الجمعة، 15 يناير 2010

سادات بلادي

شـــوف تـــشـــوف

سادات بلادي
رشيد نيني
في الوقت الذي تحرج فيه الأزمة الاقتصادية العالمية حكومات الدول الأوربية وتتسبب لخمسين بالمائة في مشاكل في النوم حسب آخر دراسة علمية أمريكية، تستطيع حكومتنا أن تنام على جنب الراحة بفضل الأزمة. فوزير السياحة أعلن أن مخطط عشرة آلاف سائح في أفق 2010 فشل، بسبب الأزمة التي تهدد حجوزات السياح. ووزير الاتصال أعلن أن مشروع تحرير المشهد التلفزيوني تأجل، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تهدد سوق الإشهار. وهناك حديث عن تبخر رؤية 30 ألف منصب شغل التي سيحققها مشروع ترحيل الخدمات أو «الأوفشورين» في أفق 2010، وأيضا 100 ألف منصب شغل التي كان من المفروض أن تحققها هذه الرؤية في أفق 2015. والسبب هو تراجع بعض الشركات الأجنبية عن ترحيل خدماتها إلى المغرب، وتأخر إنهاء المناطق التي ستؤوي هذه الشركات. وهكذا فكل الرؤى التي «حلم» بها المغرب في أفق 2010 و2015 أصبحت غير قابلة للتحقيق. والسبب، حسب هؤلاء الحالمين هو الأزمة الاقتصادية العالمية التي أنكروا وجودها في المغرب قبل أن يكتشفوا أن الأزمة يمكن أن تكون قشة خلاصهم، بحيث يعلقون عليها فشلهم وأخطاءهم. وإذا كانت الأزمة الاقتصادية تدفع بكثير من أرباب الشركات في قطاع النسيج والسياحة إلى تعليق «السوارت»، فإن بعض وزراء عباس، خصوصا الاستقلاليين بينهم، يجدون الوضعية الاقتصادية الحالية ملائمة لافتتاح محلات تجارية لماركات عالمية في قلب الدار البيضاء. وآخرهم كان هو نزار بركة، الوزير المنتدب المكلف بالشؤون الاقتصادية والعامة، الذي افتتح قبل أيام محلا متخصصا في بيع الأكسيسوارات ومواد التجميل، يقال والله أعلم أن لزوجته راضية الفاسي، ابنة عباس، نصيبا في أسهمه. وقد استغرب البعض حضور «نسيب» الوزير الأول لافتتاح محل تجاري في هذه الأزمنة الاقتصادية الصعبة التي تتطلب وجوده إلى جانب صهره في مقر الحكومة. لكن عندما نعرف أن الوزير الأول «براسو» كان منشغلا في الأيام الأخيرة باجتماع في مقر وزارته خصص لدراسة مخطط لتأهيل الزربية المغربية، نفهم أن انشغالات عباس ووزرائه المقربين تتقاطع بين الزربية ومواد التجميل والأكسيسوارات. ولعل نزار بركة، بافتتاحه لهذا المتجر من سلسلة متاجر «المحمية الطبيعية» العالمية، يستعيد ماضيه السابق لدخوله القفص الذهبي مع كريمة عباس الفاسي، وبعدها دخوله القفص الحكومي. خصوصا عندما كان يكتري محلا لبيع الورد في مدخل فندق «هيلتون» بالرباط. أما كريم غلاب، وزير التجهيز والنقل الاستقلالي، فقد كان حضوره «لامعا» هذا الأسبوع في مقاطعته. ليس من أجل تدشين مطعم للأكل الإيطالي لزوجته هو الآخر، وإنما لتفقد آثار الدمار الذي أحدثه انفجار «بوطا» طلع لها الغاز وانفجرت، (كما كتب بزيز ساخرا)، في دائرته الانتخابية. فقد «طار» غلاب من مكانه بمجرد علمه بالانفجار، ووصل إلى المكان قبل رجال «البومبية». والغريب في الأمر أن غلاب لم يبد نفس الحماس لزيارة الطرقات والقناطر وشبكات التجهيز التي تتحمل فيها وزارة التجهيز مسؤولية مباشرة عندما جرفتها الأمطار والسيول في مختلف ربوع المملكة، ومات بسببها حوالي ثلاثين مواطنا وتشرد الآلاف. كما لم يبد سعادة وزير النقل الحماس نفسه عندما اصطدم قطار تابع لشركة السكك الحديدية التابعة بدورها لوزارته بشاحنة ومات سائق القطار قبل أسبوعين. ويبدو أن هذه الحوادث والكوارث القاتلة التي تتحمل فيها تجهيزات غلاب المسؤولية المباشرة، لا تستدعي من هذا الأخير أن «يخطف» رجله في زيارة «خاطفة» لها. فغلاب يكتشف «خفة الرجل» فقط عندما تحدث كارثة في دائرته الانتخابية، حيث يمكنه أن يلتقط صورة إلى جانب الأنقاض. وإذا كان من حسنة لهذه الأزمة الاقتصادية العالمية فهي أنها جعلت بعض المسؤولين الحكوميين يكتشفون وجود شيء اسمه المستهلك المغربي. وهكذا رأينا كيف خرج وزير المالية والمندوب السامي للتخطيط يحثان المغاربة على استهلاك المنتوج المحلي، رغم أن زميله في الحكومة نزار بركة، يقترح على المغاربة منتجات تجميل وأكسيسوارات مستوردة على رفوف محله الجديد بالدار البيضاء. وسمعنا وزير السياحة يخرج مشروع «كنوز بلادي» من جديد لفتح شهية السائح المحلي بعد أن «خوا بيه» السائح الأجنبي. والواقع أن وزير السياحة أمامه فرصة ذهبية لتشجيع السياحة الداخلية، لو أنه يغير اسم مشروعه من «كنوز بلادي» إلى «سادات بلادي». فالمغاربة مولعون بزيارة «السادات» والأولياء الصالحين، ولعل أغلب برامجهم السياحية تدور حول ضريح «مولاي براهيم عطاي العزارا» و«مولاي بوشعيب الرداد» و»مولاي بوعزة حمر التراب» وغيرهم من «السادات» الذين انتقلوا إلى رحمة الله الواسعة قبل مئات السنين ومع ذلك لازالوا ينعشون السياحة الداخلية أكثر من أي مخطط وزاري. ومن خلال مطالعة سريعة للأثمان التي تقترحها الفنادق المصنفة على السياح المغاربة ضمن رؤية «كنوز بلادي»، يلاحظ المرء مبالغة واضحة في الأسعار. خصوصا إذا ما تمت مقارنتها بأسعار الفنادق في إسبانيا والبرتغال مثلا. تشجيع مغاربة الطبقة الوسطى على السفر وحجز الفنادق يتطلب مجهودا إضافيا من طرف أصحاب المؤسسات السياحية، خصوصا على مستوى الأسعار وجودة الخدمات. هكذا سيتعود المغاربة على الحجز في الفنادق عندما ينزلون في مدينة ما عوض الحجز في بيوت الأهل والأحباب. فقد مضى ذلك الزمن الذي كانت فيه الأسر المغربية تنزل مثل «الباطل» على عائلة لا تجمعها بها سوى «رائحة الشحمة فالشاقور»، وتمضي عطلة طويلة الأمد «بيليكي» على حساب ميزانية الآخرين. فقد كانت الزيارات العائلية في تلك الأزمنة السحيقة تتم «على غفلة»، فالهاتف كان اختراعا عجيبا لا يتوفر عليه سوى «مول الحانوت». أما اليوم فالهاتف الجوال أفسد كل شيء، وقبل أن تأتي لزيارة قريب عليك أن تشعره بمكالمة هاتفية، حتى لا تجد نفسك مجبرا على المبيت في الشارع. لذلك فمن حق مغاربة الطبقة الوسطى أن يتشرفوا بدخول تلك الفنادق التي يشاهدون غرفها وصالوناتها ومسابحها ومطاعمها في الإشهارات التلفزيونية وصفحات الجرائد. فالمغاربة تعبوا من سياحة «السادات»، ويريدون تجريب سياحة «الصونا» وقاعات «الإيروبيك» ومطاعم الثلاث والأربع نجوم. فقد قضى المغاربة البسطاء سنوات طويلة لا يعرفون مسبحا آخر غير «شاريج» مولاي يعقوب الذي يعطونه ظهورهم المطبعة بالبثور وهم يصرخون ضارعين «أمولاي عقوب داويني من الحبوب»، تاركين للمياه الكبريتية الحارقة أن تجلد ظهورهم. ثم بعد ذلك يتسلقون عقبة «لالة شافية» لاهثين قبل أن يعودوا إلى غرفهم في تلك البيوت التي تكتري «السدادر»، وحيث يمكنك أن تنام بدون مشاكل إلى جانب «سداري» يشخر فوقه شخص غريب لا تجمعك به أية رابطة، ما عدا رابطة الأخوة في أمراض الجلد. ورغم تغير الأمكنة والأزمنة، فإن «سادات بلادي» لازالوا قادرين على جلب الآلاف من السياح المغاربة الباحثين عن البركة والأولاد والشغل والمال والأزواج وكل ما له علاقة بالحياة اليومية للمغاربة. ولذلك فأمام وزارة السياحة فرصة حقيقية لعقد شراكة مع وزارة الأوقاف ووضع مخطط «سادات بلادي» عوض «كنوز بلادي». ويمكن أن يتضمن هذا البرنامج رحلات منظمة لمولاي عقوب ومولاي بوعزة ومولاي براهيم وباقي الأولياء الصالحين الآخرين المنتشرين في مختلف ربوع المملكة. والمستفيد الأكبر سيكون هو «بيرو» وزير الصناعة التقليدية الذي سيرى كيف أن صناعة الشموع ستزدهر وستعود على خزينة الدولة بمئات الملايين من الدراهم. هذا طبعا دون أن نتحدث عن تجارة «الحرمل» و«الشبة» و«الجاوي» و«صلبان» وباقي المعادن الثمينة التي يتفوق المغرب في إنتاجها على بقية دول العالم، نظرا إلى الطلب المتزايد عليها في أضرحة الأولياء. «ديرو السباب والكمال عالله».

0 التعليقات:

إرسال تعليق