الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

حكومة الغدايد

حكومة الغدايد

قرر لسان حزب الاستقلال أن يخصص صفحات كاملة طيلة الأعداد الأخيرة لاستضافة شخصيات رياضية وفكرية وحزبية لإعطاء شهادة حسن السيرة والسلوك في حزب عباس الفاسي الذي يقود الحكومة.
ولأن الشهادات جاءت شبيهة بالمعلقات الغزلية، تعدد مناقب الحزب وأفضاله على المغاربة، فإن الواقع اليومي لهذا الحزب يقتضي أن نذكر قادته ببعض التفاصيل التي نسوا الوقوف عندها، ولو من باب «دوي علينا وجي علينا».
سيكون من باب النفاق السياسي أن ننسى مثلا أن عباس الفاسي الذي يقود الحكومة الحالية يأتي اليوم على رأس الوزراء الأولين الذين تفوقوا في الحصول على أدنى نسبة من الشعبية.
أولا لأنه جاء إلى رئاسة الحكومة وهو يجر خلفه فضيحة «النجاة»، ووعد في حملته الانتخابية بخلق مئات الآلاف من مناصب الشغل. وعندما تسلم حقيبة الوزير الأول قام بتعلية سور مقر حزبه بباب الحد حتى تصعب على المعطلين عملية اقتحامه. وعوض أن يخلق مناصب شغل جديدة أصبح يمدد سنوات إضافية للموظفين الكبار (في السن) الذين بلغوا سن التقاعد، كما صنع مؤخرا مع القباج وأولباشا في وزارة المالية.
عندما سألوه عن أحداث سيدي إفني، أنكر ونفى وقوع أي شيء. وعندما رأى بأم عينه ما وقع في نشرات الأخبار، «لصقها» في القناة الثانية واتهمها بتحريف تصريحاته.
عندما سأله الصحافيون عن الزيادة في ثمن المحروقات، قال لهم «ما فراسيش». قبل أن ينغزه «نسيبو» نزار بركة وينبهه إلى أن الزيادة وقعت بالفعل.
عندما سألوه هل يتصل به الملك، أجاب بأنه يحمل هاتفا خاصا يتصل به الملك فيه. و«شي مرات إلى عندو الزهر» يحدث أن يستقبله.
عندما ذهب إلى إسبانيا مؤخرا أخطأ في نطق اسم رئيس الحكومة الإسباني «لويس ساباطيرو»، وناداه باسم خصمه السياسي اللدود «خوصي ماريا زاباطيرو». وعندما لاحظ عباس أنه «طبز» لها العين، ضحك وصلح غلطته بـ«أفدع» منها، وأطلق على الرجل اسم امرأة وسماه «ماريا خوصي زاباطيرو».
وعندما طرح مراسلنا بمدريد على عباس الفاسي سؤالا متعلقا بلقائه بنظيره الإسباني، حقق عباس في وجه مراسلنا جيدا وقال له «نتا بعدا ماجيتيش معانا فالطيارة»، ورفض إعطاءه أي جواب بحجة أنه لا يتحدث سوى مع الصحافيين الذين أتى بهم معه من الرباط في الطائرة الخاصة.
وحتى عندما أقال الملك كاتب الدولة في الخارجية كان عباس الفاسي آخر من يعلم.
إن عباس الفاسي الذي يستعد اليوم لولاية ثالثة على رأس حزب الاستقلال، ليس وحده «مفخرة» الحكومة. بل حتى بعض وزرائه وممثلي الأمة والسكان يحملون معه لواء الحزب المرفرف، عملا بالمثل المغربي الذي يقول «تابعين جيلالة بالنافخ».
ولكم أن تتأملوا هذه المنجزات التي حققها ممثلو الحزب في الحكومة والنقابات وعمادة المدن ومجلس المستشارين.
غلاب وزير التجهيز الاستقلالي يرتكب أخطاء المبتدئين، ويعيد قانون المالية إلى البرلمان بعدما دس بتواطؤ مع مزوار بند «الرادارات» في ميزانية قانون المالية. فغلاب أراد أن يشغل كاميراته التي تصدأ في الشوارع لكي يبرر صفقة الملايير السبعة، ومزوار «شاف الربيع ما شاف الحافة»، وبرمج عائدات «البروصيات» التي ستصورها الكاميرات ضمن ميزانية 2009، قبل أن يكتشف أن غلاب «فرش» له التبن فوق الماء. وهاهو المجلس الدستوري يقول لغلاب بأنه لن «يصور» بكاميراته سوى البرد.
أما الاستقلالي شباط عمدة فاس، عاصمة العلم والعلماء بالمغرب، فقد أعطى عن نفسه للذين يمثلهم صورة واضحة عن «مرجعياته الفكرية»، خصوصا في معجم الحيوان. ولم يتورع عن تسمية زميله في الحزب بنجلون الأندلسي، بالضبع. فرد ممثل رجال التعليم في نقابة الاتحاد العام للشغالين على عمدة فاس بكونه أعرف الناس بطريقة استعمال الضبع. ويقصد طبعا مخه، إذا كان للضبع من مخ طبعا.
وإذا كان عباس الفاسي عندما كان وزيرا بدون حقيبة في حكومة جطو قد طلب من القضاة أن ينصتوا إلى ضمائرهم لا إلى هواتفهم النقالة، بعد متابعة هؤلاء القضاة لمرشحين استقلاليين تورطوا في الفساد الانتخابي، فإنه «ضرب الطم» عندما أصدر زملاء هؤلاء القضاة تقريرا يتهم شباط ومجلسه باختلالات مالية. وسكت عندما اتهم العمدة الاستقلالي مجلس الحسابات الجهوي بكونه مخترقا من طرف عناصر إرهابية. ولم يتوقف الأمر فقط عند سكوت الوزير الأول عن هذه الاتهامات الخطيرة التي تمس جهازا يقع تحت مسؤوليته السياسية، بل وصل الأمر إلى حد إعفاء رئيس قضاة هذا المجلس الجهوي من مهامه.
أما الزبيبة التي جاءت لكي توضع فوق كعكة حزب عباس الفاسي، فهي قرارات الحجز التي صدرت ضد عبد الحق التازي رئيس الفريق الاستقلالي في مجلس المستشارين لفائدة سبعة أبناك تتناوب على اقتسام راتب سعادة المستشار الاستقلالي الذي يقود الأغلبية بالغرفة الثانية.
كيف بربكم يريد حزب يقود الحكومة أن يقنع الشعب بأنه يريد تخليق الحياة العامة، وإعطاء النموذج الأصلح في التسيير والمواطنة، وهو يقدم لمجلس المستشارين رئيس فريق لا يؤدي ضرائبه لخزينة الدولة. إن أكبر جريمة في الدول الديمقراطية هي أن تكون لرجل السياسة مشاكل مع مكتب تحصيل الضرائب. وإذا ثبت أنه مدين لخزينة الدولة بمائة أورو فما عليه سوى أن يقرأ الفاتحة على مستقبله السياسي.
ويبدو والله أعلم أن الدروس والمواعظ التي يقدمها لسان حزب الاستقلال كل يوم للشعب لا تسري على «رموز» الحزب الحاليين في الحكومة والبرلمان وعمادة المدن. وكأنهم نسوا قول الشاعر «لا تنه عن خلق وتأت مثله، عار عليك إن فعلت عظيم».
وحتى وزير السياحة السابقة الاستقلالي عادل الدويري، الذي ظل طوال سنوات وجوده على رأس وزارة السياحة يشجع المستثمرين على الركوب معه في قاطرة الاستثمار السياحي، عندما غادر مركب الحكومة المثقوب استثمر أمواله في كل شيء إلا في السياحة. فيبدو أن الفتى عادل أعرف الناس بخروب بلاده بحكم تجربته القصيرة في وزارة السياحة. حتى أنه وضع ثقته في «المسكة» عوض أن يضعها في الفنادق، وشرع في عقد صفقة عبر شركة «موتانديس» التي يدير رأس مالها، مع الشركة المنتجة للشوينغوم بحوالي 200 مليون درهم.
و«المسكة» على كل حال غير مهددة بالأزمة مثل السياحة، بل بالعكس، كلما اشتدت الأزمة كلما ارتفع عدد الراغبين في مضغها بسبب «الغدايد».
وفي المغرب فمستقبل «المسكة» مضمون، خصوصا وأن عباس الفاسي تنتظرنا معه أربع سنوات أخرى من عمر الحكومة. «فاللهم الواحد ينضغ المسكة بالغدايد حسن ليه مياكل جنابو».

0 التعليقات:

إرسال تعليق