السبت، 14 نوفمبر 2009

الباسبور لخضر

الباسبور لخضر

في الوقت الذي أرسل فيه الملك رئيس مخابراته ياسين المنصوري إلى نواكشوط لكي يتدخل لإطلاق سراح الرئيس الموريتاني الذي أطاح به الجنرالات، وهذا ما تم بالفعل، في خلال هذا الوقت أرسل المحامي السويسري «فرانسوا مومبريز» مبعوثا خاصا إلى الملك يلتمس منه التدخل لإطلاق سراح مغربيين محتجزين بعاصمة العقيد القذافي طرابلس.
نحن هنا أمام مفارقة دبلوماسية مثيرة للتأمل. المغرب يتدخل لإطلاق رهائن موريتانيين في موريتانيا بينما يعجز عن التدخل لإطلاق سراح رهائن مغاربة في ليبيا. والكارثة هي أن الرهينتين لم يقترفا أي ذنب آخر في حق العقيد القذافي أو جمهوريته الديمقراطية العظيمة سوى كون إحدى الرهائن والدة المغربي سائق حنيبعل القذافي ابن العقيد، والآخر أخوه. وكل جريمة المواطن المغربي سائق جناب ابن الرئيس هو أنه سجل شكاية ضده عند شرطة سويسرا بعد خمس سنوات قضاها مستعبدا عند ابن الرئيس تعرض فيها للضرب والإهانة والتنكيل. فاعتقلت الشرطة السويسرية ابن الرئيس الليبي وزوجته للتحقيق معهما.
وكان أول رد ليبي على تعامل سويسرا مع ابن الرئيس الليبي طبقا لما تنص عليه قوانين البلاد، هو اعتقال مواطنين سويسريين في طرابلس بتهمة الهجرة السرية. ولحسن الحظ أن ليبيا لم توجه لهذين المواطنين السويسريين تهمة محاولة الهجرة السرية إلى أوربا، التي بالمناسبة يحملان جواز سفر إحدى أكثر دولها غنى وشهرة، سويسرا، حيث يضع العقيد وعائلته أموالهم في بنوكها.
وأول شيء قامت به السلطات السويسرية بعدما تطورت الأمور وهدد العقيد بقطع بتروله عن سويسرا وسحب أمواله من بنوكها، هو إيداعها للسائق المغربي الذي تسبب في اعتقال حنيبعل مكانا آمنا، حيث يخضع للعناية الطبية والنفسية جراء المعاملة القاسية التي تعرض لها على يد ابن العقيد.
وبينما قطع وزير الخارجية السويسري عطلته الصيفية والتحق بمكتبه على عجل للبحث عن حل لهذه الأزمة الدبلوماسية التي نشبت بين ليبيا وسويسرا، وأرسل رجله الثالث في الوزارة إلى طرابلس للتفاوض مع الليبيين حول مخرج للأزمة، فإن وزارة الخارجية المغربية ظلت محافظة على برودة أعصابها في ثلاجتها الدبلوماسية. أما سفارة المغرب بسويسرا وطرابلس والممثلة الدبلوماسية للمغرب في جنيف فكلهم فضلوا دس رؤوسهم في الرمال مثل النعام، وتركوا للمحامي السويسري مهمة إرسال مبعوث إلى الملك لكي يطلب منه التدخل للإفراج عن مواطنين من «رعاياه الأوفياء» المحتجزين في جمهورية العقيد الديمقراطية العظمى.
المحامي السويسري المسكين تعجب من حجم الازدراء الذي تعاملت به الحكومة المغربية مع رسائله التي طلب من خلالها تدخل وزراء مغاربة لصالح رهائن مغاربة في بلد جمعنا به ذات زمن قطار اسمه المغرب العربي. فقد انتهت مراسلاته في سلة المهملات، لأن وزراءنا في عطلة، وبما أنهم في عطلة فلا داعي للسرعة. ويبدو أن ليبيا هي أحسن من يطبق اليوم اتفاقية التعاون بين بلدان المغرب العربي، خصوصا بالنسبة لأبناء العقيد، فحنيبعل ليبي ولديه سائق مغربي وخادم تونسي، ولو بحثنا في قصوره جيدا لربما عثرنا على جزائري في مكان ما. والطريقة المثلى لتفعيل اتفاقية التعاون بين ليبيا ومواطني بلدان المغرب العربي، وخصوصا المغرب، هي احتجاز مواطنيها كرهائن عندما يقدم أحد أفراد عائلتهم شكاية بأحد أبناء الرئيس الليبي.
عندما نرى حماس الرباط الزائد، عبر صحافتها الناطقة بلسانها، للانقلابيين الموريتانيين والثناء على وطنيتهم الزائدة التي بفضلها تم إصلاح ما أفسده الرئيس المخلوع الذي أصبحت تسيره زوجته من خلال ترؤسها لإحدى الجمعيات، ثم إرسال رئيس المخابرات المغربية لمطالبة الانقلابيين بإطلاق الرئيس المخلوع ورجاله، ونقارن بين هذا الحماس الزائد للدفاع عن الآخرين والفتور المزمن في الدفاع عن مصالح المغاربة الذين تواجههم مشاكل خارج المغرب، نكتشف أن المغاربة أضيع في الخارج من الأيتام في مأدبة اللئام.
إنه لمن المخجل أن تتكفل السلطات السويسرية بالعناية الطبية والنفسية لمواطن مغربي تعرض للضرب والإهانة على أرضها بينما تستكثر عليه السفارة المغربية بسويسرا وممثلة المغرب في جنيف مكالمة هاتفية واحدة تسأل فيها عن أحواله، وما إذا كان بحاجة إلى محامي أو طبيب. كما أنه من المخجل أن يصل مسؤول في الخارجية السويسرية إلى طرابلس ليبحث مع الليبيين قضية عائلة السائق المغربي المعتقلة كرهينة، بينما يغمض السفير المغربي في طرابلس عينيه عن هذه الإساءة الدبلوماسية التي لا تمت للأعراف الدولية ولا لتقاليدنا الإسلامية بصلة.
كل الدول التي تحترم مواطنيها تتدخل لصالحهم عندما يتعرضون لمشاكل في بلدان أجنبية، إلا المغرب فإنه يتصرف كما لو أن الأمر لا يعنيه مطلقا. وربما أفهم الآن لماذا أخبرتني المواطنة حنان.س المهاجرة بهولندا بحزن أنه لم يعد يشرفها أن تكون مغربية وعربية، وعندما سمعت حكايتها وجدت له العذر.
فقد قررت هذه المهندسة المغربية المهاجرة هي وزوجها المهندس المغربي أن يقضيا عطلة في شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية، وحجزا في فندق من صنف خمس نجوم. لكنهما بمجرد وضعهما لأرجلهما في المطار تم منعهما من دخول مصر بحجة أنهما لا يتوفران على التأشيرة. رغم أنهما يتوفران على جواز سفر هولندي بالإضافة إلى المغربي. لكن جواب رجال الجمارك المصريين كان صارما، فالأمر يتعلق بما سموه «أمن الدولة». وكأن عطلة مهندسين مغربيين في مصر من شأنها تهديد هذا الأمن.
وهكذا قررت مصالح الجمارك المصرية إعادة الزوجين من حيث أتيا، أي إلى هولندا. بعد 12 ساعة من الانتظار فوق كراسي المطار وجدوا مقعدا فارغا في طائرة عائدة إلى أمستردام للمهندسة، بينما كان على زوجها أن ينتظر حظه.
وبمجرد ما وصلت المهندسة المغربية إلى هولندا اتصلت بالسفارة المصرية بأمستردام فأخبروها بأنهم لا يستطيعون القيام بأي شيء من أجلهما ماداما مغربيين. ثم عادوا وحاولوا حجز تذكرة إياب في طائرة قادمة من القاهرة إلى أمستردام، فاكتشفوا بندا في القانون المصري يمنع اقتناء تذكرة ذهاب دون إياب إلى أوربا بالنسبة للمسافرين العرب. مع أن هذا المغربي العربي يعيش في هولندا ويحمل جنسيتها ولا يفكر في الهجرة إليها للاستقرار بشكل غير شرعي. وحتى عندما اشترت زوجته تذكرة سفر أخيرا، فقد اكتشفوا أن المغربي لا يمكنه السفر من مطار شرم الشيخ إلى مطار القاهرة لأخذ طائرته نحو أمستردام، لأنه عمليا لازال داخل التراب المصري. وهنا «زغب» الله المهندسة المغربية واتصلت بالسفارة المغربية بالقاهرة لكي تطلب منهم مساعدة زوجها في الوصول إلى القاهرة ليأخذ طائرته. فأمطروها في السفارة المغربية بالأسئلة المتهمة من قبيل «علاش شدوكم، ياك مادرتو شي حاجة، ياك مالقاو عندكم شي حاجة»، لكي يطلب منها أخونا المغربي في السفارة جزاه الله خيرا أن تعيد الاتصال بعد ساعتين. وعندما عادت المغربية للاتصال بالسفارة وقعت على موظف آخر وأعاد عليها نفس الأسئلة المستفزة والمتهمة، وفي الأخير طلب منها أن تجدد الاتصال في الغد. أي أن المغربي المعتقل في المطار يجب عليه أن ينتظر ساعات أخرى بالإضافة إلى 36 ساعة التي قضاها رهينة الجمارك المصرية.
لحسن الحظ أن وكالة الأسفار الهولندية التي اشتروا منها تذاكر السفر استطاعت أن تقنع مطار القاهرة بالسماح للمغربي بالسفر نحوه، ومنه إلى أمستردام.
وتختم المهندسة حنان حكايتها هكذا «زوجي استطاع أخيرا أن يركب طائرته عائدا إلى البيت. وبعد كل الذي حدث لم أعد فخورة لا بمغربيتي ولا بعروبتي. عندما يمنعني بلد عربي من دخوله في الوقت الذي يسمح لكل الجنسيات الأخرى بالدخول، حتى أن الهولنديين اندهشوا عندما سمعوا هذا الأمر، عندما تعجز سفارة بلادي عن مساعدتي بينما يتطوع الهولنديون للقيام بذلك، عندما أرى أنني أستطيع السفر إلى أي بلد أوربي أشاء وعندما أفكر في تشجيع السياحة العربية في بلد إسلامي يتم طردي نحو أوربا، عندما يحدث لي كل ذلك أشعر بالخجل من جوز سفري الأخضر. ولذلك أعتقد أنني إذا فكرت في المستقبل في قضاء عطلتي أنا وزوجي فسنختار بلدا أوربيا، النصارى أولى بفلوسي، حلال عليهم».
وبعد كل هذا لازال البعض يستغرب لماذا يسارع المغاربة إلى طلب جنسيات دول أوربية، فهم مقتنعون بحكم التجربة أن جنسيتهم المغربية لا تحميهم عند الضرورة، بل بالعكس، يمكن أحيانا أن تكون سببا مباشرا لمشاكلهم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق