الجمعة، 15 يناير 2010

وزراء البروباغاندا

شـــوف تـــشـــوف

وزراء البروباغاندا
رشيد نيني
أخيرا فهمت حكومة عباس أنها تعاني مشكلا كبيرا في التواصل. ولحل هذا المشكل فقد فكرت الوزارة الأولى في خلق لجنة للتنسيق في التواصل الحكومي. وقد أسندت رئاسة هذه اللجنة التي تؤطرها وزارة الاتصال إلى سعادة الوزير الأول عباس الفاسي. «تواصلنا بكري»، سيقول كثيرون عندما يسمعون أن عباس الفاسي، الذي يحمل كرها شديدا للصحافة والصحافيين الذين لا يقاسمونه نفس الحماس والتفاؤل الحكومي المفرط، هو من يترأس هذه اللجنة التواصلية. فالرجل يعتبر الصحف الناجحة التي يختارها المغاربة ويقبلون على قراءتها بكثافة مجرد صحف تصلح «للقصارة». فيما جريدة «العلم» لسان حزبه الطويل، والتي لم يعد يلتفت إليها أحد، هي النموذج في نظره، لأنها لا «تقصر». ربما لتقدمها في السن، فهي قد رأت النور سنة 1946. أي أنها «أشرف» من «لوموند» الفرنسية. «أشرف» من «الشروفية» طبعا. ورغم تقدمها في السن فإن هذه الجريدة ينطبق عليها المثل المغربي القائل «قديم وغشيم». وحسب الناطق الرسمي باسم الحكومة، خالد الناصري، فهذه اللجنة التي ستقوم بالتلصيق، عفوا، التنسيق الحكومي، ستكون مهمتها هي إخبار الرأي العام الوطني والدولي بأوراش الإصلاح التي تشتغل عليها الحكومة. بمعنى أن مهمة هذه اللجنة ستكون هي الدعاية، أو «البروباغاندا» كما تسمى في الفكر الشيوعي الذي ينحدر منه حزب الناطق الرسمي باسم الحكومة. ولعل المفارقة الكبيرة التي غابت عن أذهان مهندسي هذا المشروع الإعلامي التواصلي، هي أن الصحافة الوطنية والدولية عموما لا تهتم بالقطارات التي تصل في وقتها، وإنما بالقطارات المتأخرة. بمعنى أن الصحافة التي عبرها تريد الحكومة أن تتواصل بشأن أوراشها، لا يهمها كثيرا أن تعرف منجزات الحكومة، بل يهمها أكثر أن تعرف أسباب إخفاقاتها. ولعل فكرة تأسيس هذه اللجنة تكشف عن الفهم المسطح للوزير الأول للعمل الصحافي. فهو يريد من الصحافيين أن يكونوا بوقا لإنجازاته الباهرة وأوراشه المفتوحة، لا أداة لكشف الاختلالات في تدبير وزاراته والمؤسسات العمومية التابعة له في صرفها لأموال دافعي الضرائب. والواقع أن ما هو مطلوب من الحكومة اليوم هو أن تتواصل مع الرأي العام بشأن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تقرع أبواب المغرب، لا أن يستمروا في إيهام المغاربة بأن بلدهم «من دون بلادات الناس» لن يتعرض لمضاعفات الأزمة الاقتصادية العالمية. لقد مات غرقا 22 مواطنا وتشرد عشرات الآلاف من المغاربة بعد أن جرفت السيول منازلهم، فهل رأينا الوزير الأول يأتي إلى التلفزيون لكي يقول لنا ماذا فعلت حكومته لإنقاذ هذا الشعب الغارق في الماء والوحل. هل قدم التعازي مسؤول واحد في هذه الحكومة لكل هذه العائلات المنكوبة التي فقدت كل ما تملك من متاع ومواشي ومحاصيل. هل يعقل أن يلتزم وزير أول في حكومة منتخبة بطريقة ديمقراطية كما يقولون، الصمت أمام كارثة إنسانية كالتي يعيشها سكان الغرب. ألا يخجل الوزير الأول وناطقه الرسمي من الحديث عن ضرورة التواصل مع الرأي العام الوطني والدولي حول أوراش المملكة المفتوحة، في الوقت الذي يعيش فيه الآلاف من سكان المغرب تحت متر ونصف من المياه، ويعيش آلاف آخرون محاصرين وسط جبال من الثلوج، جائعين ومرضى ولا يستطيعون حتى دفن موتاهم. صراحة أجد من المضحك أن تخصص الوزارة الأولى ووزارة الاتصال كل هذا الجهد وأن تخلق مناصب عمل جديدة مدفوعة الأجر من أموال دافعي الضرائب لمجرد القيام بالدعاية للأوراش المفتوحة. والحال أن ما تحتاج إليه هذه الأوراش من الحكومة هو إرسال لجنة لتقصي الحقائق لمعرفة أسباب تعثر أغلبها وعرقلتها للسير العادي لحياة المغاربة. فأغلب الأوراش التي تم فتحها لازالت تراوح مكانها. وبسبب فتح كل هذه الأوراش دفعة واحدة أصبحت مدينة كالدار البيضاء أو الرباط شبيهة بمدن الحروب الأهلية، للتحرك بين شوارعها تلزمك دبابة وليس سيارة. ومن حسن حظ «بيضاوة» أن مشروع «المترو» تم التخلي عنه، فمجلس المدينة وولايتها أثبتوا أنهم غير قادرين حتى على «نص ميترو» فالأحرى أن يقدروا على «ميترو كامل». ولكي يفهم المرء سر تعثر الأوراش الكبرى المفتوحة في المملكة، فيكفيه زيارة سريعة للأوراش التي تشرف على إنجازها وزارة التجهيز نفسها. فالطريق الساحلية التي تم توسيعها قبل سنتين والتي تربط بين طنجة وميناء المتوسط، مفخرة المغرب يا حسرة، تآكلت بسبب الأمطار الأخيرة. والطريق السيار الذي تديره شركة تابعة لوزارة التجهيز يوجد على رأسها الفاسي الفهري، «عام» عليها الماء. والسكك الحديدية التي تديرها شركة تابعة لوزارة التجهيز غرقت سكتها وأوقفت رحلاتها من سيدي قاسم إلى طنجة منذ خمسة أيام، وألغت مساء الأحد الأخير خمسة قطارات بعد تعطل أغلبها وانقطاع الخط الكهربائي عن أخرى. وفوق هذا كله يجد ربيع الخليع الوجه لكي ينشر صفحات إشهارية في الجرائد هذه الأيام يهنئ فيها نفسه بحصول المكتب الوطني للسكك الحديدية على «سطاش» جائزة، منها جائزة على السلامة (يا مولانا) وأخرى على الجودة (وشي جودة مكاينة) وست شواهد تشجيعية (ماعرفنا تشجيعية علاش، على الروطار). ولعل أكبر مثال على تعثر أوراش وزارة التجهيز، هو ورش محطة القطار بالرباط المدينة. فقد تطلب الشروع في الورش انتظار سنة كاملة. وعندما انطلق الورش قبل سنة لازال ستة عمال يقضون ساعات يومهم في تقشير الحيطان وتحطيم السواري وقطع أسلاك الفولاذ ببطء سلحفاتي غير مفهوم. وخلال كل هذا الوقت يضطر آلاف المسافرين يوميا عبر محطة العاصمة إلى استعمال ذلك الدرج المعدني المتعب الذي يستحيل على ذوي الإعاقات استعماله. وحتى السلالم الكهربائية لا تعمل طوال الوقت. وغالبا ما يشغلون فقط السلم الذي يصعد، أما السلم النازل فيبقى عاطلا عن العمل. هكذا ربما يساهم ربيع الخليع مع الدولة في اقتصاد الطاقة. رغم أن ثمن تلك الخدمة يدخل في التسعيرة الإجمالية لتذكرة السفر. وفوق كل ذلك يتحدثون في المكتب الوطني للسكك الحديدية عن جودة الخدمات. «جودة الزفت ماشي الخدمات». أما في طنجة، فقد غرقت المحطة الجديدة للمطار الدولي الذي لم يمض على تدشينه سوى عام واحد من طرف المكتب الوطني للمطارات، التابع بدوره لوزارة التجهيز. وأصبح المسافرون مطالبين قبل دخوله بنزع أحذيتهم والتشمير عن سراويلهم. بقي فقط أن يكتب عبد الحنين بنعلو، مدير المكتب الوطني للمطارات، إعلانا يطلب فيه من المسافرين الراغبين في السفر عبر مطار طنجة، أن ينزعوا أحذيتهم قبل الوصول إلى شباك المغادرة حرصا على سلامتها من البلل. ولحل هذا المشكل بادرت إدارة المطار إلى مطالبة رجال الأمن بسحب كل الهواتف المحمولة المجهزة بكاميرات حتى لا تنتقل هذه «الشوهة» من المطار إلى «يوتوب» كما حدث مع مطار محمد الخامس الدولي الذي صور السياح سقفه المبني حديثا وهو يسيل. أما المركز الوطني لمراقبة سلامة الملاحة الجوية بطنجة، والذي تتجلى مهمته الأساسية في ضمان السلامة، فقد أصبح بدوره يطلب السلامة بعد أن فاض عليه الماء من كل جانب. وإذا كانت أوراش وزارة التجهيز تسير على هذا النحو من التعثر والمزاجية، فماذا سنقول عن الأوراش التي تسهر عليها القطاعات الأخرى. لذلك فما يجب على الحكومة فعله ليس هو التطبيل والتزمير لأوراش المملكة، وإنما إرسال لجان افتحاص ومراقبة ومحاسبة للوقوف على سر تعثر هذه الأوراش وعرقلتها لشؤون الناس اليومية. لقد أصبح التحرك في الرباط والدار البيضاء أمرا معقدا ومثيرا لسخط المواطنين. كما أنه أصبح سببا مباشرا لتراجع الأداء الاقتصادي لمجموعة من القطاعات التجارية والصناعية والإدارية، بسبب ضياع الوقت الناتج عن قطع الطرق في وجه حركة السير. الرأي العام ليس بحاجة إلى من يعدد له مشاريع المملكة، ولا إلى من يكتب له قصائد الغزل في أوراشها المفتوحة. بل إلى من يشرح له لماذا تبدأ الحكومة ورشا ولا تكمله، وحتى إذا أكملته لماذا يغرق في المياه وتسيل سقوفه من العام الأول. هذا ما يريد الرأي العام الوطني معرفته. أما الرأي العام الدولي فليرتح عباس الفاسي وخالد الناصري، لأن هذا الرأي مشغول بأموره الخاصة وليس لديه وقت يضيعه في معرفة أوراش المملكة السعيدة. «الرأي العام الدولي غير مساليين ليكم».

0 التعليقات:

إرسال تعليق