الاثنين، 9 نوفمبر 2009

الله يداوي

الله يداوي

عندما تقول ياسمينة بادو وزيرة الصحة أن وزارتها لا تملك سياسة دوائية في المغرب، فإنها تتصرف مثل ذلك الشخص الذي يبيع القرد ويضحك على من اشتراه. فالسيدة الوزيرة التي تدعي أن وزارتها لا تملك سياسة دوائية وافقت على طلب زميلها في المالية بالرفع من الضريبة على القيمة المضافة على أدوية مرضى السرطان. ولم تنس أن تصدر إحصائيات تخبر من خلالها الرأي العام أن هناك حوالي أربعين حالة جديدة بالسرطان تسجل سنويا في المغرب. ولعل السياسة الدوائية التي تسهر وزارة ياسمينة، مدللة عباس الفاسي، على تطبيقها على المغاربة هي مضاعفة أرباح مختبرات صنع الأدوية، ومضاعفة أرباح الخزينة العامة على حساب أمراض المواطنين وآلامهم. وتبقى أقسى صفعة وجهتها حكومة عباس الفاسي للمغاربة هي فرض المزيد من الضرائب على القيمة المضافة على الأدوية المخصصة للأمراض المزمنة. ففي جميع الدول تعفى الأدوية المضادة للأمراض المزمنة من الضرائب، إلا في المغرب. فخزينة الدولة لا يشكل لها الاقتيات على آهات المرضى ودموع عائلاتهم أي عقدة.
وبسبب غلاء الأدوية وعدم قدرة شريحة واسعة من المرضى المغاربة على دفع مصاريف الأدوية يلجؤون لما يسمى «دوا العرب». وبفضل هذه الأدوية التقليدية استطاع جيل كامل من المغاربة البقاء على قيد الحياة إلى الآن. ولا بد أن أغلبكم يتذكر كيف كانت أمهاتنا يجردن قوالب السكر من كاغيطه الأزرق ويحتفظن به للاستعمال عند الحاجة. وأحيانا كان يتم تقطيعه إلى أوراق متساوية ويعلق في المرحاض، قبل أن تظهر «رولوات» أوراق النظافة الناعمة. وقد كانت أوراق الكاغيط لزرق أرحم من أوراق التلفيف التي كانت تأتي بها أمهاتنا من السوق، والتي كانت تخصص لهذا الغرض. وخصوصا تلك الأوراق التي كان محتواها هو الإبزار أو الفلفلة السودانية. ولست محتاجا طبعا لكي أصف لكم منظر شخص حك الفلفلة السودانية.
وقد كان الكاغيط لزرق أنجع دواء ضد آلام الشقيقة، وكان كلما جاء الشتاء وسد مداخل بيوتنا بأوحاله وأمطاره الغزيرة وسد معها شعابنا الصدرية برياحه الباردة، وبدأنا في العطس وسالت أنوفنا، نتحول إلى مدمنين على تدخين الزعتر ملفوفا وسط الكاغيط لزرق.
والواقع أن أغلب البيوت المغربية لم تكن تخلو من أدوية طبيعية غالبا ما كانت أمهاتنا يلجأن إليها عند الضرورة. فالإمكانيات المادية لم تكن تسمح دائما بزيارة الطبيب. ومن بين الأدوية الأساسية التي ربما لم تسمع بها ياسمينة بادو من قبل هناك «المخينزة» المعروفة بفعاليتها ضد الحمى والصداع. وعندما ذهبت قبل شهر لاقتناء ربطة منها من السوق وجدت أن ثمنها وصل إلى عشرين درهما. أي ما يعادل علبة من دوليبران في الصيدليات.
ومن بين الأدوية التي انقرضت من دكاكين باعة الأعشاب هناك دواء غريب اسمه «الديسك». وهو عبارة عن قطع من أقراص «التورن ديسك» كانت تستعملها الأمهات لتبخير أطفالهن الرضع المصابين بالجعرة. وكم من رضيع أصبح الآن رجلا محترما سبق أن بخرته أمه بدرهم من ديسك جيل جيلالة أو اسمهان أو عبد الوهاب. وبسبب قلة الديسك في محلات العشابة فإن ثمنه أصبح يضاهي أثمنة المهدئات في الصيدليات.
وبالنظر إلى لائحة الأدوية الأكثر استهلاكا في المغرب يمكن أن نفيد وزيرة الصحة بخارطة مؤقتة للأمراض الأكثر انتشارا بين المغاربة. وعلى رأسها أمراض الجهاز الهضمي. فالنسبة الكبيرة من الأدوية التي يقبل عليها المغاربة هي أدوية المعدة والأمعاء الغليظة والرقيقة والمخرج.
وأسباب انتشار هذه الأمراض تعود في شق كبير منها إلى ما نأكله يوميا من مواد غذائية، وما نشربه من سوائل. وعندما أمر أمام بعض محلات الأكل السريع وباعة الصوصيص في الهواء الطلق، ومع كل الغفلة التي توجد في المغرب بين البائع والمشتري، أتخيل كل الجراثيم والميكروبات التي يلتهمها المواطنون يوميا.
وفي المرتبة الثانية للأدوية الأكثر استهلاكا في المغرب نجد أدوية الصداع. وما لا يعرفه الكثيرون هو أن الصداع نتيجة طبيعية لأمراض الجهاز الهضمي. ولذلك فغالبا من يصف أطباء الجهاز الهضمي أدوية مضادة للصداع لمرضاهم. وبسبب الفقر يلجأ الكثير من المواطنين إلى التضحية بنصف الأدوية التي يصفها لهم الطبيب، فيطلبون من الصيدلي أن يعطيهم فقط نصف الدواء الذي في الوصفة. وينسون أن بعض الأدوية التي يصفها لهم الطبيب ليست اعتباطية، وإنما لمكافحة الأعراض الجانبية التي من الممكن أن تتسبب فيها أدوية أخرى في الوصفة. فينجحون في نهاية الأمر في معالجة عضو وهلاك أعضاء أخرى.
وفي الدول المتقدمة يعرفون الطبيب الجيد من الطبيب ديال بلعاني بطول لائحة الأدوية التي يصفها من قصرها. فكلما قصرت لائحة الأدوية كلما كان الطبيب جيدا، وكلما طالت كانت علامة على عدم درايته بطبيعة المرض، ولذلك يلجأ إلى تجريب العديد من الأدوية في مريضه، اللي صدق فيه مزيان. وليس اعتباطا أن تكون أدوية المضادات الحيوية في المغرب ثالث دواء يستهلكه المغاربة. فكثير من الأطباء أصبحت بمجرد ما تأخذ إليه أحد أبنائك يصف له بعينين مغمضتين مضادا حيويا. وهذا أخطر شيء يمكن أن يهدد الصحة العامة لجيل الغد. لأننا سنجد أنفسنا أمام جيل لديه مناعة ضعيفة لأنه تعود طيلة مراحل نموه على مواجهة الأمراض بالمضادات الحيوية وليس بجهاز مناعته الذاتي. وفي الدول التي يحرص أطباؤها على الصحة العامة لمواطنيهم، لا يصف الأطباء المضادات الحيوية إلا في الحالات القصوى. أما عندنا فمجرد إصابة الطفل بالحمى تدفع ببعض الأطباء إلى إعطائه مضادات حيوية. والجسد عندما يتعود على هذه المضادات الخارجية فإنه يصبح محتاجا إليها عند كل طارئ صحي بسيط.
ولعل الجميع سيستغرب كيف أن رابع دواء يقبل المغاربة على استهلاكه اليوم هو الفياغرا. ففي القديم كان المغاربة يسمون الحبة السوداء بحبة البركة، لكن مع ظهور الحبة الزرقاء، بدأ المغاربة يبحثون عن بركات هذه الحبة الزرقاء ونسوا الحبة السوداء. خصوصا وأنه لدينا اليوم في المغرب حسب إحصائيات مختبر «فايزر» حوالي ثلاثة ملايين عاجز جنسيا.
وربما يعتقد البعض أن مستهلكي الحبة الزرقاء هم فقط رجال عاجزون جنسيا، لكن الواقع يؤكد أن كثيرا من الشباب والرجال الذي لا يعانون من أي ضعف جنسي يقبلون على اقتناء هذه الحبوب الزرقاء، فقط لإثبات فحولة غير عادية أمام شريكاتهم. أسوة ربما بما يرونه في أفلام القنوات الجنسية التي يتم التقاطها بسهولة في المغرب بجهاز التقاط تتوفر عليه أغلب البيوت المغربية.
والواقع أن الخريطة المرضية في المغرب تخيف ولا تبعث على الاطمئنان. فحسب آخر مؤتمر طبي حول داء السكري فالمغرب يحتل مرتبة متقدمة في العالم بنسبة إصابة وصلت سنة 2007 إلى حوالي سبعة بالمائة من مجموع السكان. وحسب إحصائيات صدرت عن المؤتمر الطبي بباريس هذا الأسبوع، فعدد المصابين بالسكري في المغرب سنة 2025 يشمل تسعة بالمائة من سكان المغرب. وهذه نسبة خطيرة لا تملك وزارة الصحة أمامها أي مخطط.
والجميل في رؤى الحكومة وتوقعاتها للسنوات المقبلة أنها تتحدث فقط عن عشرة ملايين سائح الذين سيستقبلهم المغرب مع مطلع 2010 وتتحدث عن رؤِية 2020 ونظرة 2030، وكلها رؤى وأحلام وردية، لكنها لا تتحدث حول كم سيكون عدد المغاربة الذين سيصابون بالسرطان والسكري وأمراض القلب والشرايين في العشر سنوات المقبلة، وهل لديها مخطط عاجل لوقف زحف هذه الأمراض القاتلة التي تهدد النسيج الاجتماعي والاقتصادي والتي ستكلف ميزانية الدولة وصناديق التقاعد وصناديق الضمان الصحي أموالا طائلة غير موجودة أصلا.
والخبر السعيد الوحيد الذي يزفه لنا البرلمان في لجنة المالية أمام مول الشكارة مزوار، هو أن عجز صناديق التقاعد سيصل في أفق سنة 2050 حوالي 217 مليار درهم. وأن الحل الوحيد لتدارك هذا العجز هو الرفع من قيمة الاقتطاعات إلى حوالي ثمانين بالمائة، أو إلغاء التقاعد بالمرة، وإجبار المغاربة على العمل حتى آخر يوم في حياتهم.
يعني أن هناك من يسرق صناديق تقاعد المغاربة وتسمح له العدالة وتتخلى عن حق استرجاع أموال المغاربة المنهوبة، وفي مقابل ذلك هناك من يفكر في إخراج هذه الأموال المسروقة من ظهور المغاربة بتشغيلهم من المهد إلى اللحد.
إن مثل هذه الاقتراحات هي التي تتسبب للمغاربة في الإصابة بالسكر. وليس السكر وحده، بل الملح وسكينجبير وبقية مواد راس الحانوت.

0 التعليقات:

إرسال تعليق