الأربعاء، 20 يناير 2010

ياسمينة والخنازير

ياسمينة والخنازير
رشيد نيني

مر حوالي أسبوع على اكتشاف أول حالة لعدوى أنفلونزا الخنازير بالمكسيك. وإلى حدود اليوم، مات حوالي 103 مصابين فيما سجلت المصالح الطبية في المكسيك إصابة 1300 مواطن بالفيروس القاتل.
إلى حدود اليوم، استطاع الفيروس أن يصل إلى أبعد البلدان. فقد حط الرحال بأمريكا وكندا بنيوزيلاندا وفرنسا وإسبانيا. وعندما نقول إسبانيا فإننا نضع أيدينا على قلوبنا، لأن هذه البلاد لا تبعد عن المغرب سوى بخمسة عشر كيلومترا.
حكومات دول العالم سارعت إلى اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع تسرب الفيروس القاتل إلى ترابها، بينما منظمة الصحة العالمية أعلنت حالة الطوارئ في العالم بأسره، وحذرت من احتمال «انتشار وبائي» للمرض.
وأمام كل هذا الرعب العالمي الذي تسببت فيه الخنازير، ماذا صنعت وزارة الصحة المغربية لكي تخبر الرأي العام بالإجراءات التي اتخذتها لمواجهة هذا الوباء في حالة انتقاله من إسبانيا إلى المغرب.
لقد انتظرت وزيرة الصحة ياسمينة بادو اليوم الاثنين لكي تجتمع مع أطرها لمناقشة هذه الكارثة الوبائية التي تهدد العالم.
فالمدام كانت مشغولة طيلة نهاية الأسبوع باجتماعها مع الأطباء لمناقشة مشروع قانون ممارسة الطب في المغرب والمصاعب التي تواجه المهنة أمام تحدي العولمة. وهو المشروع الذي باء بالفشل ورفضه الأطباء من أصله بسبب تشجيعه لفتح المجال الطبي أمام رؤوس الأموال الخاصة والأجنبية وتحويل المصحات إلى شركات، وكأن المصحات الموجودة في المغرب ليس أغلبها شركات تستنزف جيوب المرضى بلا رحمة. ولذلك غادرت سعادة الوزيرة طاولة الاجتماع مبكرا، ليس لأنها كانت غاضبة من ردود فعل الأطباء، ولكن لأنها كانت على موعد مع «دلاكة» في غرفة «الماصاج» التابعة للفندق الفخم الذي كانت تدور فيه أشغال الفوروم.
أعتقد أنه في وضعية صحية حرجة كهذه التي يعيشها العالم بسبب «أنفلونزا الخنازير»، فأبسط شيء كان هو أن تؤجل وزيرة الصحة كل اجتماعاتها ولقاءاتها، وتتفرغ كليا لتتبع عمل اللجنة الطبية التي تم تكليفها بمراقبة الوضع الصحي في المغرب عن كثب. أما الوزير الأول فأبسط شيء كان عليه أن يقوم به هو أن يؤجل ملاسناته الطفولية مع الاتحاد الاشتراكي وينسى قليلا هواجسه الانتخابية ويظهر في وسائل الإعلام لكي يعلن عن إنشاء لجنة... مختصة مكونة من كل الوزارات للسهر على وضع خطة مستعجلة لتتبع تطور المرض عند جيراننا الشماليين.
على وزير النقل والتجهيز أن ينسى مدونته العجيبة، وأن يضع مخططا محكما لمراقبة الرحلات الجوية القادمة من البلدان التي وصل إليها الداء، فقطاع النقل الجوي تابع لوزارة غلاب مثلما هو النقل البري تابع له. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المغرب تدخل إليه عبر موانئه يوميا مئات الشاحنات القادمة من المدن الإسبانية التي وصل إليها الفيروس القاتل.
كما على وحدة مراقبة وتتبع الأوبئة في وزارة الصحة أن تتحرك لكي تزور حظائر تربية الخنازير التي يديرها خواص أجانب ومغاربة بين الدار البيضاء وسطات حيث يربون حوالي خمسة آلاف رأس من الخنازير موجهة إلى استهلاك في الفنادق السياحية. وفي مصر أعلنت الأجهزة البيطرية الحكومية حالة الطوارئ القصوى خوفا من وصول العدوى إلى مزارع الخنازير، كما كثفت من زياراتها لهذه المزارع لأخذ عينات من الخنازير لتحليلها من أجل محاصرة المرض في المهد.
فالتحاليل المختبرية أثبتت أن أنفلونزا الخنازير هي مزيج من أنفلونزا الطيور وأنفلونزا الإنسان استطاع الخنزير أن يطور بواسطتها فيروسا قاتلا لم يعثر له العلماء بعد على تلقيح مضاد.
أكاد أجزم بأن الأغلبية الساحقة من المغاربة لا يعرفون كيف سيتصرفون في حالة وصول هذا الفيروس إلى المغرب. ونحن هنا لا نحاول إثارة مخاوف الرأي العام بقدر ما نطرح سؤالا مشروعا على الحكومة والدولة. فالسرعة التي ينتشر بها الفيروس عبر العالم وتخوفات منظمة الصحة العالمية من تحوله إلى وباء عالمي كلها أسباب تفرض علينا جميعا التحلي بالشجاعة والمسؤولية ومصارحة المواطنين بتفاصيل هذا المرض وبالاحتياطات الصحية الواجب اتخاذها في حالة وصول الفيروس إلى بلادنا.
إن دور وسائل الإعلام العمومية هو هذا بالضبط. على قنوات الإعلام العمومي أن تتجند لكي تقوم بتوعية المواطنين بأسباب انتشار هذا الفيروس، عليها أن تستدعي أطباء متخصصين لكي يشرحوا للمواطنين أعراض المرض ومخاطره والخطوات المستعجلة التي يجب أن يقوموا بها في حالة إصابة أحدهم بالفيروس.
إن سياسة النعامة التي تعودت الحكومة والدولة على انتهاجها أمام احتمال وصول الأوبئة والكوارث إلى بلادنا، سياسة ليست في صالح المغرب. فلسنا وحدنا من يهددهم هذا الفيروس القاتل، وإنما كل سكان الكرة الأرضية. ولذلك يجب أن تتحلى الحكومة والدولة بالشجاعة الضرورية وتتواصل مع الرأي العام حول كل صغيرة وكبيرة بخصوص هذا الخطر الوبائي العالمي. فهذا ما سيضمن معرفة سليمة بالمرض خالية من التهويل والإشاعات، وأيضا ما سيضمن اجتياز هذا الامتحان بأقل الكوارث الاجتماعية الممكنة. فما يشجع على الفوضى ليس هو المعلومة الصحيحة حتى ولو كانت غير سارة، وإنما الإشاعة المسمومة التي يغذيها الصمت الحكومي والرسمي.
المغاربة من حقهم على وسائل إعلامهم العمومي التي يمولون قنواتها من ضرائبهم أن تشرح لهم ما يقع في العالم اليوم بسبب هذا الفيروس القاتل. كما أن هذا الإعلام من واجبه أن يخبر المواطنين بطرق الوقاية من المرض وبكيفية التصرف في حالة إصابتهم به. فنحن لسنا في كوكب آخر حتى يتصرف إعلامنا العمومي وكأن لا شيء يحدث من حولنا، في الوقت الذي تقوم فيه القيامة في وسائل إعلام جيراننا الذين لا تبعد عنا أقرب إصابة عندهم بالفيروس سوى بخمسة عشر كيلومترا.
نتمنى أن تسارع الحكومة إلى طي خلافاتها السياسية بين يمينها ويسارها وأن تلم شملها حول هذا الخطر الذي يقرع أبوابنا من الجهة الشمالية. فالمغرب لديه رحلات جوية منتظمة مع برشلونة وباقي العواصم الأوربية التي ظهر فيها الفيروس. ولعل تكثيف المراقبة في المطارات ونقاط الجمارك سيكون الحل الأمثل لمنع وصول الفيروس إلى المغرب. دون أن ننسى مراقبة السلع التجارية والمنتجات الاستهلاكية التي تصل إلى المغرب من الدول التي تجمعنا بها شراكات اقتصادية والتي ظهرت فيها حالات للإصابة بالفيروس.
مسؤولية المراقبة والتتبع ليست فقط مسؤولية الحكومة وإنما هي أيضا مسؤولية ممثلي السكان في المجالس والبلديات والجماعات القروية التي تتوفر جميعها على أطباء بيطريين مسؤوليتهم الأساسية هي السهر على الصحة العامة للمواطنين. فالجميع يجب عليه أن يتحمل مسؤوليته وأن يضع نفسه رهن إشارة المصلحة العامة.
نتمنى صادقين أن تجنبنا العناية الإلهية، كما كان الأمر دائما، وصول هذا الفيروس إلى بلادنا. غير أن الدعاء الصادق وحده لا يكفي، بل يجب إقرانه بالعمل الصادق من طرفنا جميعا، رسميين وإعلاميين ومواطنين، لكي نمنع وصول الفيروس القاتل إلى بلادنا، وأن نتعامل معه بفعالية وهدوء ورزانة في حالة وصوله.

0 التعليقات:

إرسال تعليق