السبت، 23 يناير 2010

سعدات اللي عندو جداتو فالعرس

سعدات اللي عندو جداتو فالعرس

في المغرب يمكن أن يشرح لك الجميع أسباب تعيين مسؤول كبير على رأس مؤسسة عمومية، لكن عندما يصدر قرار بإزاحته من منصبه لا أحد يستطيع أن يشرح لك لماذا.
وحتى بعض هؤلاء المسؤولين عندما يتلقون قرار التخلي عن خدماتهم يرفضون تصديق الأمر. وأبرز مثال على هذا النوع هو مدير مسرح محمد الخامس الذي أعفته وزيرة الثقافة من منصبه، فرفض الامتثال لقرار الوزيرة، بل ذهب إلى حد مقاضاتها أمام المحكمة لاستعادة منصبه.
والمثير في الأمر أن مدير مسرح محمد الخامس المعفى من مهامه لم ينتظر قرار المحكمة، بل اكترى سيارة أنيقة الأسبوع الماضي وجاء بها إلى مسرح محمد الخامس، وركنها في المكان نفسه الذي كان يركن فيه سائقه سيارته الرسمية، واقتحم بناية المسرح ودخل إلى مكتبه الذي كان بابه مفتوحا وجلس فوق الكرسي الذي غادره قبل شهر.
وأول شيء قام به المدير «ديال بزز»، هو مناداته على الكاتبة ومطالبتها بجمع كل الموظفين في اجتماع عاجل، سيخبرهم فيه سعادة المدير بأن لا مشكلة شخصية لديه معهم، بل كل مشاكله هي مع وزيرة الثقافة. ولم يفت سعادة المدير أن يستوصي الموظفين خيرا بالشخص الذي يتولى مهام تسيير المسرح مكانه، وقال لهم راجيا «تهلاو فيه حتى نرجع». كانت هذه آخر وصايا المدير قبل أن يأتي رجال الأمن و«يحرروا» كرسي المدير منه، ويطردوه خارج المسرح.
في نظري، هذا الدور هو أحسن دور لعبه نسيب المسناوي في كل مساره المسرحي والسينمائي. لقد مثل دور المدير بالمباشر ونجح في إيهام الموظفين والمستخدمين بأنه عاد من جديد لاستلام زمام الأمور كمدير للمسرح. فقد كان ينقص جمهور لكي يصفق عند انتهاء العرض وإنزال البطل من فوق الخشبة وطرده خارج المسرح.
خلال هذا الوقت، كانت وزيرة الثقافة تكابر من أجل الاستمرار في حضور المجلس الحكومي الأسبوعي. لكن قواها خارت فجأة واضطرت إلى مغادرة المجلس على عجل.
أعتقد أنه من جانب الإنسانية والرأفة، كان يجب إعفاء وزيرة الثقافة من مهامها لكي تستطيع الخضوع للعلاج الذي تحتاجه في ظروف مريحة. والشيء نفسه بالنسبة إلى المستشار الملكي مزيان بلفقيه، الذي يضطر إلى حضور الاجتماعات وآثار العلاج الكيميائي بادية على رأسه.
لكن يبدو أن التوجه العام يميل أكثر نحو إعفاء المسؤولين الذين يتمتعون بصحة جيدة، وترك المسؤولين المرضى الذين يحضرون الاجتماعات ويغادرونها في منتصفها بسبب والإجهاد.
الباكوري مدير صندوق الإيداع والتدبير، مثلا، لم تظهر عليه في أية لحظة علامات العياء، ومع ذلك لم يكن يتوقع أن يجد نفسه فجأة خارج مكتبه بساحة «بلاص بيتري» عن طريق بلاغ مقتضب صدر من باريس في يوم عطلة، ليحل مكانه أنس العلمي مدير البريد، الذي يبدو أن بركة عم والده الحاج محمد بن عبد القادر العلمي أهوير، الذي كان نقيبا للشرفاء العلميين بالزاوية الادريسية بزرهون خلال أكثر من أربعين سنة، قد وقفت معه هذه المرة.
الباكوري لم يفتح فمه بكلمة واحدة لكي يعلق على قرار عزله من منصبه. كما أنه لم يصنع مثل مدير مسرح محمد الخامس ولم يقتحم بناية «السيديجي» ليعتصم بمكتبه رافضا الخضوع لقرار العزل.
بل «كمدها» وسكت. وقد لاحظ الضيوف القليلون، الذين دعاهم الأمير مولاي رشيد إلى حفل عيد ميلاده التاسع والثلاثين مساء السبت الماضي بالرباط، أن الباكوري رجعت فيه الروح وعادت الدماء إلى وجهه عندما تلقى دعوة الحضور إلى عيد ميلاد الأمير. وفي هذا الوقت، كان أنس العلمي بمجرد تسلمه لمنصب مدير صندوق الإيداع والتدبير الجديد يقوم بزيارة مفاجئة لمقر البنك التجاري والسياحي بالدار البيضاء متفقدا مكاتبه وأطره وحتى قاعة الأكل.
وربما تكون هذه الزيارة المفاجئة للبنك الذي عزل الباكوري مديره خالد عليوة قبل أشهر قليلة، رسالة «مشفرة» (من التشفير طبعا) تفيد بأن عزل الاتحادي السابق عليوة على يد الباكوري ربما يكون أحد أسباب إعفاء هذا الأخير.
لكن الدولة لا تفرط في أبنائها، خصوصا الذين أسدوا إليها خدمات جليلة، مثل بعض الاتحاديين السابقين كخالد عليوة والحليمي. فبمجرد ما أعفى الباكوري عليوة من على رأس البنك العقاري والسياحي نزل هذا الأخير نائبا لرئيس مجلس الرقابة بنفس البنك، يعني أن الباكوري أخرجه من الباب فرجع إليه من النافذة.
أما الحليمي الذي ساهم بشكل كبير في تقديم رأس الاتحاد الاشتراكي على طبق من ذهب بين يدي الحسن الثاني زمن التناوب، فقد حصل على مندوبية سامية للتخطيط يحصي فيها منذ سنوات 115 مادة غذائية يستهلكها المغاربة، أضاف إليها هذا الأسبوع الرغيف و«البيرة» و«الروج» و«الويسكي». رغم أن القانون المغربي يمنع استهلاك وترويج هذه المشروبات الكحولية، إلا أن الحليمي قرر إدخالها ضمن لائحة جديدة سماها «مؤشر أثمان الاستهلاك» ليعوض لائحته القديمة التي كان اسمها «مؤشر ثمن الحياة». وربما غير الحليمي من اسم لائحته حتى لا يخلط المغاربة بين «ثمن الحياة» و«ماء الحياة».
وحتى ابن الحليمي، يوسف، الذي اعتقل في قضية بارون المخدرات «بلويدان» تمت ترقيته عندما أطلق سراحه إلى درجة مدير مركزي بالقيادة العليا للدرك الملكي مكلف بالبيئة.
هذا في الوقت الذي يتم فيه عزل مسؤولين كبار دون إعطاء أي تفسير لإنهاء مهامهم، ودون تعيينهم في أية وظيفة أخرى. ببساطة لأن أمثال هؤلاء المسؤولين ليست لديهم «جداتهم فالعرس». وهنا يمكن أن نتساءل عن مصير يونس معمر الذي ضربه «الضو» ذات صباح ووجد نفسه معزولا من منصبه على رأس المكتب الوطني للكهرباء، ليحل محله أحد الفاسيين الفهريين، في الوقت الذي استطاع فيه سليل أسرة بنهيمة عبور المكتب الوطني للكهرباء نحو ولاية الدار البيضاء ومنها إلى رئاسة الخطوط الجوية الملكية، على الرغم من بيعه محطة آسفي الحرارية للأمريكيين في صفقة أسالت الكثير من المداد، لكي تنتقل إلى يد الخليجيين الذين يبيعوننا اليوم الكهرباء الذي تنتجه المحطة بالدقة للنيف.
الذين لديهم جداتهم في العرس لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والفرق بين مدير القناة الثانية نور الدين الصايل والمدير الذي جاء بعده وغادر مثله القناة شبه مطرود، مصطفى بنعلي، هو أن الأول لديه حائط يتكئ عليه اسمه أندري أزولاي والجنرال حميدو العنيكري، ولذلك وجد نفسه بمجرد نزوله من الطابق الرابع من قناة عين السبع جالسا فوق كرسي الرئاسة بالمركز السينمائي المغربي، فيما الثاني وجد نفسه مضطرا إلى مقاضاة القناة الثانية ومطالبتها بتعويض بالملايير عن الطرد التعسفي الذي يقول إنه تعرض له.
الدولة لديها أساليبها في معاقبة المسؤولين الذين يسيئون استعمال سلطاتهم. كما لديها طريقتها الخاصة في إرسال الإشارات الخفية التي يجب على الآخرين التقاطها وقراءتها قبل أن يأتي من يقرأ الفاتحة على قرارات وظهائر تعيينهم.
وفي طنجة، لازال الوالي حصاد ممسكا منذ الخميس الماضي برأسه محاولا تفسير استدعائه على عجل للحضور إلى قصر مرشان، وبقائه لساعات في قاعة الانتظار دون أن يستقبله أحد.
فقد كان للملك ما هو أهم في وجدة، حيث حل بها قادما إليها من طنجة لتدشين مسجد بها والاطلاع على سير ورش الطريق السيار وجدة فاس.
هكذا عاد الوالي حصاد إلى مكتبه بالولاية يجر قدميه وهو لا يعرف ماذا يسبق وماذا يؤخر. ولعل هذه «الدوخة» التي تصيب المسؤولين الكبار ليست سوى الأعراض الظاهرة لمرض قديم اسمه «مرض السلطة»، تبدأ أعراضه بدوار خفيف وتنتهي بإسقاط «صاحب دعوته» خارج المربع الذهبي للسلطة.
هناك من يشفى وتصبح لديه مناعة ويتعود على هذا «السقوط»، وهناك من «يمشي فيها»، مثلما وقع لمدير مسرح محمد الخامس الذي لا يريد أن يصدق خبر إعفائه ويستمر في تمثيل دور المدير ولو«طارت معزة».

0 التعليقات:

إرسال تعليق