الجمعة، 15 يناير 2010

هبش تجبد حنش

شـــوف تـــشـــوف

هبش تجبد حنش
رشيد نيني
أخيرا تجرأ مسؤول عن قطاع حكومي وقدم استقالته انسجاما مع قناعاته، حتى لا يخالف القانون. والمسؤول المقصود هو مدير مستشفى حكومي بتطوان، رفض استقبال بارون مخدرات معتقل أصر الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بتطوان على إدخاله إلى المستشفى للعلاج بدعوى أن السجين «معفى من المسؤولية الجنائية». أولا هذا البارون سبق له أن أدخل للعلاج في المستشفى عندما كان سجينا بتهمة قتل مواطن ببندقية صيد، واستطاع الفرار من المستشفى الذي أدخل إليه بعد حصوله على شهادة «معفى من المسؤولية الجنائية». ولمدة تسع سنوات ظل هذا البارون فارا في الخارج، إلى أن تلقى وعودا بطي ملفه، فسلم نفسه لأمن طنجة، وتم الحكم عليه في جريمة القتل بالتقادم. وهاهو سيناريو «الإعفاء من المسؤولية الجنائية» يتكرر من جديد، ويرسل الوكيل العام للملك بتطوان «سجينه» إلى المستشفى لكي يتعالج مرة أخرى. لكن هذه المرة سيتفاجئ برفض مدير المستشفى المشاركة في هذه الحكاية وسيقدم استقالته. إلى هنا انتهت مهمة المدير بشرف، فقد قام بما كان يجب عليه القيام به. الآن على وزارة العدل أن تقوم بما يجب عليها القيام به وأن تفتح تحقيقا في الموضوع، لكي يفهم الجميع سبب إصرار الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف على «تمتيع» هذا البارون الميلياردير بصفة السجين «المعفى من المسؤولية الجنائية»، واستضافته في المستشفى مع أنه سبق له أن نزل ضيفا على المستشفى وفر منه قبل تسع سنوات. وبالمناسبة سنكون ممتنين لوزارة العدل لو أنها أخبرتنا بنتائج التحقيق الذي قامت به بعد ظهور أحد وكلاء الملك بابتدائية تطوان على أحد أشرطة «يوتوب» في جلسة عادية مع أصدقائه، أراد من ورائها مسربوها تشويه سمعة هذا الأخير عبر الصحافة. وما علاقة تلك الحملة بما يروج في ردهات محاكم تطوان من كون العلاقة بين وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية والوكيل العام للملك باستئنافية تطوان ليست على ما يرام. خصوصا وأن بعض المعتقلين في ملفات المخدرات الذين يأمر وكيل الابتدائية باعتقالهم يذهبون إلى الاستئناف حيث يتم إطلاق سراحهم. الجميع، ما عدا وزارة العدل ربما، يعرف في تطوان أن السلموني وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية والذي ظهر في شريط «يوتوب» يمزح بشكل عادي مع أصدقاء دراسته القدامى، يتصف بالتشدد في الأحكام التي يصدرها ضد أباطرة المخدرات. وهذه الأحكام ربما لا تروق الأباطرة الذين يستطيعون شراء كل الأجهزة بأموالهم القذرة. ولذلك جاءت هذه الحملة التي راهن مطلقوها على انجذاب الصحافة نحو رائحتها الكريهة. لكن لحسن الحظ فالزملاء الصحافيون فطنوا إلى أن هذا الشريط لم يكن سوى طعم لجذب «الشوهة» لأحد وكلاء الملك الأكثر نظافة في المدينة. ورغم اختلافنا مع وكيل الملك السلموني، بسبب حكمه على الزميل علي المرابط، في قضية «الحجرة المقدسة»، إلا أن ذلك لا يمنعنا من الاعتراف بنظافة يد هذا الوكيل الذي يسكن فوق المحكمة ويركن سيارته في مستودع السيارات بمخفر الأمن مخافة أن يضع له فيها بعضهم ما يورطه في فضيحة من الفضائح. فبعد محاولة تشويه السمعة عبر شريط «يوتوب»، صار واضحا أن من حركوا خيوط تلك المؤامرة يستطيعون القيام بمحاولات أخرى، خصوصا وأن قضايا المخدرات بالشمال «يتفاصل» فيها الأباطرة وبعض رجال القضاء والأمن بمئات الملايين. وأمام كل هذه الملايين فالروح يصبح ثمنها «بطاطا برطل». والواقع أن أمورا غريبة تجري في محكمة الاستئناف في تطوان هذه الأيام تستحق إيفاد لجنة من وزارة العدل للتحقيق فيها. وبالإضافة إلى حكاية البارون المعفى من المسؤولية الجنائية، والذي أدت استضافته في المستشفى «بلا خبار» المدير إلى استقالة هذا الأخير، هناك قضية ذلك «الشاوش» الذي عينته رئاسة محكمة الاستئناف كاتبا للضبط «بلا خبار» وزارة العدل قبل أمس. فقد ابتكرت رئاسة المحكمة طريقة جديدة لمواجهة إضراب كتاب الضبط بالمحكمة استجابة لنداء النقابات، ولجأت إلى إلباس «الشاوش» زي كاتب الضبط وفوضت له صلاحية كتابة محاضر الجلسات. وهذه أول مرة في تاريخ القضاء المغربي «يلعب» فيها «شاوش» دور كاتب للضبط دون أن يكون هذا الأخير محتاجا لاجتياز مباراة الولوج أو التخرج من كلية الحقوق. ما قامت به رئاسة المحكمة بتطوان ليس فيه إهانة فقط لمهنة كتاب الضبط، وإنما فيه أيضا إهانة للقضاء برمته. مما يستدعي من وزارة العدل فتح تحقيق في ما يقع في ردهات هذه المحكمة من تجاوزات وإخلال بهيبة القضاء. فيبدو أن الأمور إذا استمرت في استئنافية تطوان على هذا النحو فربما سيأتي اليوم الذي يصادف فيه المتقاضون أحد «كراسن» المقاهي المجاورة للمحكمة «يحكم» في قضاياهم. إن وزارة العدل مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى لكي تفتح ملف الشواهد الطبية التي يستفيد منها بعض بارونات المخدرات المعتقلين وأبناء «الألبة» المتابعين أمام القضاء. فقد أصبحت هذه الشواهد الطبية المستخلصة من مستشفيات الدولة والتي تثبت الجنون والخرف والحمق، تجارة تدر على أصحابها مئات الملايين. وفي المغرب تصلح الشواهد الطبية التي تثبت المرض لكل شيء. فالشواهد التي تثبت المرض العقلي تصلح لإسقاط المتابعة القضائية في حق أبناء الولاة والوزراء وكبار النقابيين وأبنائهم. أما الشواهد التي تثبت المرض الجسدي فهي تصلح للإفلات من الخدمة العسكرية. وقد اهتدى بعض الطيارين العاملين ضمن القوات الجوية الملكية إلى طريقة تمكنهم من الاستفادة من مغادرة صفوف الجيش للخدمة برواتب أعلى مع شركات الطيران المدني، وذلك بتقديم شهادات طبية تثبت معاناتهم من مرض غير قابل للشفاء يمنعهم من الاستمرار في قيادة الطائرات العسكرية. يكفي فقط أن يعثر الراغب في الحصول على شهادة العجز هذه على «سمسار» في مستشفى محمد الخامس بالرباط لكي يدله على طبيب متخصص في المستشفى العسكري يستطيع أن «يكتشف» له مرضا متخيلا ويمنحه شهادة طبية يتراوح سعرها ما بين ثلاثين ألفا وخمسين ألف درهم للشهادة الواحدة. ميزة هذه الشواهد الطبية الباهظة هي أنها لا تصلح فقط للحصول على تأشيرة مغادرة الخدمة العسكرية، بل تصلح أيضا لضمان تقاعد شهري مدى الحياة لحاملها تصرفه له إدارة القوات الملكية المسلحة. والسبب في لجوء بعض الطيارين لهذه الحيلة، هو أنهم يطبقون الحكمة المغربية التي تقول «الحيلة حسن من العار». فقد جرب آخرون قبلهم وضع طلبات لمغادرة صفوف الجيش بعد انتهاء مدة العقد التي تجمعهم بالجيش، لكن الإدارة ترفض كل تلك الطلبات، في الوقت الذي ترخص فيه لأبناء الكولونيلات والجنرالات بالمغادرة للاشتغال مع شركات الطيران المدني، حتى قبل أن يكمل بعضهم مدة العقد الذي وقعوه مع الجيش. وهكذا وجد الكثير من العمداء في الجيش أنفسهم وراء أسوار سجن «الزاكي» بسلا. ففي كل مرة يضع فيها أحدهم طلبا من أجل مغادرة الخدمة يتم اعتقاله بتهمة السرقة أو مخالفة الأوامر العسكرية ويتم الحكم عليه بسنة أو سنتين سجنا، حتى يكون عبرة للآخرين. وأمام انسداد الوضع وسيادة منطق «باك صاحبي»، لم يبق أمام الراغبين في مغادرة الجيش بعد انتهاء مدة عقودهم سوى اللجوء إلى خدمات بعض الأطباء المتخصصين في اختراع الأمراض والعاهات المستديمة بأثمان تضاهي أثمان العمليات الجراحية المعقدة. حتى أصبح يفضل بعضهم التوقيع في دقيقة واحدة على شهادة «ISA» ، أي «غير صالح للخدمة العسكرية» بستة ملايين سنتيم، على إجراء عملية جراحية قد تأخذ منه ساعات طويلة لا يتقاضى عنها شيئا لأنها تدخل في صميم عمله الذي يأخذ عنه راتبا شهريا. لكي نصدق فعلا مشروع إصلاح القضاء الذي يتحدث عنه عبد الواحد الراضي، يجب أن «تهبش» وزارة العدل في هذه الملفات الشائكة أولا. «تخاف غير تهبش تجبد حنش».

0 التعليقات:

إرسال تعليق