السبت، 23 يناير 2010

مغرب الكوارث

مغرب الكوارث

اليوم الجمعة هو اليوم العالمي للبيئة. من الطبيعي أن يمر هذا اليوم في المغرب بشكل عادي جدا، فالجميع في المغرب، حكومة وشعبا، يتجاهلون خطورة الوضع البيئي في المغرب حاليا، ويتعامون عن رؤية الكارثة البيئية المحققة التي يسير نحوها المغرب بخطى ثابتة. عزاؤنا الوحيد في هذا اليوم هو أننا سنشاهد شريطا على القناة الثانية الفرنسية عنوانه «أوم»، يعرض صورا للأرض من الجو، ويشرح خطورة التدمير الذي لحق الكرة الأرضية بسبب الإنسان، والكوارث التي تنتظره في السنوات القليلة المقبلة جراء ما قام به من تدمير.
ولذلك أيضا فمن الطبيعي أن تخلو كل برامج الأحزاب السياسية الكبرى المرشحة للفوز بالانتخابات من أية فكرة أو برنامج أو مخطط لحماية المجال البيئي من عبث الرأسماليين الباحثين عن الثروة، ومن جشع المقاولين، ومن تساهل الدولة مع هؤلاء المجرمين الجشعين الذين يلوثون الهواء والماء.
وتقريبا، كل الوزارات لديها مشروع تطلق عليه «رؤية 2010»، ورؤية 2015 إلى غيرها من الرؤى والأحلام التي تصور لنا المغرب كجنة غناء. لكن الرؤية الحقيقية التي يجب أن تقدمها الحكومة ممثلة في وزارة البيئة والماء هي «رؤية 2020» التي ترسم صورة قاتمة للكوارث الطبيعية والبيئية التي تنتظر المغرب بعد عشر سنوات من الآن.
لذلك اسمحوا لي أن أعكر عليكم صباحكم بهذه العمود المتشائم اليوم. أجلوا ابتسامتكم الساخرة واسمعوني قليلا.
قبل ثلاث سنوات تقريبا، شارك المغرب في قمة «كوب» حيث قدمت مجموعة من الدول تقارير حول الكوارث الطبيعية التي تهددها وطرق مقاومتها. والمغرب كان حاضرا طبعا، بحكم أنه معرض كغيره من الدول إلى الكوارث الطبيعية (ولو أن الكوارث البشرية التي عندنا في الحكومة والبرلمان فيها الكفاية وزيادة)، وقدمت وزارة الماء والبيئة وإعداد التراب الوطني على عهد محمد اليازغي تقريرا مرعبا ليس فيه «ما تهز باللقاط» حول مغرب 2020.
والذين سيطيل الله لهم في العمر إلى أن يشهدوا هذه السنة سيرون كيف ستتحول الرباط والقنيطرة وسلا وكل هضبة بورقراق إلى كثبان رملية. فبسبب تدهور حالة غابة المعمورة، التي تحولت من منطقة «بلاد الدندون» إلى مشارف الرباط إلى زبالة محاطة بالأشجار، ستزحف الرمال من الشاطئ نحو المدن.
وفي نظري الشخصي، إذا كانت ستكون هناك من حسنة لهذا الزحف الرملي فهي أنه لأول مرة سيغلق باب البرلمان.
سيعرف المغرب بعد خمس عشرة سنة، «وما بعيدة غير تادلة» كما يقول المغاربة، ارتفاع درجة الحرارة بدرجة واحدة. وستتراجع التساقطات المطرية بأربعة في المائة، وسيرتفع معدل التصحر في الجنوب والجنوب الشرقي، كما ستعرف التساقطات الفصلية خللا كبيرا.
الماء بدوره سيقل بنسبة خمسة عشرة في المائة. والمتهم الرئيسي في هذا الشح المائي هو ملاعب الغولف والفنادق الفاخرة التي يبنيها المستثمرون في القطاع السياحي. وهذا ما أكدته دراسة أوربية صدرت حديثا تقول إن استهلاك فنادق المغرب المصنفة من فئة خمس نجوم تضاهي استهلاك فنادق ألمانيا، بحيث إن كل فندق يستهلك في ليلة واحدة ما تستهلكه عائلة واحدة أربع مرات، كما أن استهلاك مجموع ملاعب الغولف في المغرب من الماء يصل إلى 60 ألف متر مكعب يوميا.
أما الحبوب فستعرف نقصا في الإنتاج يصل إلى خمسين في المائة. وفي هذه لا خوف علينا من الجوع، لأن الشعب الذي عرف المجاعة وعاش على جذور «إيرني» يستطيع أن يتحمل غياب الخبز من مطبخه. «الكية كية اللي موالفين بالبارزيان المستورد ديال «شي بول» والكرواصة ديال «لابريوش دوري» !
في سنة 2020 سيكون لدينا سبعون في المائة من «المزاليط» يعيشون في العالم القروي، وسيكون لدينا ما لا يقل عن 400 منطقة مهددة بالفيضانات ولا قدرة لها على مجابهتها. وما وقع في منطقة الغرب هذه السنة ليس سوى «الشانطيو» مما ينتظرنا في السنوات المقبلة من غرق.
لدينا في المغرب كما تعلمنا من خلال درس السدود والأنهار في أقسام الابتدائي، ثمانون سدا، (أكبرها على الإطلاق سد «سد فمك» كما يعرف الجميع)، تخزن ما يقرب من عشرة مليارات من الأمتار المكعبة من المياه. المشكلة ليست هنا، المشكلة هي أن خمسين مليون متر مكعب تضيع هباء منثورا بسبب تآكل أرضيات الصهاريج التي تجمع بها هذه المياه. ربما بسبب بنائها بالمسوس، أو بسبب تحميلها أكثر من طاقتها الاستيعابية. أما بالنسبة إلى الغطاء النباتي، فإنه يتراجع بنسبة ثلاثين ألف هكتار سنويا.
أما الشواطئ فبسبب رمي مياه الواد الحار والنفايات الطبية والقاذورات فيها فقد نجحنا في تحويل 28 شاطئا إلى شواطئ غير صالحة للسباحة. ومع ذلك، لو سألت عباس الفاسي عن جودة مياه هذه الشواطئ لقال لك بدون تردد إن مياهها صالحة للشرب.
«آش ظهر ليكم ندوزو للزنزال»؟
رصدت الشبكة الوطنية لمراقبة الزلازل ما لا يقل عن 20.589 زلزالا ما بين 1993 و2003. فيها الذي من ثلاث درجات على سلم «ريشتر» إلى الذي من خمس درجات. هذا، طبعا، دون احتساب الزلازل الارتدادية التي تحدث في رواتب المواطنين كل شهر بسبب الزيادات والاقتطاعات المتتالية في كل شيء، فمثل هذه الزلازل لا تسجل على سلم «ريشتر» وإنما فقط على السلم الإداري!
المثير في التقرير الذي قدمه المغرب في قمة «كوب» ليس هو أننا بعد حوالي عشر سنوات سنواجه كل هذه المصائب، ولكن المثير هو أننا لا نملك استراتيجية واضحة من أجل التدخل للحد من نتائج هذه الكوارث.
وزلزال الحسيمة والفيضانات التي ضربت المغرب في الأشهر الماضية تبين لنا بالملموس أن مسؤولينا يهمهم احترام الرسميات والبروتوكول أكثر مما يهمهم احترام الأرواح البشرية، فجمعوا المساعدات وعينوا عليها من يحرسها من المحتاجين إليها إلى أن تحضر الكاميرات ويتسلمها المنكوبون بعد فوات الأوان.
لهذه الأسباب مجتمعة، فإن الرؤية التي يجب الانكباب على دراستها والتخطيط لها هي رؤية 2020 السوداء. وبدون ذلك، فإن كل الرؤى الأخرى، بما فيها الرؤى السياحية والاستثمارية، ستفشل، لأنها ليست مرتبطة فقط بالمناخ الاقتصادي والسياسي وإنما أيضا بالمناخ البيئي. ويكفي الرجوع إلى تصنيف المغرب الأخير في لائحة الدول من حيث الجاذبية السياحية لكي نعرف النقطة المخجلة التي حصلنا عليها في خانة احترام المجال البيئي. فالدولة عجزت حتى عن القضاء على «الميكة الكحلة» ومنع تصنيعها كما صنعت الجزائر.
وشخصيا، لا أعرف لماذا لم يشمل التقرير المستقبلي الذي تقدم به المغرب في قمة كوب حول الكوارث بعض الوزراء في حكومتنا الموقرة. ففيهم من يفيض فوق كرسيه ويغرق في ثيابه عندما يكون في مجلس حكومي، وفيهم من تتزلزل أقدامه أكثر من مرة في موقعه الوزاري وتحدث تشققات كبيرة في موقعه الحزبي، لكن دون الوصول إلى خمس درجات الموجبة للسقوط الحكومي، ومنهم صاحب التصريحات المصابة بالتصحر والذي يزحف برماله المتحركة فوق كل المناطق الخضراء شاهرا حصانته الوزارية في وجه منكوبي هذه البلاد.

0 التعليقات:

إرسال تعليق