الجمعة، 15 يناير 2010

تامغربيت

شـــوف تـــشـــوف


تامغربيت
رشيد نيني
الذي يرى حجم الوفد البحريني الذي سافر إلى طهران لحضور المؤتمر الذي نظمته إيران حول القضية الفلسطينية، أياما فقط على اندلاع التلاسن بين البحرين وإيران بسبب تصريحات السي «متكي» التي قال فيها أن البحرين ليست سوى مقاطعة إيرانية، ويقارن بينها وبين قرار المغرب قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران نهائيا، يتذكر المثل الشعبي المغربي الذي يقول «مالين الميت صبرو والعزاية كفرو». فالبحرين التي كانت معنية بتصريحات «متكي» (كون غير بقا متكي وخلانا عليه طرانكيل)، أقفلت هذا الملف بعد التوصل إلى صيغة تفاهم وأطفأت فتيل الأزمة في بدايته. أما المغرب، الذي لم تكن له لا ناقة ولا جمل في الخلاف الذي نشب بين البحرين وطهران، فقد فضل أن يطبق مع بلاد الفستق والكافيار فلسفته الدبلوماسية العريقة التي تقول «اللي درقك بخيط درقو بحيط». وحسب الرواية الرسمية، فالمغرب لم يهضم جيدا الطريقة المتعجرفة التي تم بها استدعاء القائم بالأعمال في السفارة المغربية بطهران بعد توجيه المغرب لرسالة تضامنية إلى البحرين. ويبدو أن الإيرانيين بدورهم لم يهضموا العبارات القاسية التي وردت في الرسالة التضامنية. فالمسألة كلها في الأصل مسألة سوء هضم وليست سوء فهم. وبما أن المغرب يطبق في سياسته الخارجية قصيدة «فتح عمورية» الشاعر عمرو بن كلثوم، خصوصا الشطر الذي يقول فيه «ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا»، فقد قرر سحب السفير وقطع العلاقات نهائيا، يعني بالعربية تاعرابت«سالينا، سدات مدام». لكن التبرير الذي قدمه الناطق الرسمي باسم الحكومة لهذا القرار المفاجئ والنهائي، هو أن الإيرانيين كانوا بصدد اختراق المغرب شيعيا، وأن هذا الاختراق يهدد الأمن الروحي للمملكة. وهو اتهام على قدر كبير من الخطورة، لأنه يتهم إيران بزعزعة المذهب السني الذي اختار المغاربة منذ قرون طويلة السير عليه. شخصيا أعتبر الاتهام المغربي لإيران باختراق المغرب شيعيا مناسبة لفتح موضوع خطير وشائك يتعلق بالاختراق، أو الاختراقات الأجنبية التي يتعرض لها المغرب في السنوات الأخيرة. لن نتحدث عن الاختراق الجاسوسي، خصوصا بعد طرد جاسوس إسباني مؤخرا من الناظور واعتقال جاسوس فرنسي نجح في اختراق شبكة للمخدرات وتم إلقاء القبض عليه في جمارك طنجة وانتهى في عكاشة، ولكن ما يهمنا في موضوع الاختراق هو الاختراق الديني والثقافي الذي يتعرض له المجتمع المغربي يوميا. إذا كانت الدولة منشغلة جدا بموضوع الاختراق الديني للمملكة، فماذا صنعت لمقاومة هذا المد التنصيري العاتي الذي تقوم به الكنسية المسيحية في ربوع المملكة، ويخصص له الفاتيكان ميزانية تضاهي ميزانية المغرب السنوية. هل تعلم الدولة أن الأقبية السفلية لبعض العمارات أصبحت عبارة عن كنائس يتم فيها تعميد الشباب المغربي الباحث عن الخلاص من «الميزيرية» والبطالة عبر التعلق بحلم مغادرة المغرب عن طريق تغيير عقيدته. ألم تكن الدولة مسؤولة عن الاختراق الوهابي السعودي للمغرب على عهد وزير الأوقاف المدغري، الذي سهل لهذا المذهب المتشدد دخول المغرب عبر أشرطته وكتبه ودعاته الدينيين المتعصبين. أم أن الدعم بحقائب الدولارات التي كان يذهب بعض وزراء الحسن الثاني لجلبها من الرياض كان مشروطا بالسماح للفكر الوهابي بدخول مساجد ومكتبات المملكة. مشكلة الدولة أنها «شافت الربيع ما شافت الحافة»، فقد استحلت حقائب الدولارات الخضراء إلى أن استفاقت على دوي التفجيرات، وعلى ما رأيناه في السنوات الأخيرة، عندما أصبح تغيير المنكر بالسيف وظيفة مقدسة يحترفها أنصاف الأميين من باعة «خودنجال» في ساعات الفراغ. وما دمنا نتحدث عن الاختراق الأجنبي للأمن الروحي للمغاربة، هل سيتم استدعاء السفير الإسباني بالرباط ومطالبته بتوضيحات بخصوص دعمه الدبلوماسي في المغرب لمنسق جمعية «كيف كيف» للشواذ. مع أن سعادة السفير يعلم أكثر من غيره أن واجب التحفظ الدبلوماسي يجبره على عدم حشر أنف بلاده في دعم جمعية ليس لها وجود قانوني في المغرب. والأكثر من ذلك، جمعية تهدف إلى المساس بالتوازن الجنسي للمغاربة. فمن قال لسعادة السفير الإسباني في الرباط أن المغاربة يريدون تشجيع أبنائهم على التعاطي مع الشذوذ الجنسي كحق من حقوقهم الفردية. هل أجرى استفتاء شعبيا لكي يعرف مدى تقبل المغاربة لأفكار وأهداف هذه الجمعية ؟ ثم هل مساندته لجمعية الشواذ المغاربة نابعة من موقف «عاطفي» شخصي أم هو موقف سياسي لقصر«المونكلوا» تجاه المغرب ؟ على المغرب، الذي يخاف على الأمن الروحي لمواطنيه من المد الشيعي، أن يبدي نفس القدر من الخوف على أبنائه من المد التنصيري والتغريبي والتشريقي. وكذلك من المد الكاسح الذي يستعد اللوبي العالمي للشواذ لإطلاقه قريبا، والذي بدأت أولى بوادره تظهر للعيان في المغرب، بعد الخروج الإعلامي المدهش «للعايل» ذي الاثنين والعشرين ربيعا، والذي تفوق على كل سياسيي البلد بظهوره خلال أسبوع واحد على الصفحات الأولى لأغلب الجرائد والمجلات. لقد كان منح «شين بين» جائزة الأوسكار عن دوره في فيلم «ميلك» الذي يحكي قصة نضال زعيم شاذ في لوس أنجلوس خلال السبعينيات لتحقيق الاعتراف بمملكة الشواذ، إيذانا بإطلاق النفير لكل لوبيات الشواذ في العالم، خصوصا الإسلامي، للخروج إلى العلن والمطالبة بالحقوق نفسها التي «يتمتع» بها الشواذ في أوربا وأمريكا. فماذا صنعت الدولة لإيقاف السفير الإسباني عند حده، وماذا صنعت لحماية النسيج الاجتماعي والأسري من الغزو شبه اليومي الذي تقوم به لوبيات «الشواذ» للتطبيع مع الشذوذ الجنسي على المستوى الإعلامي. إن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم على الدولة ليس هو لماذا قطعت العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وإنما لماذا تسكت عن كل هؤلاء الدبلوماسيين الأجانب واللوبيات الإعلامية التابعة لممولين أجانب، عندما «يسخرون» أموالهم وأقلامهم للترويج لقيم وأفكار تهدد الأمن الروحي للمغاربة، وتهدد التوازن الأسري للعائلات المغربية. هل من الطبيعي في دولة مسلمة سنية كالمغرب أن نسمع مجلة «تيل كيل»، التي يملك غالبية أسهمها شخص أجنبي، عبر زوجته المغربية اليهودية، تنادي بإعادة قراءة القرآن من جديد. والمصيبة أننا لم نسمع عالما واحدا يناقش هؤلاء الصبية في ما نشرو. هل هي صدفة أن تكون هذه المجلة هي رافعة لواء معركة تحرير الحشيش المغربي من قيود الفصول القانونية التي تمنعه. هل هي صدفة أن ترفع من شأن كل ما هو مضر كتدخين الحشيش والتبغ وتعاطي الكحول، وتخصص أغلفة بالألوان لهؤلاء، كياسمين «نجمة» البورنو، والطايع «نجم» الشذوذ، وزنيبر «ملك الروج» وزيد وزيد... والغريب في الأمر أن «مول الشي» الذي يتحكم في زمام «تيل كيل» من ألفها إلى يائها من باريس، لا ينشر في مجلته المتميزة «بسيكولوجي» سوى المقالات العلمية الرصينة التي تنصح بتجنب المخدرات والتبغ والكحول للحصول على صحة نفسية وجسمية أفضل. علينا أن نعرف أي مغرب نريد لأبنائنا يا سادة. على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في حماية الأمن الروحي والأخلاقي للمغاربة. وإذا كان البعض سيعتبر هذه الدعوة عودة إلى الأخلاق فلتكن كذلك، فالأخلاق ليست تهمة لكي نخجل من المجاهرة بها. خصوصا عندما نرى كيف يجاهر بعضهم بالشذوذ وتعاطي المخدرات و«البلاوي» السوداء دون أن يرف لهم جفن. هناك اليوم توجه تغريبي في المملكة يريد أن يجعل الحديث عن الأخلاق حديثا متجاوزا وقديما وباعثا على الشفقة. هؤلاء عليهم أن يعيدوا الاستماع إلى خطاب «أوباما» خلال حملته الانتخابية، فقد قال بأنه يريد أن يجعل من الأخلاق العصب الرئيسي لبرنامجه السياسي. ثم أليس غياب الأخلاق في النظام الاقتصادي الرأسمالي هو الذي يوشك اليوم أن يؤدي بالعالم إلى الكارثة. علينا كمغاربة أن نفهم أن هويتنا الحقيقية لا توجد لا في طهران ولا في الرياض ولا في باريس ولا في مدريد، ولا في غيرها من العواصم. بل توجد هنا في الداخل، في المغرب العميق. كثيرون يسألونني لماذا لا أتعصب للأمازيغية رغم أنني أمازيغي أبا عن جد. وكل مرة أسمع فيها هذا «العتاب» أقول لأصحابه إنني أدافع عن الهوية الكبرى المشتركة بيننا جميعا سواء كنا عربا أو أمازيغ أو صحراويين، مسلمين أو يهودا، هذه الهوية اسمها «تامغربيت». وهي هوية أوسع من «العروبي والفاسي والشلح والريفي والصحراوي». ببساطة لأنك إذا كنت مغربيا حقيقيا فإن دماء كل هؤلاء تجتمع في عروقك. أما الذين يشعرون بأن هذه الدماء لا تليق بهم، لأنهم يعيشون في المغرب فقط بأجسامهم، أما عقولهم وقلوبهم فتعيش في عواصم بعيدة وألسنتهم ترطن بلغات أخرى، فهؤلاء سيعيشون طيلة حياتهم بيننا كالغراب التي أراد أن يقلد مشية الحمامة، ففشل، وعندما أراد العودة إلى مشيته الأصلية اكتشف أنه ضيعها هي الأخرى...

0 التعليقات:

إرسال تعليق