الأربعاء، 11 نوفمبر 2009

تجار الوهم

تجار الوهم

على بعد أسبوع من إعطاء منير الماجدي، السكرتير الخاص للملك، الضوء الأخضر لمجلة «تيل كيل» لكي تجالسه وتنشر صوره على امتداد عشر صفحات، بالإضافة إلى الغلاف طبعا، هاهو فؤاد عالي الهمة، الصديق الخاص للملك، يستضيف نفسه على غلاف مجلة «لاغازيت» التي اختارت الإعلان عن تغيير «جلدها» باستضافة الهمة الذي غير جلده هو الآخر بعد خروجه من الحكومة.
وإذا كان الماجدي قد اختار الجلوس في صالون فيلته الفسيحة بطريق زعير لالتقاط الصور، لكي يخلق لدى كل من يقرأ المجلة صورة رجل الأعمال الذي يرفل في النعيم بفضل قربه من الملك، فإن الهمة اختار أن يلتقط له مصور «لاغازيت» صورة جادة وصارمة. وفي مقابل السلسة الذهبية التي تركها الماجدي تظهر في صورة غلاف «تيل كيل»، وأزرار قميصه الصيفي المفتوح من العنق وهاتفه النقال ذي اللون الأحمر، اختار الهمة ربطة عنق حريرية وبذلة رمادية مخططة بالأبيض، وساعة ذهبية بعقارب كثيرة، لا يمكنها رغم كثرتها أن تتفوق على عدد العقارب الحقيقية التي اشتهرت بها منطقة الرحامنة تاريخيا.
ولكي يعطي الهمة صورة الغلاف طابعها الرسمي اختار أن يظهر معصم يده حيث تظهر ساعته الذهبية، بينما أخفى معصم اليد الأخرى حيث يحمل تلك «الجلدة» التي يحملها كثيرون في معاصمهم ممن طلعت لهم «الجلدة» في مغرب محمد السادس.
ويقول بعض العارفين أن تلك «الجلدة» فيها «البركة» وأنها واقية من العين والحسد و«التابعة»، وتجلب السعد والقبول لحاملها.
ولعل السياسيين وزعماء الأحزاب وهم يرون كل «القبول» الذي تحظى به خطوات الهمة الهمام يتمنون فقط أن يتكرم الهمة ويدلهم على «الفقيه» الذي فتل له تلك «الجلدة». حتى يفتل لهم مثلها لكي تطلع لهم «الجلدة» هم أيضا ويستعيدوا بكارتهم السياسية التي فقدوها في أيام الطيش والمراهقة السياسية.
فماذا جاء عالي الهمة ليقوله في حواره مع «لاغازيت». أعتقد أن التقديم الذي وضعه جمال براوي يحتوي على رسالة أوضح من كل الكلام المعاد الذي قاله الهمة. فقد قال براوي محذرا «الهمة الجديد وصل»، «إنه ليس رجلا صالحا أيضا، فهو يحتفظ بكلب في حظيرة كلابه لأكثر من واحد، وعندما يكون عليه أن يرد «الصرف» فإنه لا يتردد، خصوصا الآن بعدما تحرر من واجب التحفظ». «هناك من يجب أن يرتعدوا خوفا من الهمة، لأنه مستعد لكي يقول كل شيء عندما يحين الوقت المناسب لذلك».
وعندما نقرأ الحوار نكتشف من هم هؤلاء الأشخاص الذين يجب أن يرتعدوا خوفا من الهمة، خصوصا عندما يقول «الملك ملك لكل المغاربة وليس بحاجة إلى أي أحد لكي يتواصل مع الشعب، مثلما أنه ليس بحاجة لخندق أو حزب. ما أجده شخصيا مدهشا هو أن نفس الأشخاص الذين كانوا يثنون علي عندما كنت صلة الوصل عندما كنت في الحكومة، هم نفسهم الأشخاص الذين يعتبرونني عدوا للديمقراطية اليوم، بسبب علاقتي بالملك».
ربما يعتقد الهمة أن المغاربة لا يعرفون قراءة الصور، خصوصا الصورة التي نشرت خلال الأيام الأخيرة في أكثر من جريدة ومجلة، والتي يظهر فيها الملك يقود سيارته الرياضية بيد ويرفع اليد الأخرى محييا الجماهير، بينما الهمة جالس بجانبه يبتسم.
إن هذه الصورة وحدها تختزل شعار فريق الهمة البرلماني الذي يرفع شعار الأصالة والمعاصرة. فالسيارة المكشوفة التي يسوقها الملك بصديقه تعتبر آخر صيحة في مجال السيارات العصرية، بينما الزي الذي يلبسه الملك وفؤاد عالي الهمة زي مغرق في الأصالة المغربية.
يفتخر الهمة بأن عشرات من النواب البرلمانيين من أحزاب سياسية متعددة قدموا إليه طلبات للالتحاق بفريقه البرلماني. لماذا يا ترى كل هذه الجاذبية السياسية. ببساطة لأن جزءا كبيرا من حواريي وتابعي الهمة يصنعون ذلك لسواد عيون الهمة، وإنما لقربه من الملك.
فقد شاهدوه وهو يجمع وزراء بالمعطلين في البرلمان، لكي يبحثوا معهم عن حل لمأساتهم. مع أنه ليس مكلفا بلجنة التشغيل في البرلمان وإنما بلجنة العلاقات الخارجية. وشاهدوه يستقبل الملك في الرحامنة ويوقع، مكان وزير التعمير والبناء، على اتفاقيات بغلاف مالي سبعة ملايير درهم كرئيس لمؤسسة الرحامنة التي خرجت إلى الوجود قبل أشهر فقط. والرسالة السياسية واضحة، وهي أن الهمة وعد سكان منطقته بجلب الاستثمار وإخراجها من العزلة، هاهو إذن يفي بوعده ولا يأتي لهم بالاستثمار فقط وإنما بالملك أيضا.
هل هناك برلماني واحد في المغرب يستطيع أن يحظى بزيارة ملكية لمنطقته ويجلس ليوقع أمام الملك على اتفاقيات وشراكات وصفقات لصالح المنطقة.
بل هل هناك برلماني واحد يستطيع أن يحلم، فقط أن يحلم، بالملك يسوق به سيارته المكشوفة أمام المصورين والصحافيين.
وإذا كان الهمة يبقى متواضعا في تقديم حركته لكل الديمقراطيين، فإن حسن بنعدي عضو الحركة، يذهب بعيدا عندما قال قبل أمس في لقاء تواصلي للحركة بالرباط «إن المغرب دخل حقبة جديدة وفريدة من تاريخه، ستفتح للبلد آفاقا لم تنفتح له من قبل».
ونسي بنعدي أن يضيف أن فؤاد عالي الهمة رئيسه المباشر في الحركة هو «المنقذ من الضلال»، وهو «المهدي المنتظر»، و«مصلح زمانه» الذي أرسله القصر ليصلح للسياسيين أمورهم ويقوم اعوجاجهم.
ورغم أن الهمة يبحث بكل الوسائل لكي يثبت للجميع أن ما يقوم به من حشد لأصحاب النفوذ المالي لصالح صخور الرحامنة التي يمثلها في البرلمان، لا دخل له في علاقته بالملك، إلا أن الوقائع التاريخية تثبت عكس ذلك. فالهمة سبق له أن فاز بمقعد رئيس المجلس البلدي لبنجرير سنة 1992، قبل أن يفوز بمقعد برلماني عن صخور الرحامنة سنة 1995 في عز سطوة إدريس البصري الذي كان الهمة وصديق دراسته ياسين المنصوري يتدربان في ديوانه على أصول الحرفة.
فما الذي منعه في تلك الفترة من حشد كل تلك المشاريع والاتفاقيات والشراكات لمنطقته عندما كان يمثلها في البرلمان، الذي لم يكن يحضره إلا نادرا بالمناسبة.
وكلاعب سياسي، للهمة كما لغيره كل الحق في التواجد في الملعب السياسي واختيار الفريق الذي يناسبه، بلاعبيه الاحتياطيين وجمهوره المساند الذي يتنقل معه حيثما ذهب. لكن ما ليس له الحق في استغلاله هو مآسي الناس. ولعل المثال الواضح لهذا الاستغلال كان هو محاولة الهمة الظهور أمام الرأي العام كبطل شهم ونبيل وهو يمنع رجال القوات المساعدة من ضرب المعطلين أمام البرلمان، بعد أن ظل يتفرج عليهم طيلة عشرين سنة من وجوده بوزارة الداخلية، ثم استدعائهم والجلوس معهم بحضور وزراء سابقين وحاليين، بدون فائدة على ما يبدو، اللهم الفائدة التي يكون قد جناها الهمة من وراء هذا اللقاء.
المثال الثاني جاء عندما قامت حركة الهمة بإنزال لأغلب أعضائها في مؤسسة إدريس بنزكري، وإسناد رئاستها لموظف عند الباكوري رئيس صندوق الإيداع والتدبير.
الشيء الذي دفع ببعض الأسماء التي تم اقتراحها في المكتب الإداري للمؤسسة إلى إعلان انسحابها.
وما غاب عن ذهن الهمة هو أنه عمل واشتغل أحب ذلك أم كرهه إلى جانب المسؤولين عن الحقبة التي عانى منها إدريس بنزكري ورفاقه. لذلك فالتنكر لهذا المسار في رمشة عين واختلاق مسار آخر جديد ببكارة سياسية جديدة لعبة لا يمكن أن تنطلي سوى على من يعانون من «الأمنيزيا»، التي لا علاقة لها طبعا بالعلبة الليلية المشهورة بوسط الرباط بقدر ما لها علاقة بفقدان الذاكرة.
صحيح أن بعض رفاق بنزكري الذين كانوا يقسمون في قصائدهم الثائرة أنهم «لن يقبلوا اليد التي...»، تابوا وأصلحوا (أصلحوا حالهم طبعا) وعوضوا تقبيل «اليد التي» بلحيس الكابة. لكن هذا ليس مبررا كافيا لمحاولة السطو على إرث بنزكري وذاكرته.
فالمعروف الوحيد الذي يمكن القيام به لصالح ذاكرة بنزكري ونضاله هو تطبيق توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي يحاول اليوم أحمد حرزني محوها بتلك الممحاة التي توجد عادة على رأس قلم «الرصاص».
ولعل الصورة أصبحت أوضح اليوم أكثر من أي وقت مضى، هناك اليوم ذراعان للملك قررا أن ينفتحا لمعانقة بعض المنابر الصحافية من أجل شرح برامجهما والدفاع عن مشاريعهما، ذراع اقتصادي يمثله الماجدي، وذراع سياسي يمثله الهمة. وظيفتهما الأساسية تطبيق مقولة نابليون الأول الذي قال «لا يمكن قيادة شعب إلا بإظهار المستقبل له. القائد ليس سوى تاجر بضاعته الأمل».
المشكلة أن أصدقاء الملك يخلطون الأمل بالوهم، وينتهون ببيع الشعب بضاعة مغشوشة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق