السبت، 14 نوفمبر 2009

الديموتراكتورية

الديموتراكتورية

يحتفل العالم الديمقراطي كل يوم خامس عشر من سبتمبر باليوم العالمي للديمقراطية. وهذه مناسبة عندنا في المغرب لكي نطرح على أنفسنا السؤال الكبير الذي لازلنا نبحث له عن إجابة منذ تسع سنوات. هل دخل المغرب نادي الدول الديمقراطية أم ليس بعد. بالنسبة للبعض فالمغرب يعيش انتقالا ديمقراطيا بلا نهاية. وبالنسبة للبعض الآخر فالمغرب لم ينتقل إلى أي مكان، فهو لا زال قاعدا في قاعة الانتظار نفسها التي تركه فيها الحسن الثاني، حائرا ما بين دخول قاعة العمليات أو العودة إلى البيت بعاهاته المستديمة.
على العموم إذا كان المغرب لم يفلح في تحقيق الديمقراطية فعلى الأقل نجح في إفراز حركة تسمي نفسها «حركة لكل الديمقراطيين» كان وراء فكرة تأسيسها وزير منتدب في الداخلية، فعل كل ما بوسعه عندما كان البوليسي رقم واحد في المملكة لكي يساهم في رسم خرائط انتخابية مشبوهة.
عندما نتأمل المسار الذي قطعه صديق الملك للوصول إلى تأسيس حزب «الأصالة والمعاصرة» والمشاركة به هذه الأيام في الانتخابات الجزئية، نخرج بخلاصة بسيطة مفادها أن هذا الحزب تم بناؤه على الكذب منذ أول لحظة.
ولعل الجميع يتذكر كيف غادر فؤاد عالي الهمة منصبه بوزارة الداخلية قبل ثلاثة عشر شهرا من اليوم. وعندما سألوه عن السبب في هذه الاستقالة المفاجئة، وهل هي غضبة ملكية أم مراجعة سياسية للذات، قال الهمة لكل من أراد تصديقه بأنه غادر وزارة الداخلية لكي يتفرغ لخدمة وطنه وملكه من منظور آخر. لكي نكتشف في آخر حوار أجرته معه «جون أفريك» أنه فاتح الملك في موضوع خروجه من الداخلية للعمل السياسي فأجابه هذا الأخير بأنه فكر في الشيء نفسه. يعني توارد خواطر، كما يسميه أبو سلام الجمحي في كتابه «طبقات فحول الشعراء».
ثم ما لبث أن فاجأ الجميع بإعلانه ترشيح نفسه في الانتخابات بمسقط رأسه بالرحامنة. وكون فريقا اختار له رمز الجرار، وفاز بثلاثة مقاعد في دائرته.
وعندما سألوه هل ينوي تشكيل أغلبية في البرلمان لكي يكون وزيرا أول، نفى ذلك، وقال بأنه يريد فقط خدمة مصالح مسقط رأسه. فدخل البرلمان وشكل فريقا قويا من بقايا الأحزاب والبرلمانيين الرحل الباحثين عن الكلأ والماء. فأصبح لديه فريق برلماني مساند لحكومة عباس يقيها خطر معارضة مفترضة يقودها حزب العدالة والتنمية قد تعرقل مرور قوانين الحكومة في البرلمان.
وخلال هذا الوقت لم يفوت الهمة فرصة واحدة لكي يؤكد على أنه لا ينوي تأسيس حزب سياسي. وأن هناك ما يكفي من أحزاب سياسية في المغرب. وظل حريصا على الظهور إلى جانب الملك في أكثر من مكان. وطافت صورته حيث يجلس بجانب الملك في سيارته الشخصية كل قاعات التحرير في المغرب.
وفي الذكرى الأولى لمغادرته لوزارة الداخلية، وبينما الصحافة الأسبوعية في عطلتها السنوية والصحافة اليومية تشتغل بنصف صحافييها، اختار الهمة أن يكذب نفسه وأن يعلن عن تأسيس حزب سياسي جديد.
وبسرعة قياسية تأسس الحزب ولشدة جوعه السياسي ابتلع أربعة أحزاب دفعة واحدة. بعضها كحزب الكولونيل عبد الله القادري بقي عالقا في حنجرته، ليس بسبب حجم القادري ولكن تحديدا بسبب طول لسانه. فقد فضح الهمة عندما قال في تصريح صحافي بأن هذا الأخير يتحرك بتوجيهات ملكية.
ومنذ أن نزل الهمة من علياء الداخلية إلى صحراء السياسة حاملا رسالته مبشرا بالديمقراطية الموعودة، وهو لا يتعب من ترديد لازمة مملة، وهي أنه جاء ليدافع عن مشروع سياسي ديمقراطي حداثي ضد الانغلاق والتيئيس والعدمية. لكن، ولسبب غامض، ظلت كل مداخلاته و«مهاضراته» التي سارت بذكرها الركبان، تتحدث فقط عن وصول المغرب إلى قدم الحائط وعن نسبة الفقر التي ترتفع وفشل السياسية التعليمية وأننا في هذه البلاد لم نعد نصدر أو ننتج شيئا، وأن كل ما تبقى لدينا هو ثروتنا البشرية.
باختصار، فالمجهود الوحيد الذي بذله الهمة لكتابة البرنامج السياسي لحزبه هو قراءة الصحافة المستقلة. طبعا بالإضافة إلى بعض الكلمات الرنانة والمفاهيم السياسية التي ظل يسمعها طيلة عشر سنوات من معرفته بصديقه «العريس» صلاح الوديع الذي زف نفسه هذه الأيام في آسفي فوق «تراكتور» الهمة، إضافة إلى بعض الرفاق التائبين الذين خرجوا من «بياتهم الأيديولوجي» الطويل سالمين غانمين.
هكذا نجد أنفسنا أمام حزب تأسس منذ اليوم الأول على المخادعة. ومؤسسه يقول شيئا في اليوم الأول ثم يفعل عكسه في اليوم الموالي. وفوق هذا وذاك يعتقد أن المغاربة أغبياء ولا يميزون بين الديمقراطية وعكسها. ويبدو أن الهمة من كثرة ما كرر كذبة «حركة لكل الديمقراطيين» في كل «مهاضراته» فقد صدقها أخيرا وانطلت عليه. كما قد يكون صدق أن كل أولئك الانتهازيين والوصوليين الذين يركضون وراء جراره إنما يصنعون ذلك لأنهم يحملون هم هذا الوطن ويريدون المساهمة في إخراجه من النفق المسدود الذي دخله منذ سنوات. والحال أن أغلبهم إما فاشل في حياته السياسية لم يستطع دخول البرلمان أو الحكومة عن طريق الأحزاب التقليدية فاختار اللحاق بالفرقة الناجية ومهديها المنتظر، وإما مرتد عن أفكاره وقناعاته القديمة أفلحت جلسات السمر حول «طواجين سميرة في الضيعة» في تضميد «جراح الصدر العاري»، وإما خليط من مناضلي أحزاب «الكيلو» التي كان الهمة في بدايات فترة تدريبه بوزارة الداخلية جالسا مثل تلميذ يرى كيف يخرجها إدريس البصري من أكمام معطفه كأي ساحر محترف.
فهل رأيتم حزبا يؤسس للديمقراطية يحشر كل هذه الأشكال المتنافرة في طنجرة ضغطه من اليساريين التائبين والانتهازيين «المحلفين» و«المناضلين» الرحل الذين يستوي عندهم تغيير حزبهم بتغيير جواربهم.
ولعل ما يجهله الهمة وصحبه هو أن الديمقراطية ليست مجرد شعار، وإنما ممارسة على أرض الواقع. وعندما يجمع الهمة أعيان مدينة مراكش على مائدة عشاء لحشد الدعم لمرشحه، فإنه يقترف الخطأ نفسه الذي اقترفه البحراوي عمدة الرباط والذي تابعته المحكمة بسببه بتهمة حملة انتخابية سابقة لأوانها. فلماذا لم تتحرك السلطات في مراكش لاعتقال الحاضرين في ذلك اللقاء الذي نظمه الهمة قبل انطلاق الموعد القانوني للحملة. ببساطة لأن الذي قام بإشعار السلطات بالرباط وتسبب في اعتقال أنصار البحراوي ومحاكمته، تمت معاقبته بنقله من منصبه كمسؤول في الاستعلامات العامة إلى «تيروار» في وزارة الداخلية. وليس هناك مسؤول واحد في مراكش يريد أن ينتهي نفس النهاية لمجرد السهر على تطبيق قانون الانتخابات حرفيا.
ولعل أول امتحان تعرض له الهمة وحزبه هو ذلك الاستقبال الشعبي الذي خصته به جماهير اليوسفية. والتي شنفت أسماعه بشعارات مناوئة له تنصحه بالعودة من حيث أتى لأن اليوسفية ليست له، صارخة في وجهه «هذا صوت الجياع والهمة يعطي التيساع».
لعل هذه «المقبلات» المرة التي تذوقها الهمة ومرشحه في اليوسفية تعطيه فكرة صغيرة عما ينتظره خلال الانتخابات المقبلة. وهي على العموم «مقبلات» سيتمكن الهمة وصحبه من التغلب على مذاقها بصحون «القطعة» التي ستتكلف بها القناة الثانية والأولى ووكالة الأنباء الرسمية، والذين لن يدخروا جهدا في الوقوف إلى جانب ولي نعمتهم الذي وضعهم واحدا واحدا في مناصبهم.
هذه إذن هي الحالة الديمقراطية التي توجد عليها المملكة السعيدة، وهي حالة «تشفي العدو» كما ترون. وعلينا أن ننتظر قليلا ما يكفي لوصول الهمة وفريق إنقاذه إلى البرلمان واقتحام أسوار الحكومة المقبلة لكي تكتمل المهزلة. آنذاك سيفهم الجميع أن المغرب ليس فيه نظام ديمقراطي أو نظام ديكتاتوري، وإنما كل ما يوجد به هو النظام الديموتراكتوري.

0 التعليقات:

إرسال تعليق