الجمعة، 8 يناير 2010

باك صاحبي

باك صاحبي

قد يفهم المرء إصرار بعض أصحاب الشركات والمقاولات على هضم حقوق مستخدميهم، وقد يحدث أن يذهب أحد هؤلاء، أو إحداهن، إلى حد الاعتداء بالضرب على هؤلاء المستخدمين، كما صنعت ليلى بن الصديق في محطة القطار بالقنيطرة عندما داست بسيارتها «الجاغوار» تسعة عمال في شركتها، لكن ما ليس مفهوما هو أن تمتنع نقابة تدافع عن حقوق العمال والمستخدمين عن إصدار مجرد بيان تضامني مع هؤلاء العمال الضحايا.
وفي الوقت الذي أدانت فيه المنظمة الديمقراطية للشغل ما قامت به ليلى بن الصديق، وسمته ب«الهجوم البربري ضد العمال المقهورين»، امتنع الاتحاد المغربي للشغل الذي يوجد على رأسه المحجوب بن الصديق، والد صاحبة الشركة، عن إصدار أي بيان تنديدي حول الاعتداء الذي تعرض له المستخدمون.
وحسب ما صرح به نائب رئيس الاتحاد المغربي للشغل، فإن النقابة لا شأن لها بما وقع، فالأمر يعني ربة العمل وشركتها فقط. وهذا أغرب تبرير سمعناه من فم مسؤول نقابي حول اعتداء شنيع تعرض له مستخدمون تدعي النقابة العمالية تمثيلهم والدفاع عن مصالحهم.
والمدهش في ما وقع بالقنيطرة أمام محطة القطار، هو أن ليلى بن الصديق قايضت صمت مستخدميها وتنازلهم عن مقاضاتها بتسديد أجورهم المتأخرة والإبقاء عليهم في الشركة. وقد ذكرني هذا بقصة أولئك العمال الذين جلبهم أحد الوزراء السابقين من منطقته وشغلهم في شركته، وعندما أنهوا الشهر الأول طالبوه بأجرتهم. فجمعهم وقال لهم معاتبا بأنهم لا «يعقلون» على الخير، وصرخ فيهم قائلا «بغيتو نخدمكم ونخلصكم من الفوق، ما حشمتوش».
فما قامت به ليلى بن الصديق عندما صرفت لمستخدميها أجورهم المتأخرة واحتفظت بهم في شركتها، هو أقل ما ينص عليه قانون الشغل. فهي لم تصنع معروفا في مستخدميها وإنما فقط قامت بما كان يجب عليها القيام به منذ أشهر. وهنا تطرح مسؤولية مفتشية الشغل، وعدم تدخلها لإجبار ربة الشركة على احترام حقوق مستخدميها. أما الإيذاء العمدي للغير الذي اقترفته ليلى بن الصديق بسيارتها «الجاغوار» على رؤوس الأشهاد، فيتطلب وحده متابعة قضائية من طرف النيابة العامة، حتى ولو تنازل الضحايا عن المتابعة، وهذه مسؤولية القضاء.
لكن يبدو أن القضاء عندما يتعلق الأمر بأبناء أشخاص نافذين في السلطة أو الحزب أو النقابة من سائقي سيارات «الجاغوار»، فإنه يقف أمامهم عاجزا عن الحركة. وعلى ذكر «الجاغوار»، فبن الصديق لديهم قصة قديمة مع هذه الماركة الراقية من السيارات، والتي يريد البعض أن يحولها إلى آلة للضرب والجرح، فلا ننسى أن قاتل حارس الأمن بمدخل فندق «أونفيتريت بالاص» كان يركب سيارة «جاغوار» هو أيضا.
في سنة 1961 جاء شباب من مدارس فاس الثانوية بدعوة من قيادة الاتحاد الوطني لحضور تقديم قانون المالية أمام المجلس التأسيسي الذي كان يرأسه بنبركة، وهو المجلس الذي كان مكلفا بلعب دور البرلمان في غياب الدستور. وبعد أن حضروا لتقديم القانون المالي وتابعوا مناقشته الحامية حيث استبسل المحجوب بن الصديق في الدفاع عن الطبقات الشعبية والكادحة، أخذوهم إلى مقر الاتحاد المغربي للشغل في شارع الجيش الملكي بالدار البيضاء.
وعندما انتهت الزيارة وقف التلاميذ أمام مقر النقابة ينتظرون حافلتهم، فشاهدوا الزعيم المحجوب بن الصديق يغادر على متن سيارة «جاغوار». فصدموا لرؤية المدافع عن الطبقات الكادحة يركب أفخم وأغلى سيارة تدخل مغرب الاستقلال، في وقت كان فيه أغلب المغاربة يتنقلون على ظهور الدواب. وعندما احتج الشباب لدى مرافقيهم على هذا التناقض الصارخ ما بين الشعارات والواقع، كان هناك من أخبرهم أن «الزعيم» لم يشتر تلك السيارة وإنما جاءته «كاضو» من المستورد الرسمي لسيارات «جاغوار» في المغرب آنذاك، والذي كان محله يوجد بعين السبع على طريق الرباط.
التناقض الصارخ بين الشعارات والواقع في نقابة المحجوب بن الصديق، لازال ساري المفعول إلى اليوم. وقد جسدته ابنة الزعيم الخالد للنقابة أسوأ تجسيد يوم الجمعة الماضي عندما حولت ساحة محطة القطار بالقنيطرة إلى ما يشبه ساحة حرب. وجسده معها نائب والدها على رأس نقابة الاتحاد المغربي للشغل، عندما رفض إدانة سلوك صاحبة شركة «LBS» والتضامن مع ضحاياها من العمال ولو ببيان.
هناك سؤال آخر لم يطرحه أحد بخصوص فوز شركة لبنى بن الصديق للحراسة بمحطات القطارات والموانئ، وهو ما مدى تأثير نفوذ والدها المحجوب بن الصديق الذي يقود واحدة من أكبر النقابات العمالية في المغرب، وهي الاتحاد المغربي للشغل الذي لديه تمثيلية كبيرة في المكتب الوطني للسكك الحديدية والمكتب الوطني للموانئ، في الحصول على هذا «المارشي» المدر للدخل.
ولعل ما يدفعنا إلى طرح هذا السؤال هو موقف نقابة المحجوب بن الصديق السلبي مما قامت به ابنته ضد مستخدميها، وصمتها المتواطئ مع الإهانة التي ألحقتها بأحد الحقوق المقدسة التي تدافع عنها كل نقابات العالم العمالية، وهو الحق في الحصول على أجرة من رب العمل. ألا يكشف هذا التصرف عن هدنة نقابية غير مكتوبة للاتحاد المغربي للشغل مع مدراء المؤسسات العمومية التي تمنح «مارشي» الحراسة لشركة ابنة الزعيم النقابي التاريخي. نطرح هذا السؤال لأن «الطرح» النقابي أصبح أكثر من بارد في «الشومينو» وقطاع الموانئ، بعد أن كانت نقابة بن الصديق تزعزع هذين القطاعين وتهدد بشل حركة السير وتنقل البضائع والأشخاص فيما سبق من الأزمان.
إن واحدة من الأزمات الكبيرة في المغرب بالإضافة إلى أزمة العمل السياسي، هي أزمة العمل النقابي ومصداقية بعض «الزعماء» الخالدين الذين يقودون هذه النقابات، والذين حولوها إلى أصول تجارية يفاوضون بها أرباب الشركات الكبرى ويهددونهم بالإضراب إذا ما رفضوا تلبية مصالحهم الشخصية ومصالح أبنائهم والمقربين منهم.
لدي سؤال آخر، هذه المرة لوزارة الداخلية. ما سر سكوت هذه الوزارة عن تجهيز رجال حراسة شركة لبنى بن الصديق بالعصي البلاستيكية كتلك التي لدى أفراد القوات المساعدة. مع العلم أن رجال الحراسة ليسوا مخولين قانونيا بحمل أو استعمال أي سلاح، سواء كان ناريا أو أبيض أو بلاستيكيا، من أجل ضمان الأمن وتوفير الحراسة. فكل ما هو مسموح لهم به قانونيا هو توفير الحراسة بدون استعمال القوة، وفي حالة الحاجة إلى استعمال القوة يكون مستخدم الحراسة مجبرا على الاحتفاظ ببرودة أعصابه وباستعمال وسائل الاتصال التي توفرها له شركته لاستدعاء رجال الأمن أو القوات المساعدة، الذين وحدهم لديهم الحق في استعمال القوة لحفظ الأمن.
ولعل أحد الأسباب الرئيسية في وقوع مصادمات بين المواطنين وبعض رجال الحراسة هو أن الشركات التي تشتغل في مجال الحراسة بشكل عام، لا توضح لمستخدميها حدود مسؤولياتهم. ولذلك يعتقد بعضهم أنه يمتلك سلطة استعمال هراوته أو عضلاته لحفظ الأمن، والحال أن مهمته الأساسية هي الحراسة.
وبغض النظر عن النقاش النقابي الذي تطرحه حادثة دهس ليلى بن الصديق لتسعة من مستخدميها بسيارتها في الشارع العام، تطرح هذه النازلة كذلك ظاهرة إفلات أبناء المسؤولين السياسيين والنقابيين من العقاب. وهذا نقاش أخلاقي وقانوني مطروح على العدالة التي لا تسري على جميع المغاربة بنفس القدر.
وهو النقاش الذي ننتظر من عبد الواحد الراضي وزير العدل الاشتراكي أن يفتحه، خصوصا وأنه يتحدث هذه الأيام كثيرا عن إصلاح ورش القضاء، وتنشر جريدته الناطقة بلسان حزبه روبورتاجا مصورا في الصفحة الأولى لضحايا «جاغوار» بنت الزعيم النقابي، مؤسس الاتحاد الوطني جد الاتحاد الاشتراكي يا حسرة...

0 التعليقات:

إرسال تعليق