الجمعة، 15 يناير 2010

شركة الكوارث مجهولة الاسم

شـــوف تـــشـــوف

شركة الكوارث مجهولة الاسم
رشيد نيني
مكتوب على جبين المغاربة دائما كلما أصابتهم مصيبة أن يحتجوا ويخرجوا إلى الشوارع للصراخ وتحطيم واجهات المؤسسات والمحلات لكي ينتبه المسؤولون في الرباط إلى مصيبتهم. ومكتوب على الدولة أن تسارع إلى توفير التعزيزات الأمنية مكان توفير وسائل الإنقاذ كلما غرقت منطقة ما من مناطق هذه البلاد. إن ما حدث في الغرب الغارق تحت الماء والوحل يكشف أن الدولة لا تريد أن تتعلم الدرس. ففي كل مرة يفقد الناس بيوتهم وممتلكاتهم ويحاصرهم الماء والجوع من كل جانب، تتماطل الدولة في تقديم يد المساعدة، وعندما ينتفض المواطنون بسبب هذا التماطل تحضر لهم الدولة فرق التدخل السريع و جحافل «المخازنية» لإخراسهم. ماذا يصنع عباس الفاسي في هذه الأثناء، إنه يفكر في إنشاء لجنة للتواصل لكي تفتح أعين المغاربة على الأوراش التي تشتغل عليها الحكومة. فحسب عباس، المشكلة ليست في كون حكومته لا تشتغل، بل في كون شغلها لا يحظى بالتغطية الإعلامية اللازمة. ولذلك يستعد لتأسيس هذه اللجنة التي سيكون شغلها الشاغل هو أن «تتبع جيلالة بالنافخ» كما يقولون. إن أكبر شركة للتواصل في المغرب اليوم والتي يعود إليها الفضل في التعريف بمناطق كاملة من المغرب هي شركة الكوارث مجهولة الاسم. فقبل أسابيع فقط لم يكن أحد يعرف أن أكبر وأقدم مدينة صفيحية في المغرب، هي دوار الشانطي، توجد على بعد كيلومترات فقط من الرباط، حيث يوجد مكتب ممثلها في البرلمان، الذي ليس شخصا آخر غير وزير العدل في حكومة عباس. أسبوع واحد من الأمطار كان كافيا لكي يكتشف المغاربة أن عشرات الآلاف من المغاربة يعيشون في بيوت طينية ومدن من القزدير والقش على مشارف أسوار عاصمة المملكة، حيث يفتخر وزير الإسكان فيها بالقضاء على مدن الصفيح في ثلاثين مدينة مغربية. ومن خلال الصور التي تنشرها الصحافة، اكتشف الجميع شبها كبيرا بين ما حدث عندنا في الغرب وبين ما حدث في غزة من خراب ودمار للبيوت والمساكن والحقول. حتى مقابر منطقة الغرب وقع لها ما وقع لمقابر غزة، فقد بعثرت وتحولت شواهدها لحيطان قصيرة ينشر فوقها اللاجئون ملابسهم المبللة لكي تجف. فقد تفتقت عبقرية السلطات عن إيواء المنكوبين في مقبرة جنب الأموات. ربما لكي يتعظوا من «هادم اللذات» ويحمدوا الله على بقائهم أحياء رغم كل شيء. أما حظ الآخرين فلم يكن أحسن من جيرانهم، فقد تم إيداعهم كنسية مهجورة. أما الأقل حظا فقد لجؤوا إلى غابة البلوط مع مواشيهم هربا من الغرق وأصبحوا يعيشون على الالتقاط مثل جدنا الإنسان البدائي. وعوض أن يبذر عباس الفاسي المال في إنشاء هذه اللجنة التواصلية الحكومية، ما عليه سوى أن يراجع آخر الكوارث التي ضربت المغرب لكي يتواصل مع الشعب بطريقة مباشرة وواضحة. فمن كان يعرف أن آلاف العمال في هوامش الدار البيضاء يشتغلون مثل العبيد في معامل مغلقة بالمفاتيح، قبل أن تندلع محرقة «روزامور». ألم تكن هذه المحرقة خير وسيلة للتواصل حول قانون الشغل الذي يتم العبث ببنوده في عشرات المصانع والشركات التي تمتص دماء مئات الآلاف من العمال البسطاء منذ طلوع الشمس إلى غروبها. ألم تكشف هذه المحرقة عن الوجه البشع لاستغلال الطبقة العاملة من طرف الرأسمال المتوحش الذي لا يبحث سوى عن الربح، حتى ولو احترق الآخرون. ثم من كان يعرف أصلا بوجود كاريان اسمه «طوما» أو دوار اسمه «السكويلة» على أطراف أكبر مدينة مغربية، قبل خروج الانتحاريين من أحزمة بؤسهما محاطين بأحزمتهم الناسفة قاصدين الفنادق والنوادي والمقابر لتفجيرها. فقد كان ضروريا أن يخرج كل هذا العنف الدموي من هذه الأحياء لكي تقتنع الدولة بضرورة إزالتها من الوجود، وإسكان أصحابها في بيوت حقيقية عوض تركهم وسط تلك الجحور التي تتعفف حتى الجرذان عن العيش فيها. من كان يعرف منطقة اسمها «أنفكو» في أعالي الأطلس، قبل أن يموت أطفالها بالعشرات بسبب البرد والمرض. فتحولت هذه المنطقة الفقيرة والمهملة إلى أشهر منطقة في المغرب يقصدها الصحافيون المغاربة والأجانب لتصوير أطفالها الحفاة الذين تغوص أقدامهم الصغيرة وسط الثلج وتتجمد دموعهم في محاجرهم بسبب البرد. هل كانت الحكومة ستفكر في شق الطريق نحو هذه القرية وإرسال المساعدات الإنسانية لولا كل هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين صعدت أرواحهم إلى السماء. ومن كان يتحدث عن السلامة في قطاع البناء ومحاسبة المنعشين العقاريين الجشعين قبل انهيار عمارة المنال بالقنيطرة التي مات تحت أنقاضها ثمانية عشر عاملا. وبسبب هذه الكارثة العمرانية انطلق مسلسل توقيفات واعتقالات ومحاكمات في حق متورطين في السكن العشوائي في أكثر من مدينة مغربية. فقد فتحت هذه الكارثة أعين الدولة على حسابات بنكية لمسؤولين كبار جمعوا الثروات بفضل تراخيص البناء العشوائي فوق «الزبالات» و«المرجات» ومجاري الأنهار. ثم من يعرف بوجود قرى ومداشر اسمها «إمزورن» و«إمبرابطن» و«آيت قمرا» قبل أن يضربها زلزال الحسيمة المدمر. بل من كان أصلا يتذكر قانونا للبناء المضاد للزلازل في الريف وضعته الدولة، قبل أن تتهاوى المنازل كمربعات الكارتون فوق رؤوس ساكنيها خلال زلزال الحسيمة الذي مات فيه المئات، قبل أن تكتشف الدولة أن كل البيوت التي سقطت لم تكن مبنية حسب المعايير المطلوبة في المناطق المهددة بالزلازل. ألم تكشف هذه الكارثة للمغاربة قدرات الدولة المتواضعة في الإنقاذ، خصوصا عندما تناقلت وسائل الإعلام صورة رجل الإنقاذ وهو يحاول بيديه العاريتين تكسير سارية بيت محطم بوتد ومطرقة. لذلك فإن عباس وناطقه الرسمي ليسا في حاجة إلى تأسيس لجنة للتواصل مع الرأي العام من أجل تحسين صورة الحكومة لديه، لأن الرأي العام لديه لجنته الخاصة التي يتواصل معها وتكشف له عن كل الخبايا والملفات التي تهمه ويجهل عنها كل شيء. وهذه اللجنة المتخصصة في التواصل مع الشعب هي «وكالة الكوارث والمصائب غير المحدودة» التي تضرب المغرب بين وقت وآخر. وهذه الوكالة «ديال سيدي ربي» هي الوحيدة التي تكشف لنا الحقيقة كما هي بدون مساحيق، وتعرفنا على مناطق مجهولة من المغرب، وتزيل القناع عن أوراش الحكومة المغشوشة التي تتهاوى أمام الأمطار الأولى. وهذه الوكالة تشتغل معها كوارث طبيعية كالسيول والفيضانات والزلازل والحرائق، كما تشتغل معها كوارث بشرية كالحكومات والمجالس المنتخبة. وإذا كانت الكوارث الطبيعية «ليها الدوا» فإن الكوارث البشرية التي تضرب المغرب بين حكومة وأخرى «ماليهاش الدوا». فهي مثل الحمى، يجب أن تصبر عليها حتى تمر. ولذلك تلاحظون أن تصريحات بعض المسؤولين الحكوميين تشبه هلوسات المحمومين. لديهم وجه «مكفس» يريدونه أن ينعكس للرأي العام كآية في الجمال. إن المشكلة يا سادة ليست في انعكاس صورتكم عند الرأي العام، وإنما في أصل الصورة. فقد وقع لكم ما وقع لذلك الرجل الذي خرجت له «نفطة» في وجهه، وعوض أن يضع «البوماضا» فوق «النفطة» أدمن على وضعها فوق المرآة حيث ينعكس وجهه. ومن كثرة «البوماضا» التي طليتم للمرآة لم تعودوا قادرين حتى على رؤية وجوهكم فيها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق