الجمعة، 13 نوفمبر 2009

العبث

العبث

من يتابع مجريات الأمور في المغرب يخرج بقناعة مفادها أن هناك أشياء عبثية تقع دون أن تثير استغراب أحد.
جامعة كرة القدم تتعاقد مع مدرب فرنسي بتكلفة شهرية يصل إلى 60 مليون، في الوقت الذي لدينا منتخب يعود منهزما في كل البطولات التي يذهب للمشاركة فيها.
المجلس الأعلى للقضاء يحكم ببراءة العفورة، ثم يتنادم معه الحال ويعيد اعتقاله ويرسله إلى السجن.
محكمة بالرباط تقرر متابعة البحراوي ومن معه بتهمة الحملة الانتخابية السابقة لأوانها، قبل أن تعود ويتنادم معها الحال وتحكم ببراءته.
المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان «تعافى» من جرثومة الدفاع عن حقوق الإنسان، وأصبح رئيسه أحمد حرزني، السجين السابق، يدافع عن سجن الصحافيين ومتابعة صحفهم.
شباط عمدة فاس يتهم قضاة مجلس الحسابات بالإرهاب، فيقرر هؤلاء القضاة متابعته، قبل أن يتلقوا أوامر من الميداوي رئيس مجلس الحسابات بمسحها فيه ونسيان الموضوع.
لجنة تقصي الحقائق حول ما وقع في سيدي إفني، تذهب لمجالسة الجلادين والضحايا، فتنتهي بمجالسة وزير الفلاحة والتجهيز. وفي الأخير توقف اللجنة برنامجا تلفزيونيا كان سيخصص للحديث حول سيدي إفني.
وفيما كان الجميع ينتظر محاكمة الجلادين الذين اعتدوا على سكان سيدي إفني تابع الجميع محاكمة الجزيرة والناشط الحقوقي سبع الليل، الذي أدين بالسجن فيما أدينت الجزيرة بالغرامة.
البرلمان الذي من بين أهم اختصاصاته مراقبة العمل الحكومي وطرق صرف أموال دافعي الضرائب يقوم بعكس وظيفته. وإذا كان البعض في المغرب لم يفهم بعد لماذا يصلح البرلمان، فإن قرارا صدر عن هذا الأخير قبل أسبوع يشرح بوضوح الدور الحقيقي لهذه المؤسسة في الحياة السياسية المغربية.
فقد اجتمع أعضاء لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين، لا لكي يصوتوا لصالح مشروع تأسيس لجنة لتقصي الحقائق في كل الملايير التي أهداها مسؤولون عموميون إلى مجموعة الضحى، بل لكي يصوتوا بالإجماع لصالح إسقاط المتابعة القضائية ضد زميلهم يوسف التازي عضو الفريق الاستقلالي بالمجلس، والذي كان متابعا أمام غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتهمة المشاركة في تبديد أموال عمومية في فضيحة ملف مشروع الحسن الثاني.
وهكذا اكتشفنا أن البرلمان في المغرب يصلح لتوقيف المتابعات القضائية ضد المتهمين في اختلاس المال العام. خصوصا إذا كان اسمهم من عيار التازي. ويمكن أن ينفع أيضا للعب دور الشيطان الأخرس، أي الصامت عن الحق. خصوصا عندما نراه يتكاسل في إخراج لجنة لتقصي الحقائق للنظر في الاتهامات الخطيرة التي تواجهها مؤسسة الضحى وصاحبها أنس الصفريوي.
بل يمكن أن نسمع فيه وزيرا للمالية يدافع عن الضحى ويصف الاتهامات الموجهة إليها بتصفية الحسابات الشبيهة بعمليات تصفية حسابات المافيا، عوض أن يدافع عن المال العمومي وممتلكات الدولة. ولعل الخطير في كلام وزير المالية هو عندما يقول بأنه لا يجب على أي أحد أن يأخذ مؤسسات الدولة كرهائن بسبب مصالح شخصية، وأن الرأي العام ضحية تصفية حسابات شخصية. والحال أن الذي يجب أن يقول لنا هل الاتهامات الموجهة للضحى حقيقية أم مجرد تصفية حسابات شخصية ليس هو وزير المالية أو الأوقاف، ولكن القضاء. فهو المستأمن على ممتلكات الدولة وأراضيها التي تقول الوثائق والمستندات أن الصفريوي أخذها بدون مناقصة وبأقل من ثمنها الحقيقي. هذا هو عمق الإشكالية، أما أن يتحدث وزير المالية عن «المافيا» وتصفية الحسابات الشخصية فهذه كلها مجرد محاولات لذر الرماد في العيون حتى يصرف النظر عن الموضوع الأساسي في هذه القضية، والذي يبقى هو استفادة الضحى من أراضي الأوقاف والأملاك المخزنية بدون مناقصات وبأسعار بخسة.
وشخصيا لو كنت مكان الصفريوي لكنت أول من يطالب بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق للنظر في الاتهامات التي تواجهها مؤسسته. خصوصا وأن هذه الاتهامات تحصر المبالغ التي ضاعت بسببه على خزينة الدولة بحوالي ألف مليار سنتيم. فالمنطقي في هذه الحالة هو أن يسارع الصفريوي إلى مطالبة القضاء بفتح تحقيق نزيه ينصفه إذا كان كما يقول، يشتغل في الشفافية المطلقة. كما أن الذين يتهمونه بكل هذه الجرائم المالية يجب أن ينالوا جزاءهم إذا كانوا قد كذبوا على الرجل ولفقوا له كل هذه الاتهامات. أما أن يتدخل أصحاب الحسنات على الخط، ويحاولوا شراء صمت بعض الصحف بالإعلانات، ويتم إفهام أعضاء فيدرالية المنعشين العقاريين بأن مصلحتهم تقتضي أن يبقوا على الحياد وإلا فإن مصالحهم ستهدد، فإن في الأمر ما يثير الشك، وربما الخوف أيضا.
ولعل أكثر ما يجعل المتتبع لما يحدث في المغرب هذه الأيام يصاب بالدوار، هو اكتشافه أن عدد المهرجانات هذه السنة وصل إلى ثمانين مهرجانا. آخره واحد رعاه الصفريوي على شرف مراهقة تدعى ريهانا، جاءت إلى الدار البيضاء وتقاضت مليار سنتيم عن ساعة من الغناء والرقص، وعادت إلى بلادها.
وما يستغرب له المرء هو اكتشافه أن خزائن المؤسسات والشركات تفتح كلما تعلق الأمر بتنظيم مهرجان، وتجف فجأة كلما تعلق الأمر بالمساهمة في إخراج المواطنين من أزماتهم اليومية.
ويبدو والله أعلم أن المغرب هو البلد الوحيد الذي ينفق مئات الملايير على الرقص والغناء بينما توجد لديه أكثر من سبعة ملايين مواطن تحت عتبة الفقر. وتملك بعض الشركات العقارية «الكبدة» لإعطاء مراهقة كل مقوماتها الفنية هو ما تكشف عنه من جسدها، مليار سنتيم عن ساعة واحدة من «التعواج»، في الوقت الذي تقف فيه عاجزة أمام عشرات الأسر وهي تطرد من بيوتها في العنق أو إقامة «سيدنا» بالدار البيضاء، ومئات الأسر الأخرى التي تشردها الشركات العقارية الأجنبية التي تلتهم الأراضي التي استرجعها المغاربة من الاستعمار بدمائهم.
ولعل المضحك في كل هذه الحكاية هو أن المكتب الوطني للكهرباء لا يتعب من مطالبة المواطنين بإشعال «بولة» واحدة لربع ساعة للمساهمة في اقتصاد الطاقة التي يستوردها المغرب بالكامل تقريبا. وفي مقابل ذلك تشتعل الأضواء الكشافة في ثمانين مهرجانا وعلى طول البلاد وعرضها لليالي طوال ملتهمة كيلوات من الطاقة التي تحتاجها الأحياء الصناعية والشركات المدرة للدخل.
ومن تجول في شارع محمد الخامس بالرباط صباح اليوم الذي أعلن فيه المكتب الوطني للكهرباء عن بدء حملة «البولة» الواحدة لربع ساعة، ورأى كيف تشتعل أضواء الشارع نهارا، كان سيفهم أكثر كيف يسير المغرب.
وحتى لا نظلم المكتب الوطني للكهرباء، فيجب أن نشهد له على الأقل بسعيه الدائم إلى البحث عن أفكار مبتكرة للتقليص من استهلاك الكهرباء. ومن ضمن هذه الأفكار العبقرية تلك التي راودت المكتب في الرباط عندما قطع التيار الكهربائي عن حي يعقوب المنصور قبل عشرين يوما فقط لكي يستمتع الجمهور في مركب مولاي عبد الله بمنظر الشهب الاصطناعية التي أطلقتها الجهة المنظمة في سماء المنطقة وهي تضيء المكان بمناسبة اختتام ملتقى لألعاب القوى.
وهكذا فلكي يستمتع البعض بمنظر الشهب الاصطناعية وهي تضيء السماء فوقهم، فهم مستعدون لقطع الكهرباء عن حي بكامله. والحمد لله أنهم لم يطلقوا نافورة اصطناعية بالألوان، وإلا لكانوا قطعوا على عباد الله الما والضو.

0 التعليقات:

إرسال تعليق