السبت، 23 يناير 2010

الحاجة اللي ما تشبه مولاها

الحاجة اللي ما تشبه مولاها

إلى أي حد يمكن أن يذهب بعض الوزراء المرشحين للانتخابات الجماعية من أجل أن يرمموا بكارتهم السياسية أمام الناخبين. هذا هو السؤال الذي يطرحه كثيرون وهم يرون كيف أن وزير النقل والتجهيز كريم غلاب ينزع سترته وربطة عنقه ويفتح الأزرار العلوية لقميصه الحريري الأبيض لكي ينزل في حفرة «الطراح» بأحد أفران سباتة ويلتقط له صورة وهو يطهو الخبز في الفرن الشعبي.
غلاب مستعد لتقمص كل المهن وكل الأدوار من أجل الفوز بكرسيه في الجماعة. فهو يستطيع أن يشطح فوق «الكارو» ويلعب «الكاراطي» وكرة القدم، كما يستطيع أن يتحول إلى «طراح» في دقيقتين، ما يكفي لالتقاط صور تذكارية في الحفرة، تلك التي تشبه في عمقها بعض الحفر في طرق مقاطعة سباتة التي يسيرها منذ سنوات.
المثير في حملة وزير النقل والتجهيز ليس هو كونه تخلى عن ربطة عنقه وسترته، وإنما هو كونه نسي وضع الخوذة الواقية فوق رأسه خلال زيارته لحي السالمية 2، حيث استقبله بعض شباب المنطقة بوابل من الحجارة. وهو للإشارة الوزير الاستقلالي الثاني الذي يتم استقباله بالحجارة بعد الوزير hحجيرة.
لذلك وبالنظر إلى الوسائل «الحربية» البدائية المستعملة في الحملة الانتخابية مثل «الجباد كاري» والمقالع والعصي والسيوف، فقد كان على اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير أن تضع رهن إشارة المرشحين آلاف الخوذات الواقية حرصا على سلامة رؤوسهم من «التفرشيخ».
وإذا كان غلاب قد استقبله شباب السالمية بالحجارة، فإن زميلته في الحكومة والحزب، ياسمينة بادو كانت أوفر حظا منه، واستقبلتها نساء جماعة أنفا بالحليب والتمر. وفي مقر حزب الاستقلال اجتمعت ياسمينة بالعشرات من النساء وشبعت «تزغريت» معهن. لكن الصورة التي بقيت عالقة بالذاكرة بعد الزيارات الميدانية التي قامت بها وزيرة الصحة لعقر بيوت المواطنين، هي تلك الصور التي التقطت لها وهي تنحني لكي تستمع إلى أنين شيخ يعاني من آلام المرض.
ولو دخلت وزيرة الصحة كل بيوت الجماعة التي تترشح فيها لعثرت على مئات المرضى والفقراء الذين يتكومون في زوايا بيوتهم أو بيوت أبنائهم لأنهم لم يستطيعوا الحصول على سرير في المستشفى الذي تشرف عليه وزيرة الصحة.
أما وزير الشغل، الاتحادي جمال أغماني، فقد أعادته حمى الانتخابات إلى «الحومة»، وتذكر الدرب والأصدقاء القدماء بعدما استحلى مقاعد المجالس الحكومية الوثيرة. ونزل في سلا إلى الأسواق ليختلط بـ«الدجايجية» لكي يعطي الانطباع بأنه لازال قادرا على التهام «زلافات البيصارة» كما كان يصنع في السابق دون أن يصاب بمغص في المعدة.
وإذا كان وزير الشغل الاتحادي يخوض حملته الانتخابية في الأسواق الشعبية، فإن وزير المالية السابق، الاتحادي فتح الله والعلو، اختار أن يخوض حملته أمام أبواب الأسواق الممتازة بالأحياء الراقية في العاصمة. فوزير المالية السابق لا يحب «التكشتير»، ويريد لحملته أن تقتصر على النخبة التي تتسوق في مرجان حي الرياض.
واللافت للانتباه أن والعلو منع من دخول المقاهي للقيام بالحملة. ورغم أن الاشتراكيين يطلق عليهم لقب الفيلة عادة، فإنه يبدو أن فيلتنا المغربية لديها ذاكرة قصيرة. فوالعلو نسي أنه عندما كان وزيرا للمالية حاول فرض ضريبة القيمة المضافة على «بوربوارات» المقاهي. وإذا كان هو قد نسي فإن أصحاب المقاهي لم ينسوا. «ديرها غير زينة، تحصل تحصل».
وإذا كانت حملات الوزراء الانتخابية تشهد حراسة مشددة من طرف الأمن، بعد الحجارة التي أمطرت غلاب في السالمية، فإن أغلب حملات المرشحين الآخرين تعطي نموذجا مقرفا عن الانتخابات وتعكس المستوى المتدني للعمل الحزبي في المغرب.
ولا بد أن كل الذين تابعوا الانتخابات الأخيرة في لبنان وقارنوها بتلك التي تجري عندنا في المغرب خرجوا بخلاصة واحدة، وهي لماذا لا يكون لدينا نحن أيضا في المغرب شباب وشابات أنيقون وجميلون ووديعون ينظمون حملات هادئة وذكية وشاعرية لمرشحيهم كما حدث في لبنان، بشعارات مثل «كوني جميلة وصوتي». مع العلم بأن ما يوجد في لبنان من سلاح في قبضة الفصائل المتنافسة على صناديق الاقتراع لا يوجد في كل المنطقة العربية بأكملها.
والحمد لله أن أحزابنا في المغرب ليست لها أجنحة مسلحة كما في لبنان، وإلا لما «شاط» أحد من «كحل الراس» بعد 12 يونيو. وربما لهذا السبب انتزعت السلطات في سلا الأسلحة النارية من الأعيان. فمع كل هذه الفوضى التي تعرفها الانتخابات لا أحد يضمن عدم خروج هؤلاء «مورا العاصر» في حالة فشلهم في الفوز شاهرين في وجه خصومهم بنادق صيدهم.
أحد الأصدقاء قال لي متسائلا لماذا لا تكون لدينا نحن أيضا شابات وشباب أنيقون وباسمون يشرحون القلب يقومون بالحملة الانتخابية مثل ما نراه في القنوات اللبنانية، مع شعارات تنعش الروح مثل «كوني جميلة وصوتي». عوض كل هؤلاء «الشماكرية» ونساء «الموقف» والأطفال الذين كان يجب أن يكونوا في أقسام الدرس، والذين تستغل بعض الأحزاب فقرهم وبؤسهم لتشغيلهم في حملاتها الانتخابية بخمسين درهما في اليوم. حتى أصبح شعار بعض المرشحين هو «كوني بائسة وصوتي».
قلت له إن الأمية في لبنان غير موجودة مثلما هو الحال في المغرب، والسياسيون هناك رغم حربائيتهم وتبعية بعضهم للغرب، لم يصلوا بعد إلى المستوى المنحط الذي وصلت إليه أغلب أحزابنا في المغرب.
لذلك نرى اليوم كيف أن هذه الحملة الانتخابية هي الأسوأ في تاريخ المغرب المعاصر. ومجرد متابعتها يمكن أن يتسبب لك في مقاطعة الحياة السياسية بأسرها وليس فقط مقاطعة الانتخابات. وعوض الحوار والمواجهة بالبرامج، نرى كيف يلجأ أنصار الأحزاب المتصارعة على كراسي الجماعات إلى «المقالع» و«الجبابد» والعصي والهراوات والسكاكين والقنابل المسيلة للدموع لفتح ونفخ رؤوس منافسيهم عوض محاورتهم.
بعض شباب الأحياء الشعبية فطنوا إلى أن الفترة الانتخابية يمكن أن تدر عليهم بعض الدراهم فأصبحوا يمنعون المرشحين من ولوج أحيائهم إلا بعد دفع إتاوة. وهذه المهنة كانت موجودة في المغرب قبل الحماية واسمها «الزطاط». ومنها جاء اسم مدينة سطات. لأنها كانت منطقة مشهورة بالزطاطة الذين يؤمنون طريق المرور للتجار والمسافرين من هجمات قطاع الطرق. وهي المهمة نفسها التي قام بها أشهر «زطاطي» في تاريخ المغرب المعاصر، إدريس البصري، عندما «زطط» عبد الرحمان اليوسفي هو وقافلته الاتحادية من المعارضة إلى الحكومة على عهد الحسن الثاني.
وقد كان يكفي أن يلجأ حزب واحد إلى تشغيل «الشماكرية» في حملته الانتخابية لكي يقلده الآخرون. هكذا أصبحت الحملة الانتخابية في كثير من المدن عبارة عن معارك صغيرة تشبه معارك ملوك الطوائف. لكل واحد ميليشياته المسلحة بوسائل الدفاع التقليدية. وفي المساء عندما تضع الحرب أوزارها يذهب هؤلاء «الشماكرية» عند باعة «البيسريات» لكي يتسلموا حصتهم اليومية من «البيرة» لكي يشربوا في صحة المرشح الذي سيدفع الثمن.
في كل البلدان الديمقراطية، وفي كل الأحزاب التي تحترم نفسها، الذين يقودون الحملة الانتخابية للمرشحين هم مناضلو الحزب وشبيبته. أما عندنا فبسبب انصراف المناضلين عن الأحزاب السياسية، وجدت هذه الأخيرة نفسها مجبرة على اللجوء إلى خدمات «الموقف». وأصبحوا يكترون شبابا عاطلا عن العمل وعن الحياة، ونساء مستعدات للبكاء في المآتم كما «تسخان الطرح» في الأعراس، لكي يقتحمن الحمامات والبيوت في الأحياء الشعبية لتوزيع أوراق الدعاية الانتخابية.
والنتيجة هي أن من يرى حملات بعض المرشحين المسعورة في الشوارع يقول «يخ من الانتخابات وما يجي منها».
والمغاربة يقولون «الحاجة اللي ما تشبه مولاها حرام»، فهذه الحملات المجنونة والفاقدة لكل معنى، ليست سوى انعكاس لهذه الأحزاب السياسية التي فقدت بوصلتها وأصبحت مثل القط الذي يدور حول نفسه محاولا قضم الكرة الورقية التي علقوها له في ذيله قبل أكثر من ثلاثين سنة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق