الأربعاء، 18 نوفمبر 2009

رسالة اعتذار

رسالة اعتذار

توصلت أمس بدعوة من سعادتكم لحضور حفل تسليم الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في مسرح محمد الخامس، تزامنا مع احتفالكم بالعيد الوطني للإعلام.
وإذ أشكركم على الدعوة الكريمة التي وصلت بعد سيل من الدعوات غير الكريمة التي تمطرنا بها المحاكم للمثول أمام القضاء، يؤسفني أن أخبركم أنني لن أتمكن من حضور احتفالكم الرسمي البهيج، وذلك لأسباب تتعلق بظروف طارئة تعيشها مؤسستنا الإعلامية الفتية.
لذلك سيكون عليكم الاحتفال بعيدكم السنوي من دوننا، فإذا كنتم أنتم تحتفلون بالعيد، فنحن نعيش هذه الأيام، نجاكم الله، ما يشبه المأتم. وعوض أن تبعثوا إلينا دعوة لحضور حفل توزيع الجوائز كان الأليق بكم أن تبعثوا إلينا رسالة تعزية ومواساة. وإذا لم تجدوا الوقت الكافي لمواساتنا في مصابنا بالرسائل فعلى الأقل سيكون شهما من جانبكم أن تمسكوا علينا لسانكم وتتوقفوا عن إعطاء التصريحات الجارحة في حقنا، وتتركونا نواجه هذه الفاجعة بدون تشفي وسخرية.
سعادة الوزير، لا بد أنكم سمعتم بأن المحكمة قررت تأييد الحكم الابتدائي ضدنا، وأجبرتنا على دفع 620 مليون سنتيم للقضاة الأربعة. وجاء عون قضائي ليبلغنا منذ أسبوع بحجز الحساب البنكي للشركة وحسابي الشخصي، وبقية الأموال المودعة في حساب شركة التوزيع «سابريس»، والتي رفض مديرها وصديقك محمد برادة أن يدفعها لنا قبل شهر.
ورغم كل ذلك فكرت سعادتكم وتكرمتم بدعوتي لحضور أمسيتكم الساهرة التي ستوزعون فيها الضحكات على المصورين والتصريحات على الميكروفونات والأغلفة المالية على الصحافيين الفائزين بجوائزكم. تتصورون سعادتكم أنني رغم الشروع في تنفيذ حكم الإعدام الذي صدر في حق المؤسسة التي أتحمل مسؤولية إدارتها، ورغم أن حسابي البنكي تم السطو عليه، ورغم انشغالي المتواصل بالتفكير في مصير ثلاثمائة عائلة تعيش مباشرة من هذه الجريدة، فإنني سأجد الوقت الكافي لحضور حفلتكم التنكرية، حيث ستخطبون في معشر الصحافيين خطبتكم السنوية المملة، والتي ستذكرونهم فيها بالمنجزات الباهرة التي تحققت لقبيلة الصحافيين منذ مجيء سلفكم نبيل بنعبد الله وإلى غاية تسلمكم للمشعل الذي يحرقنا لهبه اليوم.
تتصورون سعادتكم أنني سأضع كل هذه الكوارث التي حلت بنا جانبا، وسأنسى لبضع ساعات حبل المشنقة الذي يلف رقبتي لكي أصفق لكم وأنتم تصعدون المنصة لكي تخطبوا حول هامش الحرية الذي زاد في عهدكم، وحجم الدعم الذي تقدمونه للجرائد والمجلات لكي تستمر، وعن المعارك التي تخوضونها لإخراج قانون الصحافة إلى الوجود. والحال أن الجميع يرى كيف أنكم سائرون بنا بخطى حثيثة في الطريق نحو بلاد لن يكون مسموحا فيها للصحافي أن يفتح فمه سوى في عيادة طبيب الأسنان.
تتصورون أن قلوبنا مصنوعة من الفولاذ لكي نغادر بيت العزاء الذي نأتي إليه كل يوم، ونذهب إلى المسرح ونتفرج على مهزلة سخيفة تؤدون فيها دور البطولة.
لا يكفيكم أن تفرجوا فينا العالم بأسره بل تريدون فوق ذلك أن نأتي بأرجلنا إلى حفلتكم التنكرية لكي يتفرج فيها الجميع.
تتصورون أننا مغفلون إلى هذه الدرجة، لكي نوقف معركة الكرامة والبقاء ونضع أقلامنا جانبا، أسلحتنا الوحيدة في هذه الحرب غير المتكافئة، ثم نلبس بذلتنا الأنيقة وربطة العنق ونرش العطر لكي نأتي ونشارككم بهجة العيد السعيد.
لا يا معالي الوزير، لسنا أغبياء إلى هذه الدرجة حتى تطلب منا في عز الألم والحزن ومن علياء هذه النكبة أن نحتفل ونفرح معكم. فالوقت ليس وقت احتفال وفرح، وإنما الوقت وقت حزن وعزاء. وإذا كنتم في علياء دواوينكم الوزارية لا تسمعون هذا العويل الأليم الذي يطلقه الصحافيون وهم يتقدمون الواحد تلو الآخر نحو منصة الإعدام، فنحن لا نلومكم، ونفهم أنكم بمجرد ما تصبحون وزراء في الحكومة حتى تصموا آذانكم عن سماع صرخاتنا التي تفسد عليكم سماع الموسيقى الصامتة للأغنية الرسمية.
لذلك يؤسفني يا سعادة الوزير أن أخبركم بأنني أقاطع احتفالاتكم وجوائزكم ومناظراتكم ما دمتم متواطئين مع الجهات التي تريد إعدامنا بسيف القضاء. فأنتم لم تدخلوا الحكومة على صهوة حزب من أحزاب الأنابيب، وإنما باسم حزب يساري يفتخر بتقدميته واشتراكيته.
ولعل ما يحز في القلب هو أن نرى كيف أن كل الأحكام القضائية القاتلة التي صدرت في حق الصحافة المستقلة في مغرب العهد الجديد، صدرت باسمكم أنتم اليساريون والاشتراكيون والشيوعيون القدامى الذين يتوارثون وزارتي العدل والاتصال. فأي ملجأ ستهربون إليه اليوم تاريخكم وسنوات اعتقالكم ومرافعاتكم ضد القمع والمصادرة، بعد أن غيرتكم المقاعد الحكومية الوثيرة، وقايضتم رؤوس الأقلام برؤوس الأموال، والثورة بالثروة، وانتهيتم تباركون إعدام الصحف وترشون الملح على الجرح إمعانا في التعذيب، لكي تنالوا رضا الجلادين وعطاياهم.
سيشهد التاريخ أنكم أغلقتم أعينكم بإحكام لكي لا تروا هذه الجريمة البشعة، وشاركتم فيها بصمتكم الجبان. والأفظع من كل ذلك أنكم تريدون أن ترقصوا وتجعلوا الصحافيين يرقصون معكم على جثتنا محتفلين بعيدكم السنوي، مثل أي قبيلة بدائية من أكلة لحوم البشر. وكأن إعدام الجريدة الأولى في المغرب مجرد عارض بسيط لا يستحق ولو مجرد كلمة عزاء من طرفكم.
عذرا معالي الوزير، لن نأتي إلى عرسكم، وما عليكم لتعويض غيابنا سوى أن تضعوا فوق مقاعدنا الشاغرة باقة ورد، كما يصنع أهالي المقتولين غدرا. واكتبوا فوقها أننا لم نستطع الحضور لأننا منشغلون بتدابير الدفن. فمن حق المقتول غدرا أن يحظى على الأقل بميتة شريفة، مادام العيش بشرف في هذه البلاد أصبح عزيز المنال.
سنلبي دعوتكم عندما تقررون الجلوس معنا للتفكير في طريقة عاجلة لإيقاف عقارب هذه القنبلة الموقوتة التي وضعها القضاء تحت أرجلنا.
سنلبي دعوتكم عندما تجلسون مع كل الصحافيين للعمل على إخراج قانون جديد للصحافة يعطينا ضمانات واضحة لممارسة هذه المهنة الشريفة دون السقوط فريسة سهلة للقضاة الراغبين في الاغتناء غير المشروع على حسابنا.
سنلبي دعوتكم عندما تتوقف سعادتكم عن شتم الصحافيين ونعتهم بأنصاف الأميين والجهلة، وإعطاء التصريحات الشامتة في المحكومين بالإعدام منهم.
سنلبي دعوتكم عندما تدركون أن الكرسي الذي تجلسون فوقه قد سبقكم إليه آخرون قبلكم، وأن منصبكم لا يعطيكم الحق في محاكمة الصحافيين نيابة عن القضاء.
سنلبي دعوتكم عندما يكون لدينا شيء نحتفل به ونخلده. وإلى اليوم ليس لدينا في هذه المهنة التعيسة ما نحتفل به غير هذه الأحكام القاتلة والغرامات الثقيلة وقرارات المنع من الكتابة لعشر سنين.
فهل تعتقدون يا معالي الوزير أننا ساديون إلى هذا الحد، حتى نتحمل كل هذه الآلام والخيبات والانكسارات، ثم نأتي إلى المسرح لكي نصفق ونضحك لبعضنا البعض مثل أي مخدوعين تعساء.
لقد أخطأت العنوان يا سعادة الوزير عندما أرسلت إلينا الدعوة لحضور حفلتك. كان عليك أن ترسلها إلى القضاة الذين نطقوا حكم الإعدام في حقنا. فهم أولى منا بحضور هذه المهزلة. على الأقل لكي يروا ضحاياهم المقبلين ويتعرفوا على ملامحهم وقسمات وجوههم.
عذرا معالي الوزير، يمكنك أن تحتفل بعيدك من دوننا. اتركنا نحن لمأتمنا المتواضع، فحزنه النظيف أشرف لنا من كل أفراحكم المزيفة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق