الأربعاء، 20 يناير 2010

الحساب صابون

الحساب صابون
رشيد نيني

عرف المغرب في تاريخه المعاصر مسيرتين نسائيتين كبيرتين. الأولى في الرباط مساندة لمشروع «الخطة» التي أتى بها الوزير التقدمي الاشتراكي سعيد السعدي آنذاك، والثانية في الدار البيضاء أكبر منها بكثير معارضة للخطة دعت إليها الحركات الإسلامية. وها نحن اليوم نكتشف من خلال التلفزيون أن هناك مسيرة نسائية ثالثة تثير احتجاجات الحركات النسائية اسمها «مسيرة الصابون».
فقد خرجت الناشطة النسائية فوزية العسولي، رئيسة الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، لكي تحتج على الممثلة فاطمة خير بسبب مشاركتها في إشهار حول أحد أنواع مسحوق الغسيل، تقوم فيه بدور صحافية تغطي مسيرة احتجاجية لنساء «صبانات» خرجن إلى الشارع يطالبن بمسحوقهن المفضل.
بالنسبة لفوزية العسولي، ففاطمة خير شهرت بالمرأة بسبب هذا الإشهار، خصوصا وأنها تقدم على شاشة القناة الأولى برنامجا اجتماعيا حول المرأة اسمه «أسر وحلول».
عندما سأل أحد الصحافيين الممثلة فاطمة خير عن اتهام فوزية العسولي لها بتحقير المرأة في الإشهار الذي مثلت فيه، أجابت الصحافي :
- وشكون هيا هاد فوزية العسولي ؟
فأجابها الصحافي :
- هي رئيسة الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة...
فقالت له :
- ياك هيا رئيسة الرابطة الديمقراطية وحنا فبلد ديمقراطي، إوا كلها يدير كي بغا...
ما أثارني شخصيا في هذا «الصابون» النسائي هو أن الرابطة الديمقراطية لنساء المغرب وبقية الجمعيات النسائية لم تتحرك طيلة كل هذه السنوات التي مررت فيها القنوات العمومية إشهارات لنساء يتغزلن في صابون «الكف» أو «الطاوس» أو «المنجل»، ويعددن مزاياه على بشرة اليد ونصاعة بياض «تقاشر» أزواجهن التي تكاد رائحتها «المعطعطة» تخرج من الشاشة.
لا واحدة منهن احتجت على عشرات الوصلات التي ظهرت فيها المرأة «مكفية» فوق «جفنة» وهي تصبن فوق الفراكة ملابس أطفالها الذين يظهرون في الإشهارات وهم يفتشون عن «الضايات» لكي يغطسوا ثيابهم في «غيسها».
لكن عندما ظهرت النساء في إشهار يجسد مسيرة احتجاجية، خرجت فوزية العسولي من صمتها واتهمت فاطمة خير بالحط من صورة المرأة. وكأن كاتب سيناريو ذلك الإشهار أراد أن يقول لنساء المغرب إن مشكلتهن الحقيقية ليست مع «خطة» أو «مدونة» بل مع «الصابون». ولهذا السبب «صبنت» العسولي فاطمة خير في الحوارات التي أعطت للصحافة، حيث اعترفت بأن الإشهار المتهم ظل يمر في القنوات العمومية منذ ثلاثة أشهر، ولم تنتبه إليه إلا هذه الأيام، مع أن مجلات أسبوعية نشرته على أعداد متتالية، ومنها مجلات تدافع عن تحرير المرأة من أسر «الفراكة» و«الجفنة». طبيعي ألا تنتبه إليه، مادامت أغلب رئيسات الجمعيات النسائية في سفر دائم خارج المغرب.
لنتفق أولا أن صورة المرأة في الإعلام المغربي، خصوصا المرئي، هي صورة مشوهة وغير منصفة. ولعل إحدى وظائف الجمعيات النسائية هي النضال من أجل تصحيح هذه الصورة. لكن وظيفة الجمعيات النسائية ليست فقط النضال ضد مشهد إشهاري لمسيرة احتجاجية تخوضها النساء من أجل مسحوق غسيل، بل أيضا النضال إلى جانب النساء عندما يخضن مسيرة احتجاجية حقيقية على أرض الواقع دفاعا عن حقهم في الصحة والسكن والتعليم.
وكنت سأكون فخورا بجمعية العسولي لو أنها نزلت إلى الشارع لكي تساند نساء آيت عبدي اللواتي قطعن عشرات الكيلومترات مشيا على الأقدام في مسيرة طويلة وسط الثلوج للوصول إلى عمالة أزيلال وخنيفرة للاحتجاج على موت أكثر من عشر نساء في منطقتهن أثناء الوضع.
هذه هي المسيرة النسائية التي كان على فوزية العسولي أن تحتج عليها، لأنها مسيرة نسائية جسدت التحقير والتبخيس والازدراء الحقيقي للمرأة المغربية من طرف الدولة والمسؤولين.
لماذا لم تحتج رئيسة الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة على القناة الثانية عندما بثت برنامج «الوجه الآخر» الذي ضرب بعرض الحائط حق المرأة في الصورة، وصور لحظات ولادة واحتضار بدون أن يكلف نفسه عناء احترام خصوصية النساء البسيطات بتغطية وجوههن أو ملامحهن على الأقل.
لماذا لم توجه رسالة إلى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري تطالب فيها حكماء المجلس بإعادة الاعتبار لهؤلاء النساء اللواتي صورتهن كاميرا القناة الثانية في كامل بؤسهن وضعفهن واحتضارهن، وعرضت صورهن دون أن تكلف نفسها عناء إخفاء ملامحهن؟
أين كانت الرابطة الديمقراطية عندما استغلت المخرجة نرجس النجار نساء قرية آيت عبدي وصورت فيلمها «العيون الجافة» واستعملتهن ككومبارس بعد أن أقنعتهن بأنها تصور حولهن تحقيقا لإحدى القنوات، فيما هي تصورهن في أدوار عاهرات؟ أليس هذا هو الاستغلال الحقيقي للمرأة ولصورتها؟
لأشهر طويلة والنساء السلاليات يخضن مسيرات احتجاجية في نواحي القنيطرة يطالبن من خلالها بحقهن في الإرث كما هو الحال بالنسبة للرجال. وفي الوقت الذي تطالب فيه الجمعيات النسائية بمساواة النساء بالرجال في الإرث، تطالب هؤلاء النساء السلاليات فقط بنصف حقهن في الإرث، والذي لا تعترف لهم به وزارة الداخلية، الراعي الرسمي لأغلب هذه الجمعيات النسائية.
والمدهش في الموقف، الذي عبرت عنه رئيسة الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، هو أنها «صبنت» الممثلة فاطمة خير بسبب أدائها دور صحافية تغطي مسيرة نسائية في إشهار في الوقت الذي سكتت فيه عن عدم تغطية القنوات العمومية للمسيرات الحقيقية التي تخوضها النساء المغربيات في مختلف ربوع المملكة احتجاجا على التهميش و«الحكرة».
وإذا كان هناك من احتجاج يجب أن تقوم به هذه الجمعية وكل الجمعيات النسائية الأخرى، التي ينحصر «نشاط» أغلبها داخل صالونات فنادق الخمس نجوم في الدار البيضاء والرباط، فهو هذا الصمت الإعلامي العمومي عن تغطية مسيرات النساء المطالبات بحقوقهن الأساسية، كالصحة والحق في تعليم أبنائهن والحق في الطرق ووسائل النقل. أما أن تجعل بعض الناشطات النسائيات من إشهار «مسيرة الصابون» معركة حقوقية دفاعا عن كرامة المرأة وصورتها المخدوشة في المجتمع، فأمر يدعو حقيقة إلى الرثاء بالنظر إلى المستوى الذي وصلت إليه قضية المرأة في المغرب.
إن ما يخدش صورة المرأة المغربية حقيقة ليس آنية الغسيل أو مسحوق التصبين في الإشهار، وإنما وقوف بناتنا المذل أمام سفارات الدول العربية والأجنبية لطلب التأشيرة من أجل بيع لحومهن في المواخير والمراقص والكباريهات. ماذا صنعت الجمعيات النسائية لوقف هذه «الشوهة» التي بسببها أصبحت نساؤنا يخجلن من إشهار جنسيتهن المغربية في الدول التي يسافرن إليها.
ما يخدش صورة المرأة المغربية هو توجيه الدعوة إلى عاهرة مغربية من طرف قناة لبنانية لكي تحكي مغامراتها أمام أنظار ملايين المشاهدين عبر العالم، كما وقع قبل شهرين. هل قررت مثلا جمعية العسولي متابعة القناة اللبنانية قضائيا بسبب هذا التشهير الإعلامي بالمرأة المغربية ؟ هل وجهت رسالة احتجاج على الأقل إلى مدير المحطة تطلب فيها حق الرد باسم النساء المغربيات اللواتي تمثلهن واللواتي خدشت كرامتهن ؟
لقد ألفت بعض الجمعيات النسائية أن تلقي الدروس والمواعظ على أسماع الدولة والحكومة والمجتمع، دون أن يكون هناك من «يحاسب» هذه الجمعيات على برامجها وجدوى نشاطاتها. والأهم من ذلك من يحاسبها ماليا على المنح والإعانات والميزانيات التي تحصل عليها من الأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوربي ووكالة التعاون الأمريكية، فضلا عن الحكومة المغربية.
وربما حان الوقت لكي يفتح مدير الضرائب هذا الملف الذي لا يريد أحد أن يتحدث عنه. إما بسبب الخوف من «صابون» رئيسات هذه الجمعيات، أو حرصا على تجنب تهمة «معاداة النساء» التي تلصق بظهر كل من حاول الاقتراب من الحديقة الخلفية لبعض هذه الجمعيات التي تحولت إلى شركات غير محدودة لجمع الأموال.

0 التعليقات:

إرسال تعليق