ الشيخ على الاقتراب منها أو تذوقها، فإن الدكتور عادل عاشور أستاذ طب الأطفال بكلية الطب جامعة القاهرة وجد الوقت لكي يعلن عن إنشاء جمعية لمنع القبلات بين الأصدقاء. وزاد على ذلك بإعلان رغبته في منع القبلات بين الأزواج، وهو الأمر الذي فجر نقاشا ساخرا داخل المجتمع المصري. فسعادة الدكتور انتهى بعد بحث علمي طويل إلى أن كافة الأبحاث العلمية التي نشرت في كبرى المجلات الطبية العالمية أجمعت على الأضرار الطبية الخطيرة التي يسببها تبادل القبلات من خلال انتشار العدوى من الأمراض الخطيرة الفيروسية والميكروبية وأبرزها حب الشباب ومن الأمراض الميكروبية مثل مجموعة الميكروبات العنقودية وهي ميكروبات موجودة في فم الإنسان.
والحل بنظره هو الإقلاع عن عادة البوسان. ولكي تعرفوا الفرق بيننا وبين الأشقاء المصريين فيكفي مطالعة الردود الساخرة للمصريين على هذه «الفتوى» العلمية الجديدة. فعوض أن «يقترفوا» ضد الدكتور بيانا ناريا مثلما صنع علماء المغرب ضد المغراوي، فقد فضلوا الرد عليه بطريقتهم الخاصة.
أحد هؤلاء «المتضررين» من فتوى الدكتور عاشور كتب معلقا على منع البوس قائلا :
- وأنا بأقول الرئيس البوسني مات ليه...
وآخر كتب معلقا :
- واحد يحرم البوسة بين الأزواج وواحد يحلل إن الواحدة ترضّع زميلها في العمل، ما ترسونا على بر يا عالم، نرضع وما نبوسش ولا نبوس وما نرضعش...
أما أحسنهم فواحد لم يكتف فقط بإعطاء رأيه وإنما اقترح حلا عمليا لتجاوز المشكلة، فقال :
- ممكن كل واحد قبل ما يبوس مراتو يتمضمض بمحلول البيتادين، ويدهن شفايفو بردو بمحلول البيتادين، وبعد ميخلص البوس يتفل تلات مرات ويشرب لو كاس. بيتادين طبعا. وربنا يشفيكم...
آمين يا رب العالمين.

0 التعليقات:

إرسال تعليق