السبت، 14 نوفمبر 2009

وهادي كذبة باينة

وهادي كذبة باينة

في حواره الأخير مع مجلة «جون أفريك»، قال الوزير الأول عباس الفاسي مفتخرا بأنه لم يسمع قط منذ تكوين حكومته أية نغمة نشاز في مجالسه الوزارية، ولم يحدث أن أخذ وزير من وزراء حكومته الكلمة لكي يشوش على هذا التناغم. أي أن وزراء حكومة عباس يغنون أغنية واحدة لا نشاز فيها. وهي أغنية «كولو العام زين» على الأرجح.
وطبعا كل هذا التناغم لم يمنع جريدة الوزير الأول في عددها الصادر يوم الخميس الماضي من تذكير «مكونات الحكومة» بضرورة «الانضباط لقواعد العمل الحكومي». مما يعني أن أحد الوزراء «طاح ميزان» كما يقول الموسيقيون، وشوش على بقية أفراد الكورال والأوركسترا. ولذلك كان ضروريا أن يحرك المايسترو عباس عصاه الرفيعة لكي يعود الإيقاع إلى مستواه الطبيعي.
والسبب في هذا «التذكير» هو انزعاج الوزير الأول من جهة وزارية سربت خبر التلاسن والتراشق اللفظي الذي دار بين شكيب بنموسى وزير الداخلية واليازغي وزير الدولة صاحب «الصاكاضو» الفارغ، حول مدى دستورية إصدار القانون الأساسي لرجال السلطة بظهير. فاليازغي استيقظ في داخله فجأة ذلك المحامي القديم الذي كان داخلا في بيات شتوي وسياسي طويل، ووجد أن القانون الأساسي لرجال السلطة يجب أن يعرض أولا على مجلس الحكومة ثم على البرلمان لكي تتم مناقشته، قبل أن يعرض على الملك للمصادقة عليه.
هذا إذن أول تكذيب، وعلى صفحات جريدة الوزير الأول، لأسطورة التناغم المزعوم بين مكونات حكومة عباس. وهو تكذيب يسحب المصداقية عما قاله عباس لمجلة «جون أفريك» التي للأسف لا يفقه صحافيها الذي أجرى الحوار العربية حتى يقرأ افتتاحية «العلم» ويدرك أن عباس «دوز عليه الدكاكة» في ذلك الحوار.
ثاني تكذيب جاء هذه المرة من القناة الثانية، التي لم يستبعد مصدر من داخلها إمكانية مقاضاة عباس الفاسي بتهمة نشر أخبار زائفة. خصوصا وأنه أراد أن يزيل «زبلة» نفيه لوقوع أي أحداث في سيدي إفني من رأسه ويلصقها برأس سميرة سيطايل مديرة الأخبار بالقناة الثانية. وهكذا برر عباس نفيه القاطع لوقوع أحداث سيدي إفني بكون مقص الرقيب هو الذي ورطه واقتطع أجزاء كثيرة من كلامه، فجاء تصريحه كما سمعه الجميع ذلك اليوم. يعني «لصقها فالمونطاج».
عباس المسكين دائما ضحية. وإذا لم يكن ضحية لمؤامرات سياسية لأحزاب منافسه، فهو ضحية للصحافيين، حتى عندما طوقه ضحايا النجاة في مقر حزبه وجاؤوا يطالبون بدمائهم التي أعطوها للتحليل وتعويضات ملفاتهم التي سرقت منهم، وجد الوجه لكي يقول في وسائل الإعلام أنه إذا كان هناك من ضحية كبيرة لقضية النجاة فهو عباس الفاسي نفسه. فعباس أحسن من يطبق المثل القائل «ياكل مع الذيب ويبكي مع السارح». وهي الحكمة التي يطبقها حزب الاستقلال برمته منذ عهد الحسن الثاني وإلى اليوم. فهم يبكون على التعريب وينتقدون اليوم سيادة اللغة الفرنسية على جميع مناحي الإدارة والحياة العامة، مع أن كل قادة حزب الاستقلال السابقين واللاحقين درسوا أبناءهم في مدارس البعثة الفرنسية، وعلى رأسهم وزير التعليم الاستقلالي عز الدين العراقي الذي توجد في أرشيفات مدارس البعثة الفرنسية أسماء كل أبنائه الذين درسوا وتخرجوا منها. هذا في الوقت الذي عرب التعليم الابتدائي والثانوي وجرب الوصفة في أبناء الشعب في مدارس المخزن، وجلس ينتظر النتائج عندما يصل هؤلاء الأطفال المعربون إلى الجامعات فيكون عليهم إتمام تعليمهم بالفرنسية، لأن التعريب الذي دافع عنه حزب الاستقلال لم يشمل التعليم العالي. والنتيجة هي ما ترون الآن، «خالوطة جالوطة» لا ساس لها ولا رأس.
وهذا أكبر تكذيب لما قاله عباس الفاسي لصحافي «جون أفريك» عندما قال له أن حزب الاستقلال هو حزب الشعب في المغرب. فهل قدم حزب الاستقلال وزراء في حكومته ينتمون إلى الطبقات الشعبية. بالعكس، كلهم أبناء العائلة الفاسية الثرية الواحدة. يتوارثون الوزارات كما يتوارث أبناء الشعب الأحذية والملابس والأمراض. عباس الفاسي الذي نادى عليه للحكومة علال الفاسي بعدما تزوج ابنته، ينادي هو الآخر على زوج ابنته نزار بركة لكي يشغل منصب وزير منتدب مكلف بالشؤون الاقتصادية والعامة. وبما أنه خال الطيب الفاسي الفهري وخال زوج ياسمينة بادو، فإنه ينادي عليه ليشغل وزارة الخارجية وزوجته ياسمينة لتشغل وزارة الصحة. هذا دون أن نتحدث عن ابن عم زوج أخته المفتش العام للإدارة الترابية لوزارة الداخلية، وحفيد عمه المدير العام للشركة الوطنية للطرق السيارة، الذي هو في نفس الوقت أخ الفهري الفاسي مدير الماء الصالح للشرب، أو عن ابن عباس الفاسي المنتخب الجماعي في الدار البيضاء ومدير شركة «إف سي كومينيكاسيون» لصاحبها منير الماجدي السكرتير الخاص للملك. ولو أردنا أن نعدد المناصب والمسؤوليات التي يتحملها آل الفاسي في الدولة والحكومة والمجالس الإدارية للبنوك والمؤسسات المالية منذ الاستقلال وإلى اليوم، لاحتجنا إلى مجلدات وليس إلى صفحات الجريدة. فأين هو الشعب وأبناؤه من هذه المناصب والامتيازات التي يرفل فيها عباس وسلالته، والتي يدعي بدون خجل أن حزبه يمثلها.
ليس صدفة أن يكون أول قرار يتخذه وزير المالية مزوار بعد تنصيبه من طرف عباس الفاسي في حكومته، هو تقديم هدايا ضريبية للبنوك رغم أن هذه الأخيرة لم تكن بحاجة لكل هذا السخاء بحكم أنها حققت السنة الماضية أعلى نسبة أرباح في تاريخها. وفي المقابل ماذا أعطى للشعب، زيادات في الاقتطاعات الشهرية لقروض «الليزينغ» من رواتب صغار الموظفين الذين غامروا بشراء سيارة تكفيهم شر وسائل النقل العمومية، وزيادات صاروخية في أسعار المواد الأساسية والأدوية، إلى درجة أنهم زادوا حتى في الضريبة المفروضة على أدوية السرطان.
لقد تم اختيار عباس الفاسي لكي يكون وزيرا أول لأن نقطة ضعفه هي الخضوع التام للتعليمات الملكية. وقد اعترف بذلك في حواره مع «جون أفريك» عندما قال أن عباس الفاسي ليس سوى نتاج للرغبة الملكية. وأكبر دليل على أن عباس ينفذ التعليمات هو رفضه مناقشة القرار الملكي الخاص بالقانون الأساسي لرجال السلطة الذي صدر بظهير، وانتقده اليازغي وطالب بخضوعه للحكومة ومناقشة البرلمان.
وعوض أن «يتناغم» عباس مع رأي اليازغي حليفه في الكتلة، ويدافع عن صلاحياته الدستورية ويطالب بإخضاع القانون الأساسي لرجال السلطة للمناقشة الحكومية، أشهر في وجه زميله في الحكومة الفصل 19، الذي يخول للملك أن يقرر ما يشاء ويطبق ما يشاء بدون اللجوء لا إلى الحكومة ولا إلى البرلمان.
ومادام عباس مقتنعا بأن الحل يوجد في الفصل 19، فما عليه سوى أن يجمع حقائبه الوزارية ويذهب إلى بيته ويترك الفصل 19 يسير البلاد كما يشاء.
ماذا يمكن أن ننتظر من وزير أول ضعيف الشخصية، عندما أصدر مرسوما لإلحاق وكالات التنمية بوزارة حجيرة وأصدر القصر بلاغا يلغي هذا المرسوم، لم يجد شيئا آخر يبرر به سكوته سوى اعترافه بأنه «زبلها» وأن الملك صحح له خطأه مشكورا.
ماذا يمكن أن ننتظر من وزير أول يكاد يطير فرحا لأن الملك أعطاه تلفونا خاصا يضعه في جيبه، يمكنه أن يتصل به في أية لحظة. وقد يحدث، بقليل من الحظ، أن يستقبله.
المفروض في وزير أول يرأس حكومة توجد في ملكية تحكم وتسود أن يستقبله الملك أسبوعيا. هذا إذا كان وزيرا أول بالفعل، وليس بالتيمم. أما أن يفتخر بأن الملك يكلفه باستقبال ضيوف المغرب وتمثيله في المناسبات والأعياد الوطنية للدول الشقيقة والصديقة، فليسمح لنا الوزير الأول لكي نقول له أن هذه ليست وظيفة وزير أول وإنما وظيفة الحاجب الملكي.

0 التعليقات:

إرسال تعليق