الجمعة، 15 يناير 2010

رؤوس الفتنة


رؤوس الفتنة
رشيد نيني
كان بلاغ وزارة الداخلية حول «صيانة الأمن الأخلاقي للمواطن» منتظرا، خصوصا بعد «الحملة» الإعلامية المنظمة التي شنها البعض في الداخل نيابة عن جهات خارجية للترويج للشذوذ الجنسي والدعوة الصريحة إلى تحرير تعاطي المخدرات والإشادة بمزاياها الصحية والتشكيك في مخاطرها على السلوك النفسي للمستهلك. وهكذا قرأنا خلال الأسابيع الأخيرة حوارات ولقاءات وتصريحات لشواذ جنسيين ينادون بالحق في الخروج من مرحلة النضال «السري»، ويعلنون الرغبة في الحصول على اعتراف رسمي للعمل بوجه مكشوف على نشر شذوذهم. بلاغ الداخلية يمكن قراءته من جهتين. أولا كونه جاء ردا على الانتقادات التي وجهت إلى الدولة من طرف بعض الصحف بخصوص حربها الضروس ضد الفكر الشيعي، ومهادنتها لحملات التنصير والفكر المنحل الذي يجد مرتعه في بعض الإصدارات التي يملك أغلبية أسهمها بعض الأجانب. وثانيا كونه جاء استجابة لما سماه وزير الداخلية «استفزاز الرأي العام الوطني» بهذه الكتابات والمنشورات التي تروج لهذه السلوكيات المشينة. أي أن هناك خوفا رسميا متزايدا من الفتنة التي يمكن أن تخلقها مثل هذه «اللوبيات» التي تستغل الإعلام للترويج للشذوذ وتعاطي المخدرات والدفاع عن استهلاك الخمور، وتخصيص أغلفة وملفات مطولة لعاصريه، والدعوة إلى إسقاط تجريمه من فصول القانون المغربي. يحدث هذا عندنا في المغرب البد الإسلامي، في الوقت الذي تخوص فيه حكومات أوربا العلمانية حروبا بلا هوادة ضد تعاطي المخدرات واستهلاك القاصرين للكحول. وفي إنجلترا هناك توجه اليوم نحو مضاعفة أسعار المشروبات الكحولية للحد من استهلاكها. أما في فرنسا فهناك نقاش كبير حول قانون جديد يمنع بيع الكحول للقاصرين ويشدد العقوبات على استهلاكها في الأماكن العمومية، ويهدد السكارى الذين تضبطهم مصالح الأمن مستعملين الطريق بالسجن وسحب رخصهم مدى الحياة. يبدو أن البعض في المغرب نسي أن وظيفة الإعلام ليست هي تشجيع مظاهر الانحلال في المجتمع بدعوى أنها موجودة ولا يجب إخفاؤها، بل وظيفة الإعلام هي انتقاد هذه الظواهر الشاذة والمرضية وتسليط الضوء على الجهات الداخلية والخارجية التي تشجعها وتنشرها بين الشباب والمراهقين الذين يقبلون بنهم على هذه المنابر الإعلامية التي تعيش على عرض اللحم الحي على أغلفتها. عندما تتحدث وزارة الداخلية عن «استفزاز الرأي العام» بمثل هذه الأصوات والدعوات التي تعالت مؤخرا في بعض المجلات والجرائد مطالبة بالحق في خروج الشواذ إلى العلن وتأسيس الجمعيات كبداية للمطالبة بالحق في الزواج بين الرجال، فإن كلمة «استفزاز» في الواقع تبقى مؤدبة ولطيفة جدا. لأن الأمر في الواقع يتعلق بفتنة حقيقية تذكي نارها بعض الأقلام المتخصصة في صب الزيت في النار. وهذه الأقلام، ويا للمصادفة العجيبة، ليس لها مشكل مع المسيحية ولا مع اليهودية، بل مشكلتها الأزلية هي مع الإسلام فقط. ولذلك تخصص أغلب أغلفتها لمهاجمة الحجاب والمطالبة بإعادة قراءة القرآن. ولعل ما يغيب عن دعاة الفتنة هؤلاء هو أنهم عبر بحثهم عن الإثارة الإعلامية وتسابقهم المجنون لرفع نسبة المبيعات بتلك الأغلفة المستفزة وشبه العارية، فإنهم يساهمون في توسيع الشرخ الهوياتي للمغاربة عبر تشكيكهم في مرجعيتهم الدينية والثقافية لصالح مرجعيات غربية يجهلون سياقاتها ومنزلقاتها. في لندن اكتشف صاحب مطعم في عز الأزمة الاقتصادية التي تضرب أوربا طريقة مثيرة لجلب الزبائن، فقد قام بتعرية صدور جميع النادلات اللواتي يخدمن الزبائن. وهكذا أصبح الزبائن يتسابقون لأخذ مقاعدهم في المطعم. بعض الجرائد والمجلات في المغرب تقوم بالشيء نفسه، خصوصا بعد النزول الحاد لمبيعاتها. ومن أجل جلب حفنة إضافية من القراء فهم مستعدون لنشر صورة أي فتاة تلبس «السليب» على ظهر جرائدهم وأغلفة مجلاتهم. حتى إن هناك يومية مغربية نشرت هذا الشهر صورة لعارضة أزياء يظهر ثديها بالكامل. هذا التسابق المحموم على نشر صور العارضات والعاهرات في وضعيات مثيرة وفاضحة، يخفي في الواقع إفلاسا تحريريا عميقا تتم التغطية عليه بدغدغة الأعضاء السفلية لنوع معين من القراء. إذن هناك من يتجه نحو حل أزمته الاقتصادية بالإقبال على نشر مثل هذه الحوارات والتصريحات والصور المخلة بالأمن الأخلاقي والمستفزة للرأي العام، كما وضحت الداخلية في بلاغها. لكن الخطير في الموضوع هو أن هناك جهات إعلامية لا تبحث فقط عن الربح المادي من خلال الترويج للشذوذ وثقافة الانحلال والميوعة، وإنما لديها أجندة محددة المعالم والأهداف. وظيفتها الأساسية هي تحطيم الثوابت والأركان التي تقوم عليها الدولة والمجتمع، بهدف إضعاف الجميع تمهيدا لسيطرة فكر دخيل يحول المغرب والمغاربة إلى شعب بلا هوية ولا عقيدة. وهذا «اللوبي» الذي يزرع بذور الفتنة في المغرب منذ مدة، يستغل أخطر سلاح للترويج لأهدافه وهو سلاح الإعلام والسينما، بالنظر إلى قدرتهما الكبيرة على التأثير والتغلغل داخل الطبقات العميقة للمجتمع. ومن بين الطرق «الذكية» التي يستعملها هذا «اللوبي» الإعلامي لمحاربة من يفضح مخططه الهدام، رمي كل من ينتقد «نشاطه» بتهمة «الدعوة إلى الأخلاق». إلى درجة أن كثيرين أصبحوا يتجنبون انتقاد هذا المد الطافح من السخافة والجرأة على الدين والسخرية من علماء الأمة وفضلائها، خوفا من اتهامهم بشبهة الدفاع عن الأخلاق. وهكذا أصبحت الأخلاق تهمة في المغرب، بينما أصبحت المجاهرة بالشذوذ جرأة وشجاعة يستحق عليها صاحبها النزول ضيفا على أغلفة المجلات وصفحات الجرائد بالحلقات. وشخصيا عانيت من هذه التهمة طويلا، وكنت في كل مرة أنتقد فيها أزلام هذا «اللوبي» وأقزامه أتعرض لهجمة شرسة في إعلامهم، حيث يصفونني بالرجعي والظلامي والمدافع عن النظام الأخلاقي، والمعادي لليهود والنساء والمحرض على الفتنة، وما إلى ذلك من التهم الجاهزة التي يسوقونها ضدي ويلقنونها لكل صحافي أجنبي وضع قدميه في المغرب لإجراء حوار معي. وفي ظنهم أن تهمهم ستخيفني وتجعلني أتراجع عن القيام بواجبي الوطني في التصدي لمخططاتهم التدميرية التي تهدد عقيدتنا وهويتنا وثقافتنا المغربية. إن أخطر أزمة يعيشها المغرب حاليا ليست هي الأزمة الاقتصادية، بل الأزمة الأخلاقية. هناك اليوم من يريد صناعة جيل من المغاربة بدون جذور وبدون هوية وبدون معتقدات. وهذه أخطر قنبلة يمكن إعدادها للانفجار في المستقبل. في أوربا وأمريكا هناك اليوم عودة إلى الأخلاق والدين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بينما في المغرب المسلم هناك دعوات إلى التخلي عن الدين وفتح الباب على مصراعيه للحريات التي أصبح الغرب نفسه يبحث عن وسيلة لكبح جنونها وطيشها. لكن دعاة الفتنة هؤلاء سيفشلون حتما في مخططاتهم. ليس بفضل بلاغات وزارة الداخلية طبعا، ولكن بفضل عقيدة المغاربة الراسخة وإيمانهم القوي بدينهم ونزوعهم العميق نحو الأخلاق. ويكفي أن يعرف هؤلاء الهدامون أن نسبة المتبرعين لبناء المساجد في المغرب ارتفعت هذه السنة بحوالي 15 في المائة مقارنة بالسنة الماضية. وفي عز الأزمة الاقتصادية التي تعرفها البنوك والشركات الكبرى في المغرب، نرى كيف يختار المغاربة توفير أموالهم في بنك الآخرة، عبر المساهمة في بناء بيوت الله، عوض توفيرها في بنوك الدنيا الفانية. لعل هذا ما يستفز دعاة الفتنة هؤلاء في المغرب، فهم يرون كيف أن حملاتهم المنظمة وكتاباتهم المسمومة والحاقدة على الدين والأخلاق وثوابت البلاد لم تحقق أهدافها المرسومة. وفي الوقت الذي قررت فيه الدولة قطع علاقاتها مع إيران بسبب المد الشيعي في المغرب وتهديد كل من يتعامل مع إيران من جمعيات وأحزاب، فقد كان من المفيد التفكير أيضا في توجيه تحذير واضح إلى كل جمعيات الصداقة الأمازيغية الإسرائيلية التي بدأت تنمو مثل الفطر في مدن المغرب. فإسرائيل دولة عدوان، والمغرب ليست لديه علاقات رسمية مع هذا الكيان، ولذلك فكل من يتجرأ ويستفز مشاعر المغاربة بتأسيسه لجمعيات صداقة أمازيغية إسرائيلية يجب أن يسحب منه الترخيص. فإذا كانت إيران أهانت المغرب بعدم الرد على استفساره، فإن إسرائيل أهانت المغرب بتدمير حيه في القدس، وأهانت العالم الإسلامي بأسره عندما قتلت أمام أنظاره مئات الفلسطينيين في غزة قبل أسابيع. أفلا تستحق جمعيات الصداقة المشبوهة هذه أن تمنع، بسبب ربطها علاقات مع دولة يقطع معها المغرب علاقاته الرسمية ؟ وبما أن الداخلية مهتمة هذه الأيام بالأمن الأخلاقي للمغاربة، فهل ستتخلى عن إعطاء المنح للأضرحة والزوايا التي تنشط فيها السلوكات المشينة والمستفزة للرأي العام والمخلة بالعقيدة والسلوك القويم ؟ أسئلة نطرحها على وزارة الداخلية، لعلها تدرك أن القضية ليست مجرد «استفزاز للرأي العام»، وإنما حملة منظمة على ثوابت المغرب، لن ينفع معها مجرد بلاغ مهدد.

0 التعليقات:

إرسال تعليق