الجمعة، 8 يناير 2010

«رضوض» أفعال

«رضوض» أفعال

في محاضرة بجامعة ظهر المهراز بفاس ألقت فاطمة الحبابي، زوجة صاحب رواية «جيل الظمأ» الراحل عزيز الحبابي، حجرا ثقيلا في بركة الحركات النسائية المغربية عندما قالت بأن أغلب اللواتي يروجن لخطاب تأهيل المرأة والسماح لها بولوج مراكز المسؤولية لديهن مشاكل شخصية كالعنوسة والعزوبية، أو لديهن رغبة في تسلق السلالم وتكسير «الدروج» لكي لا تصعد الأخريات. كما طالبت المرأة المغربية العاملة بالعودة إلى بيتها والتفرغ لتربية أبنائها ورعاية زوجها.
قد يبدو مفهوما عدم اتفاق مدام الحبابي مع ما تدافع عنه الحركات النسائية والأحزاب السياسية من مطالب لأجل إشراك المرأة في مراكز اتخاذ القرار. لكن ما لا يبدو مفهوما هو دعوتها للمرأة العاملة للعودة إلى بيتها. وربما تعتقد مدام الحبابي أن كل النساء المغربيات لديهن معاش مثلها تتقاضاه عن وظيفة زوجها الراحل. وأنهن يخرجن للعمل عن طواعية من أجل تزجية الوقت.
ولعل ما غاب عن ذهن مدام الحبابي هو أن الوظيفة في المغرب اليوم هي الضمانة الوحيدة للمرأة لكي لا تجد نفسها بعد الطلاق عرضة لأرصفة الشوارع تتسول بأبنائها أو تبيع كرامتها لكي تطعم نفسها وأطفالها. ولكي تفهم هذا الكلام جيدا ما عليها سوى أن «تضرب» دورة في ردهات محاكم الأسرة لكي ترى بعينيها مآسي النساء المطلقات وقصصهن الأليمة مع نفقة الأبناء التي لا يحصلن عليها إلا بمعجزة.
إن نسبة كبيرة من النساء يجدن أنفسهن مجبرات على امتهان الدعارة بسبب زواج فاشل ينتهي بالطلاق. خصوصا النساء اللواتي لا يجدن سندا عائليا يحميهن من الشارع. فتربية الأبناء تحتاج إلى مصاريف، ولكي تحصل الزوجة على النفقة يجب عليها أن تنتظر لأشهر طويلة، وعندما يكون الزوج في حالة بطالة فالأمور تتعقد أكثر. والدولة عندنا لا تعرفك سوى في تحصيل الضرائب، أما في مثل هذه المواقف فما عليك سوى أن تشمر على أكتافك. ولذلك فالمبادرة التي يريد صندوق الإيداع والتدبير إطلاقها لتأسيس صندوق خاص بالتكفل بالمطلقات ماليا إلى حين صدور أحكام الطلاق والنفقة، يبقى هو الحل لتجنيب كثير من المطلقات التشرد على أرصفة الشوارع لإعالة أطفالهن.
يمكن أن نفهم الدعوة إلى رجوع المرأة إلى بيتها والتخلي عن وظيفتها إذا كانت الدولة تقدم ضمانات لهذه المرأة عند تعرضها للطلاق. فعندما تقبل المرأة العاملة أن تتخلى عن وظيفتها لكي تلتحق ببيت الزوجية، فإنها تقبل أن يكون زوجها هو المعيل الوحيد لها ولأبنائها. وعندما يقرر هذا المعيل الوحيد التخلي عنها فمن يا ترى سيتكفل بمصاريفها. لذلك فالحل هو تعليم المرأة وتكوينها لكي تضمن مستقبلها ووظيفتها. ففي المغرب وبالنظر إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية الحالية، فالضمانة الوحيدة بالنسبة للمرأة لكي لا تجد نفسها في الشارع هو وظيفتها وراتبها الشهري.
وحتى عندما تضمن المرأة وظيفتها وراتبها وزوجها فإن مشاكلها لا تنتهي. وحسب إحصاء أخير لشبكة النجدة الذي أنجزه اتحاد العمل النسائي فإن العنف الجسدي داخل البيوت يحتل الصدارة من بين كل أنواع العنف الممارس ضد المرأة المتزوجة. ويوجد على رأس هؤلاء الجلادين المستخدمون ورجال الشرطة ورجال الدرك والجيش.
وقد ذكرني هذا الإحصاء باجتهاد سبق أن اقترفه إمام مغربي مقيم بإسبانيا. وقد كان هذا الإمام غفر الله له أصدر قبل مدة كتابا حول الطرق الممكنة لضرب المرأة دون ترك الأثر. ويا له من مبحث غريب في الدين ذلك الذي اختار هذا الإمام التعمق فيه إلى درجة إصدار كتاب حوله، وكأن كل وسائل التعامل الاجتماعي مع المرأة وصلت في الإسلام إلى الباب المسدود ولم يبق للمسلمين من حل آخر للتعامل مع زوجاتهم غير ضربهن.
ويبدو أن الإمام الذي أصدر هذا الكتاب لديه سوابق مهنية مع المخابرات وأقبيتها وطرق تعذيبها، لأن الضرب دون ترك الآثار هو أحد اختصاصات الجلادين الذين يتقنون الضرب فقط في الأماكن التي تسبب أقصى درجة من الألم وأقل درجة من الأثر. ولسوء حظ هذا الإمام أنه أصدر كتابه في إسبانيا التي تعرف أكبر نسبة في أوربا فيما يخص ضرب وقتل الرجال لزوجاتهم، وحيث الجمعيات النسائية والمدنية مستعدة على مدار اليوم والليلة لمهاجمة كل رجل يرفع يده في وجه امرأته ولو بالتهديد، فما بالك بالضرب.
لكن إذا تركنا الجانب القانوني في هذه القضية واقتصرنا على الجانب العلمي للكتاب، فإننا سنجده ناقصا لا محالة. فهو مثلا يشرح فقط طرق الضرب ووسائله وأهدافه ، بينما يغفل جوانب أخرى مهمة تتعلق بردود فعل المرأة، أو بالأحرى «رضوض» فعلها.
فالنساء في هذا العصر اكتشفن صالات كمال الأجسام و«الأيروبيك» ورياضات الدفاع الذاتي عن النفس بعدما كن يقتصرن على تمرين عضلاتهن أمام «الفراكة» وآنية الغسيل ونشر «الحنابل» والزرابي فوق السطوح.
وكتاب صاحبنا الإمام، غفر الله له، لا يخبرنا ماذا يمكننا القيام به إذا أراد المسلم منا ضرب زوجته بلطف دون غاية ترك الأثر، فسددت له لكمة نحو «جدارة الودن» أو قامت له وجمعته بنص يسقط مغشيا عليه بسببه.
ويبدو أن إمام الغفلة هذا لا يتصور أن تكون هناك امرأة ترد الصاع صاعين، ولذلك أزاح من مخيلته هذه الفرضية. وربما كانت أمامه فرصة للتفكير في هذا الفصل الجديد داخل السجن الإسباني حيت انتهى بعد صدور الكتاب. هكذا يضيف فصلا جديدا في كتابه «كيف نضرب النساء دون ترك الآثار» ليصبح عنوانه الجديد هو «كيف نتضارب نحن والنساء دون ترك آثار، والأهم من ذلك دون أن تصل إلى السجن».
والمؤسف حقا في هذه المهزلة أن كتاب الإمام المزعوم أشاع بخصوص تعامل الإسلام مع المرأة نوعاً من الحط من كرامتها في الوقت الذي نسي وصايا رسول الله حول النساء، حين قال مخاطبا الرجال «رفقا بالقوارير» مؤكداً على أن النساء لا يكرمهن إلا كريم ولا يذلهن إلا لئيم. والضرب هو أقصى درجات الإذلال سواء كان موجها ضد المرأة أو الرجل. ومن لم يصدق فليسأل أي معتقل سياسي سابق هل استطاعت الدراهم التي صرفتها الدولة له أن تنسيه مذلة التعذيب الذي لم يترك أثرها على جسده فقط وإنما تركت جراحاً لن تندمل بين أثلام روحه.
ويبدو أننا نحن الأمة العربية والإسلامية لدينا مشكلة حقيقية مع المرأة، فهذا إمام يصدر كتاباً يعلم فيه المسلمين كيف يضربون زوجاتهم وآخر يصدر فتوى يمنعها من قيادة السيارات، وثالث يحذر من الاختلاط بها في الجامعات والمعاهد، ورابع يفتي بضرورة إرضاع الموظفات لزملائهن في العمل حتى يصبح مباحا اختلاؤهم بهن. لم يبق سوى أن يجمعوا كل النساء ويرسلوهن إلى كوكب آخر ليرتاح الرجل من غوايتهن، وأكيد سيكون هناك في ذلك الكوكب رجال سيشتكون من النساء، فحيثما توجد المرأة ينبت معها الرجل ويتبعها مثل الظل.
ونعتقد جازمين أن هذا الكتاب لو صدر في العالم العربي للقي الترحيب والتصفيق في أكثر من جامعة ومعهد، فهناك في هذا العالم العربي المتخلف من لا يحلم فقط بسن قانون يسمح له بضرب زوجته وإنما بدفنها حية وراء البيت.
لذلك أرى أنه من الضروري على الحكومة المغربية ألا تعلم المرأة فقط القراءة والكتابة لكي تحصل عندما تكبر على وظيفة، وإنما أيضا عليها أن تفكر في تعليمها إحدى رياضات الدفاع الذاتي ليكون بمستطاعها أن تدافع عن نفسها كلما حاول زوجها الاعتداء عليها بالضرب. ولا تنقصنا هنا أمثلة بعض أنصاف الرجال الذين جربوا أن يمدوا أيديهم على زوجاتهم فغادروا بيوتهم بأسنانهم في أيديهم، وهؤلاء نساء ألسنتهن طولها بقدر طول أذرعهن، ولسن مثل أولئك النساء الفالحات فقط في كيل الشتائم وأنواع السباب لأزواجهن وعندما يقوم هؤلاء لضربهن «يستحلين» السلخة. وهؤلاء نوع آخر من النساء اللواتي لا يرتحن إلا عندما يجعل أزواجهن ظهورهن أرطب من بطونهن. وقانا الله وإياكم من هذا النوع من النساء العاشقات للسلخ ووقى نساءنا من هذا النوع من الأزواج الجلادين الذين يتحدث عنهم كتاب مولانا الإمام.

0 التعليقات:

إرسال تعليق