الاثنين، 25 يناير 2010

الحبة والبارود من دار القايد

الحبة والبارود من دار القايد

عندما كان الحاجب الملكي إبراهيم فرج يسلم، في جبل عالم، الهبة الملكية للشرفاء العلميين قبل عشرة أيام، نقلت كاميرا التلفزيون صورتي ضيفين لم يتعود شرفاء الزاوية المشيشية العلمية على رؤيتهما من قبل.
وإذا كان الجميع في مولاي إدريس زرهون يعرف أن هدية الشرفاء الركيبيين والشرفاء العروسيين، الذين حلوا ضيوفا هذه السنة على موسم مولاي عبد السلام بنمشيش، للزاوية كانت عبارة عن جملين أصيلين، فإنه لا أحد في زرهون ولا في فاس يعرف نوع الهدية التي قدمها «الشرفا» لهذين الضيفين القادمين من وراء المحيط الأطلسي.
فمن هما يا ترى هذان الضيفان اللذان تركا ناطحات السحاب بنيويورك ورغد العيش بسان فرانسيسكو وأتيا لكي يتربعا فوق الحصير الخشن بضريح مولاي عبد السلام بنمشيش.
ولماذا أتيا في هذه الظروف التي يطالب فيها الرئيس الأمريكي المغرب بلعب دور الوساطة في فك العزلة عن إسرائيل، ملحا على الطلب ذاته الذي تقدم به «كريستوفر»، وزير الشؤون الخارجية على عهد «كلينتون»، والذي قال للحسن الثاني رحمه الله، حسب ما كشف عنه «مارتن إيدينك»، سفير إسرائيل السابق في كتاب صدر أخيرا بأمريكا، إنه «سعيد بوجوده بالمملكة المغربية والإعلان، انطلاقا من عاصمتها الرباط، عن بداية مسلسل التطبيع مع إسرائيل». فما كان من الحسن الثاني سوى أن أجابه بالفرنسية قائلا: «من غير اللائق أن يعلن مسؤول أمريكي من الرباط عن قرارات بوسع المغاربة أن يعلنوا عنها بأنفسهم».
وكأنه يقول له: «إلى بديتي نتا اللي كاتعلن من الرباط على القرارات شنو كاندير أنا فالرباط».
ففهم «كريستوفر» أنه «طبز» لها العين، وقال له مرافقه «مارتن إيدينك» الذي حكى هذه الواقعة في كتابه وهو يرافقه نحو سيارة الليموزين ما معناه: «شنو بغيتي ندير ليك، هادو هوما الملوك».
حدث هذا قبل سبع عشرة سنة من الآن. ذهب كلينتون وبعده بوش وهاهو أوباما يلوح بالطلب ذاته، لكن هذه المرة مع التلويح بقضية الصحراء في اليد الأخرى.
هل لهذا السبب فضل أوباما إرسال سفير سبعيني إلى المغرب من أصل يهودي، لكي يترأس سفارة يوجد بها أكثر من موظف أمريكي من نفس الأصل.
المهم أن «الشرفا» اندهشوا من وجود الضيفين الأمريكيين إلى جانبهم في زاوية مولاي عبد السلام بنمشيش العلمي. وطبعا، ليس مستساغا أن نعاتب «الشرفا» على قبول ضيافة هذين الغريبين، فالركيبيون والعروسيون والعلميون يمكن أن تحاسبهم في أمور الدين والزهد والتعبد، أما محاسبتهم على جهلهم بمزايا الحاج «غوغل» فأمر غير مستساغ.
وربما اعتقد «الشرفا» أن الضيفين ليسا سوى غربيين مفتونين بالتصوف على الطريقة المغربية، وجاءا يقاسمان «الشرفا» أورادهم وأناشيدهم، كما يصنع العشرات من الأوربيين والأمريكيين الذين يحجون إلى «مداغ» للتبرك ببركة الشيخ حمزة. لكن مفاجأتهم ستكون كبيرة عندما سيعرفون أن الضيف الأول ليس سوى رئيس رهبان نيويورك، فيما الثاني هو قس سان فرانسيسكو.
وليس هذا هو المهم في سيرة الرجلين، بل المهم هو كون راهب نيويورك ليس سوى تلميذ راهب نيويورك الأكبر «ميناحيم مانديل دو لوبافيتش»، صاحب المدرسة المتشددة المعروفة بمواقفها العدائية والمتطرفة الداعمة لأسطورة أرض الميعاد ودولة إسرائيل الكبرى.
ومن بين أقواله المشهورة أن «حالة الفوضى الحالية هي التي تعطي الأمل لكل يهود العالم، وبفضل هذه الفوضى سيتم تسريع نزول المسيح والذي لا يمكن أن ينزل إلا إذا كانت أرض إسرائيل معمرة من طرف اليهود وحدهم دون غيرهم».
ومن بين أتباع هذه المدرسة المتطرفة نعثر على رجل اسمه «جون بولتون»، العضو السابق في حكومة جورج بوش، والعضو الناشط والمؤثر في القطب المساند للصهيونية داخل المؤسسة الأمريكية.
وبما أننا تحدثنا عن طلب «كريستوفر» من الحسن الثاني سنة 1993 الإعلان من الرباط عن بدء مسلسل التطبيع مع إسرائيل، مما يعني أن هذا الموضوع ظل دائما حاضرا في العلاقات بين واشنطن والرباط، فلا بأس أن نذكر بأن الشخص الذي كان بمثابة صلة الوصل بين البلدين في ما يخص العلاقة بكبير الرهبان «ميناحيم مانديل» هو المستشار إدريس السلاوي عندما كان هذا الأخير ممثلا دائما للمغرب في الأمم المتحدة.
ولعل أغرب ما طلبه كبير الرهبان من مستشار الحسن الثاني سنة 1988 هو السماح له ببناء ما يسميه اليهود «بيت الحباب» في المغرب، وهو عبارة عن معابد يهودية تروج لتفوق إسرائيل وقوتها حتى «تنفجر ينابيع التوراة في كل أرجاء الأرض، من الغرب إلى الشرق، ومن الشمال إلى الجنوب.
أما في ما يتعلق بقس سان فرانسيسكو، فالرجل ينحدر من مدرسة كبير القساوسة «جورج هوك نيوديرو»، الأكثر شهرة في الواجهة الغربية للولايات المتحدة الأمريكية. كما أنه أحد أكبر المتطرفين المدافعين عن الصهيونية وعن فكرة إسرائيل كمركز للعالم، وعن تسريع عودة المسيح عبر إشاعة الفوضى في العالم.
ومن بين أساتذة قس سان فرانسيسكو، ضيف الشرفاء المشيشيين العلميين، نجد أيضا ويليام جوزيف لفادا، القس السابق لسان فرانسيسكو والذي يشغل الآن منصب «والي تشخيص عقيدة الإيمان»، أو ما يعادل عند الإيرانيين «رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام».
وطبعا، لا يجب أن ننسى أن قس سان فرانسيسكو الذي حضر موسم مولاي عبد السلام بنمشيش العلمي «تحت غطاء «ترسيخ مبادئ العولمة النبيلة»، يحظى بدعم وتمويل حركة «communion et libération» المشهورة بميولها الصهيونية.
هذه، إذن، نبذة مختصرة عن ضيفي موسم سيدي بنمشيش لهذه السنة. والسؤال الكبير الذي سيظل مطروحا هو من كان وراء استدعاء هذين الضيفين غير العاديين.
كما أن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، بعد كل هذا الإلحاح الأمريكي على المغرب لإخراج إسرائيل من عزلتها، هو من هي الجهة التي وقفت وراء تسريب مجلة «إسرائيل مغازين» خلسة وجعلتها تتربع في أكشاك المملكة إلى جانب المجلات الأخرى المسموح بدخولها إلى المغرب، لأن تبرير وزير الاتصال الذي قال فيه إن الوزارة لم تسمح لهذه المجلة الصهيونية بدخول المغرب لم ينجح في إقناع أحد.
والجميع يعرف أن كل المنشورات والمطبوعات التي توزعها شركات التوزيع تخضع لرقابة صارمة، فكيف يريد وزير الاتصال أن يقنعنا بأن المجلة الصهيونية دخلت المغرب عبر المطار وتوصلت بها شركة التوزيع ووزعتها في كامل تراب المملكة دون أن يفطن أحد لا في الوزارة ولا في غيرها لأي شيء.
إن مسلسل التطبيع مع إسرائيل الذي تحدث عنه «كريستوفر» أيام حكم كلينتون، والذي يتحدث عنه «أوباما» اليوم، قد بدأ فعلا على مستوى سري وخفي منذ سنوات. وهناك «لوبيات» تضغط على الدولة ومصادر القرار لكي تربح مساحات إضافية عبر استدعاء شخصيات إسرائيلية وتسريب مثل هذه المجلات لقياس درجة رد فعل الشارع المغربي الغائب عن الوعي.
في افتتاحية رئيس تحرير مجلة «إسرائيل مغازين» نقرأ استنتاجا عجيبا يقول فيه «محور الشر يتكون أيضا من الدول العربية والإسلامية». وبما أن المغرب واحد من هذه الدول فإنه، حسب رئيس التحرير، يدخل ضمن محور الشر. ومحور الشر هذا «متسامح» إلى درجة أنه يغفل عن دخول المجلة التي تشتمه إلى أراضيه. هذا ما يسميه المغاربة «الحبة والبارود من دار القايد».

0 التعليقات:

إرسال تعليق