الجمعة، 13 نوفمبر 2009

يوميات وأسفار

يوميات وأسفار

مثل نيكول أعرف كثيرات، كلهن يرددن أن المغرب رائع والأكل شهي، لكنهن لا يفهمن لماذا يحك المغاربة أنوفهم عندما يتحدثون مع بعضهم البعض، نحن هكذا، أقول لهن، نحك أنوفنا في الشارع ونحن واقفون في الصف أمام شبابيك الأبناك، لا أحد يفهمنا على الإطلاق، حتى السياسيون الذين يكذبون أكثر مما يتنفسون والذين يدعون أننا صوتنا لصالحهم لم يعودوا يفهمون شيئا. إننا شعب معقد، عندما نسكر نبكي وعندما نعرس نتشاجر وعندما نحزن ننفجر من الضحك بحجة أن الهم إذا كثر يدفع إلى الضحك. أنا لا يهمني كل ذلك، لدي راتب وهذا لا يعني أنني سعيد. أليخاندرا تقول إنني مجنون، فرجتها على لوحاتي وقرأت أحد كتبي مترجما إلى الإنجليزية، وقالت أنها أحبته. (م) لم ترقها الملاحظة وقالت لي أن أنتبه جيدا لأن الإيطاليات لديهن شيء من الأفاعي. هناك من يعتقد أنني مجنون، لكن ما العيب؟ حتى في الحكومة لدينا مجانين. وإلا كيف يمكن أن نفسر جلوس اليميني الانتهازي إلى جانب اليساري الانقلابي إلى الطاولة نفسها؟ لا أحد عاد يفهم. حتى نيكول التي تحصل على خبزها بقراءة رسائلها الصوتية لإذاعتها الألمانية لا تفهم شيئا. أما أليخاندرا التي تبحث عن منحة مريحة لتبقى في الرباط من أجل دراسة الغناء الشعبي فقد عادت إلى روما، عند والدتها. أليخاندرا تجد أن المغربيات خطر متنقل، حتى في شوارع روما لا يمكن أن تعثر على فتيات يمشين بالطريقة نفسها التي تمشي بها فتيات مقهى الساتيام آر. إنهن مجرد ضائعات، أقول لها.
ثلاثون عاما من الرعب، ماذا يمكن أن تعطي غير هذا الجيش من التائهات والتائهين. في الطابق العلوي هناك سكان يجلبون كل نهاية أسبوع فتيات ويشرعون في الغناء والضحك بصوت عال طوال الليل. أصبحت أكره السبت بسببهم.
ذهبت هذا الأسبوع لأصور افتتاح القنصلية المغربية بألميرية بالجنوب الإسباني، مرت سيدة إسبانية تشبه ديكا حبشيا، بسبب حنجرتها المتدلية، وقالت أن المغاربة كلهم مجرد أكياس من القمامة.
ابتسمت في داخلي وأنا أقول أن هذه السيدة رغم شبهها الكبير بالديك الحبشي إلا أنها تملك الجرأة لتقول لنا تصورها حولنا في وجوهنا. رغم أنها عنصرية فقد لفتت نظري بجرأتها. كان القنصل المغربي واقفا وبعض الموظفين أيضا وثلاثة من عناصر الأمن الإسباني. أحيانا نتصرف كأكياس من القمامة بالضبط.
عندما أتعب من العمل أبحث عن طبيب يستطيع أن يمنحني شهادة طبية تثبت عجزي عن العمل لمدة خمسة أيام. أضيف إليها الاثنين والثلاثاء اللذين لا أعمل خلالهما ويصبح لدي أسبوع من الراحة. الأطباء لا يهمهم أن تكون مريضا وعاجزا عن العمل. المهم هو أن تكون قادرا على دفع ثمن الشهادة الطبية. هذه المرة حصلت عليها بمساعدة (ن). لديها أحد أقاربها يعمل طبيبا في مستشفى حكومي. قالت أنها تستطيع أن تجلب لي شهادة تثبت عجزي لمدة سنتين إذا أردت. قلت لها أن خمسة أيام تكفيني. فيما تكفلت هي بإرسالها عبر الفاكس إلى العمل. كنت أتناول القهوة في أحد المقاهي وسط مدريد، دعتني أنا لمشاهدة فيلم «سيد الخواتم» وقلت لها أنني شاهدته في الرباط قبل أسبوع. نمت في فندق متواضع. يطل على موقف للسيارات. تناولت إفطاري في مقهى كولومبيا وقرأت مقالات في جريدة إلباييس. مانويل تشابيس ينوي زيارة المغرب.
هو أيضا يريد أن يتذوق الكسكس المغربي ويصافح أعضاء الحكومة، في الأخير هذا هو الشيء الوحيد الذي يجيده أعضاء هذه الحكومة. المصافحات وتقبيل الأيادي. هؤلاء الاشتراكيون لديهم القدرة على تغيير مواقفهم أكثر مما لدى بعض النساء من قدرة على تغيير عشاقهن في ليلة واحدة.
بالأمس ينظمون استفتاء حول صحراء لا توجد ضمن خريطتهم واليوم يفكرون بزيارتنا لجبر الخواطر. اشتراكيونا ليس لديهم مشكل. فهم بعد أن كانوا يلقون الدروس حول التقشف صاروا الآن لا يخجلون من منافسة أعتى البرجوازيين والاقطاعيين على ريع المخزن الذي يدر عليهم الملايير. فيما الشعب يأكل السردين النتن والجميع ينتظر منه أن يصوت بنزاهة ويكون غبيا وطيبا.
لو أن الشعارات كانت تصلح للأكل لأصيب المغاربة بالسمنة ولصاروا يتحركون بصعوبة في الشوارع. لحسن الحظ أنها تستهلك فقط في الجرائد والتلفزيون ولم تدرج بعد في قائمة الطعام. سماء مدريد رمادية. كما يليق بسماء أوروبية والناس مصابون بالزكام. المحلات التجارية كلها مزدحمة بسبب التخفيضات. يشترون كل شيء. حتى إنك إذا عرضت جثة للبيع بلائحة مكتوب عليها «تخفيض» اشتروها منك. ارتحت من الهاتف، لا أحد يطلبني ليسألني عن مشكلتي مع هذا أو ذاك. لست متوفرا من أجل أحد طيلة هذا الأسبوع. إنني خارج التغطية، هذا ما ستتكفل تلك السيدة التي يسكن صوتها في الهاتف بوشوشته في أذن كل من يركب رقمي ويطلبني.
تدخل المقهى امرأة رومانية تحمل طفلا بين ذراعيها. تقول للنادلة أن الطفل عطشان ويريد كأسا من الماء. عندما يشرب الطفل تستدير الرومانية نحو عجوز إسبانية وتقول لها: أنت جميلة، امنحيني شيئا لأطعم هذا الصبي. تمد إليها العجوز قطعة نقدية فتعتذر منها الرومانية: بالأورو إذا كان ممكنا. تمر فتاة إسبانية في مقتبل العمر وتكنس أمام المقهى بحركات سريعة قبل أن تفرغ أزبالها في عربة تدفعها بهمة على طول الشارع. آخر روبورتاج أنجزته قبل أن أمرض، أي قبل أن أسافر، كان حول وصول هذه العملة الأوربية إلى الأبناك المغربية. كانت الصفوف تمتد إلى خارج بنك المغرب. مئات المغاربة الذين كانوا يكنزون العملات الأوربية أتوا للتخلص منها قبل فوات الأوان. لا أعرف لماذا يثق المغاربة بوسائدهم أكثر من البنوك. أحد المسؤولين في البنك قال لي أن المغرب حاليا يعيش على تحويلات المهاجرين وعلى السياحة. وتصورت للحظة أن كل هؤلاء الكادحين الذين يبعثون كل شهر لعائلاتهم مصروفا معينا انقطعوا عن هذه العادة وأن كل أولئك السياح الذين يتجولون في أسواق مراكش وأكادير بسيقانهم المصابة بالروماتيزم والدوالي فكروا بالذهاب إلى مكان آخر. وتصورت آلاف المغاربة يجتاحون مبنى البرلمان ومقر الحكومة ليسحبوا الوزراء والبرلمانيين ذوي الحناجر المتدلية من أرجلهم إلى الشارع حيث نصبت منصات مكشوفة لمحاكمتهم. سيفطنون إلى أن بعض الوزراء قد فروا على متن طائراتهم المروحية ويخوتهم المجهزة نحو بلدان أخرى. فهم بسبب جنسيات بعضهم المزدوجة سيجدون لا محالة مكانا آمنا يصرفون فيه كل تلك المليارات التي راكموها على حساب بؤس هذا الشعب وصبره الخارق للعادة.
مقاطع من مذكرات شخصية كتبت في أوقات متفرقة ما بين 2000-2007

0 التعليقات:

إرسال تعليق