الجمعة، 13 نوفمبر 2009

ضربني وبكا

ضربني وبكا

قبل يومين أصدر الصندوق الدولي من أجل السلام ومجلة «السياسة الخارجية» تقريرهما السنوي حول المؤشر العالمي للسلم والذي يحدد الدول الأكثر خطورة في العالم. وقد احتل المغرب، وهو ما يهمنا في هذا المجال، الرتبة 63 ضمن 140 دولة شملها التقرير. أي أن العيش في المغرب أصبح أكثر خطورة من السنة الماضية بخمس عشرة درجة، بالنظر إلى أن المغرب كان يحتل في تصنيف سنة 2007 المرتبة 48.
الغريب في هذا التقرير أن قراءته من طرف الصحافة الحكومية، جريدة العلم على الخصوص والناطقة باسم حزب الاستقلال الذي يقوده عباس الفاسي رئيس الحكومة، تكشف عن نظرة مفرطة في التفاؤل لهذا التراجع السلمي في المغرب، إلى درجة أنها عنونت صدر صفحتها الأولى لعدد الأمس هكذا «المغرب ضمن ست دول عربية الأكثر أمنا واستقرارا».
فيما ساور جريدة الاتحاد الاشتراكي، حليفة حزب الاستقلال في الكتلة التاريخية والحكومة، نوع من السوداوية، تلك التي كانوا في السابق يتهموننا بها، وكتبت عنوانا مناقضا لما «رصعت» به العلم صدرها، قائلة «المغرب ضمن الدول المائة الأقل أمنا في العالم».
وطبعا فلكل جريدة الحق في قراءة الأخبار حسب النظارات التي يلبسها مديروها ورؤساء تحريرها، لكن الخطير في الأمر هو أن يتعمد البعض وضع عصابات على عينيه عوض النظارات حتى لا يرى الحقائق رأي العين كما هي. والأخطر من ذلك اللعب بالأرقام والإحصائيات من أجل تحويل الفشل إلى نجاح والخطر إلى أمن وأمان. ولعل من يقرأ المقال الذي نشرته جريدة الوزير الأول يندهش وهو يكتشف أن كاتبه لم يرف له جفن وهو يعيد ترتيب المغرب في قائمة البلدان الأكثر خطورة في العالم بناء على أرقام السنة الماضية التي وضعت المغرب في المرتبة 48 على أساس أنها أرقام سنة 2008. مبتهجا من كون المغرب تفوق على الجزائر وتقدم عليها في تحقيق السلم والأمن نظرا لاحتلال هذه الأخيرة الرتبة 112 في تقرير هذه السنة.
هنا ننتقل من وظيفة الإخبار إلى وظيفة التضليل والتعتيم. وطبعا نحن لا ننتظر من جريدة ناطقة باسم الوزير الأول أن تتحلى بالجرأة وتخبر المغاربة بأن بلدهم، تحت حكومة عباس، قد أصبح أكثر خطورة من السنة الماضية بخمس عشرة درجة. لكننا لم نكن ننتظر أيضا أن تذهب جريدة الوزير الأول إلى حد تقديم أرقام السنة الماضية على أساس أنها أرقام السنة الحالية.
«يجب رؤية الجانب المشرق من الأشياء»، يقولون في الحكومة. ولذلك عندما أعدت نشرة الأخبار في القناة الثانية قبل يومين روبورتاجا حول تقرير «أمنستي» السنوي بخصوص تراجع الحريات في المغرب، اقتصر معد الروبورتاج على الحديث حول التجاوزات التي يعرفها ملف حقوق الإنسان في مخيمات البوليساريو والتي جاءت في التقرير السنوي لأمنستي. ولم يتجرأ معد الروبورتاج على ذكر كلمة واحدة حول خروقات حقوق الإنسان داخل المغرب، والتي تحدث بشأنها التقرير أيضا بشكل مفصل، وكأنها وقعت في جزر الواق واق.
ماذا كان سيضر معدي نشرة الأخبار في القناة الثانية لو أنهم تحلو بالمهنية، تلك التي يعطون فيها الدروس للصحافة المستقلة، وتحدثوا عن تقرير أمنستي بشكل متوازن. يعني تطبيق تلك الحكمة البليغة التي يقولها المغاربة «دوي علينا وجي علينا»، وذلك بالحديث عن التراجع الذي عرفته الحريات في المغرب، والذي لا يستطيع أن ينكره إلا جاحد، بدل الاكتفاء بالحديث عن التراجع في الحريات عند البوليزاريو وحدهم.
إن أخطر دور يمكن أن يلعبه الإعلام هو التزييف والكذب وقلب الحقائق وحجبها عن الرأي العام، خصوصا الإعلام الذي يموله دافعو الضرائب من جيوبهم.
ونحن في «المساء» لدينا تجارب كثيرة مع محترفي التزييف وقلب الحقائق وحجب المعلومات عن الرأي العام. ومنذ بدأنا في إصدار هذه الجريدة ونحن نواجه حملة منظمة لتكذيب الأخبار والمعلومات التي ننشرها لقرائنا. وفي كل مرة نقول أبيض يتطوع في الجهة الأخرى من يقول أسود، وفي كل مرة نفضح سارقا يخرج لنا من يلمع سمعته، وفي كل مرة ننتقد أزمة داخل حزب معين حتى يطلع علينا من يقول أن الحزب يعيش في رخاء وسلام وأن ما نقوله ليس سوى حقد أعمى ستكشف الأيام زيفه.
وقد أحيانا الله حتى أصبح الذين يشتموننا لأننا كنا نكتب عن أزمة داخل الاتحاد الاشتراكي، يكتبون هم أيضا حول هذه الأزمة التي كانوا ينكرون وجودها، بل وأصبحوا يخصصون صفحات جرائدهم للمساهمة في مناقشة هذه الأزمة والبحث عن حلول لها.
ولعل الجميع يتذكر كيف هاجمتنا بعض الصحف لأننا تحدثنا عن الدعارة في مراكش بعد العدد الذي خصصته مجلة «شوك» الفرنسية للظاهرة، واتهمونا بتشويه صورة المغرب. ثم عادوا وبدؤوا ينشرون ملفات حول الدعارة والشذوذ والسياحة الجنسية في مراكش، مؤكدين كل ما قلناه في السابق حول الظاهرة.
وحتى عندما دافعنا عن رقية أبو عالي وواكبنا قضيتها ضد بعض القضاة، اتهمونا بكوننا ندافع عن امرأة سيئة السمعة، معززين اتهاماتهم بصور لرقية وصديقاتها في جلسات خاصة على صدر جرائدهم، هم المدافعون عن حماية الحياة الخاصة للأفراد.
وفي الأخير عندما حكمت المحكمة ببراءتها، تسابقوا نحوها لإجراء حوارات معها مهللين بظهور الحق وانتصار العدالة.
وعندما كتبنا عن لائحة وزراء الحكومة التي سلمها المستشار الملكي مزيان بلفقيه لعباس الفاسي ليلة القدر في فاس، تطوعت جريدتان لاستضافة مستشارين ملكيين هما مزيان بلفقيه ومعتصم لكي يردا على هذا الاتهام ومعه أشياء أخرى طبعا.
وعندما تسرب خبر ترؤس البرلماني فؤاد عالي الهمة لاجتماع حضره وزراء في مقر وزارة الداخلية، تطوعت الجريدة إياها إلى نفي الخبر، مع أن الوزراء الذين ترأس الهمة اجتماعهم لم يستطيعوا نفي الخبر.
واليوم نرى كيف تحولت الصورة التي نشرناها والتي يظهر فيها أحد عمداء الأمن وهو يعنف امرأة تحمل رضيعا فوق ظهرها أمام سجن عكاشة، إلى صورة تجسد اعتداء المرأة ورضيعها على سيادة العميد.
وكم كان تعليق إحدى الجرائد مثيرا للشفقة وهي تعنون صورة المرأة وهي ساقطة على الأرض وعلى رأسها يقف عميد الأمن ملوحا بيده، هكذا «عميد الأمن يحاول تجنب اعتداء زوجة أحد السلفيين التي تصوب نحوه حجرا». فيما قالت لها جريدة أخرى «ماتعرفيش» وعنونت الصور هكذا «رجال الأمن يحاولن تخليص العميد من قبضة المحتجات».
ونسي أصحاب هذه التعاليق أن المرأة لم تسقط أرضا بمحض إرادتها، ونحن في «المساء» لدينا شريط بالعرض البطيء يوضح أن سيادة العميد جرجر المرأة من ثيابها وتسبب في تعثرها وسقوطها أرضا هي ورضيعها. وقد حاولت المرأة الدفاع عن نفسها وإبعاد العميد عنها بإلقاء حجر نحوه التقطته من الأرض. وكأن هؤلاء الزملاء الأعزاء كانوا يعتقدون أن هذه السيدة كان يجب عليها عوض أن تدافع عن نفسها ورضيعها أمام رجل قوي البنية يهددها بالضرب بجهاز «التالكي والكي»، أن تلقي الورود على العميد إكراما له على إهانتة كرامتها وجرجرتها في بركة موحلة هي ورضيعها.
ومن يرى هذه الصور تحت هذه التعليقات يعتقد أن المحتجين في المغرب أصبحوا يعتدون على عمداء الأمن، إلى درجة أن رجال الشرطة أصبحوا يتدخلون لإنقاذهم من قبضتهم.
والواقع أن ما نراه يوميا، أحيانا في هذه الصحف نفسها، هو تورط الكثير من عمداء الأمن في الاعتداء على المحتجين بوحشية، وأحيانا لمجرد التسلية.
ويجب هنا أن لا ننسى أن الذي تسبب في إشعال انتفاضة صفرو لم يكن سوى أحد عمداء الأمن الذي ضرب محتجة برجله على بطنها، فوقع ما وقع. وطبعا فتجاوزات بعض رجال الأمن لا تعطي الحق للمواطنين للاقتصاص منهم بأنفسهم، ولعل الشكاية التي وضعتها الجمعيات الحقوقية ضد العميد أحسن جواب على استغلال بعضهم للنفوذ.
والغريب في الأمر أن الشرطة لها مجلتها باللغتين العربية والفرنسية، وإذا كانت تريد أن تلمع صورتها فما عليها سوى استعمال صفحات هاتين المجلتين. أما أن تلجأ الشرطة إلى استعمال «أوراق» بعض الجرائد لتلميع صورتها فهذا ما يندى له الجبين حقا.
ومثلما هناك من يحاولون قلب الحقائق بالادعاء أن المغرب يوجد ضمن ست دول عربية الأكثر أمنا واستقرار، فهناك آخرون يحاولون إقناعنا بأن عمداء الأمن يتعرضون للاعتداء من طرف النساء، إلى درجة أنهم أصبحوا يتلقون بيانات التضامن من جمعيات المجتمع المدني التي تؤازرهم في محنتهم القاسية هذه.
«هادي هيا ضربني وبكا سبقني وشكا».

0 التعليقات:

إرسال تعليق