الأربعاء، 20 يناير 2010

فضائح عباس

فضائح عباس
رشيد نيني

كل من استمع إلى الوزير الأول عباس الفاسي يجيب على الأسئلة الباردة لمقدم نشرات أخبار القناة الثانية في برنامجه الخاص، والمسجل، أحس بالشفقة لحال الشعب المغربي. فشعب كالذي ننتمي إليه يستحق وزيرا أول أحسن بكثير من هذا الذي لا يستطيع أن يأتي إلى التلفزيون في عز الأزمة لكي يواجه أسئلة الصحافيين، ويكتفي بالمجيء إليه بعد إعلان الهدنة بين الحكومة والنقابات لكي يحاور مقدم أخبار مسالم في جلسة حوار مملة تشبه حوارا للطرشان.
طيلة مدة البرنامج لم يقل عباس الفاسي خبرا واحدا يستحق عليه برنامجا خاصا، ولم يقدم فكرة واحدة تستحق الانتباه. بالعكس، أطلق كذبة كبيرة عندما قال إن المغرب قطع مع عهد «الإنفلات» من العقاب.
ولو أن المغرب قطع فعلا مع عهد الإفلات من العقاب لما كان عباس الفاسي جالسا في الوزارة الأولى، لأن مكانه الحقيقي هو قفص الاتهام أمام القضاء لكي يتحمل نصيبه من المسؤولية في فضيحة «النجاة» التي لازال ضحاياها ينتحرون تباعا.
وفي الوقت الذي كان فيه عباس يتحدث عن نهاية عهد الإفلات من العقاب في المغرب، كانت الصحف تنشر صور نائب عمدة فاس، الاستقلالي شباط الذي يقاسم عباس الفاسي عضوية الأمانة العامة للحزب، وهو يقوم بحملة انتخابية سابقة لأوانها من فوق منبر مسجد حي «لابيطا» بفاس. ورأينا سعادة النائب يلقي في جموع المصلين «موعظته» الانتخابية، مستغلا بيت الله في الدعاية لحزب عباس.
كيف إذن تغلق الداخلية عيونها على هذا الاستغلال الفظيع لحرمة المسجد في القيام بالحملة الانتخابية، وأين هي وزارة الأوقاف التي سمحت لنائب العمدة باستغلال أحد منابرها للدعاية لحزب عباس. أليس هذا عملا منافيا للقانون يستحق عليه من يقوم به المتابعة القضائية بتهمة انتهاك حرمة المسجد والقيام بحملة انتخابية سابقة لأوانها. كيف يريد عباس الفاسي أن يصدق المغاربة بأن عهد الإفلات من العقاب قد انتهى، وهم يرون وزارة الداخلية والأوقاف عاجزتين عن التحرك أمام هذا الاستغلال البشع لأماكن العبادة في الحملة الانتخابية التي لم تنطلق رسميا بعد.
وبما أن عباس الفاسي حريص على عدم «الإنفلات» من العقاب، فهل سيسمح هو وحزبه باستكمال البحث القضائي الذي يجريه وكيل الملك بالعرائش حول اتهام والد طفل قاصر باغتصاب ابنه داخل مقر حزب الاستقلال من طرف أحد مسؤولي كشفية الحزب. هل سيتدخل سعادة النائب البرلماني الذي يمثل مدينة العرائش في البرلمان لكي تخف الضغوطات على والد الطفل القاصر التي ترغبه وترهبه لكي يسحب شكايته للمرة الثانية، بعد أن سحبها في الأول وعاد إلى تأكيدها من جديد.
هل يكلف عباس الفاسي نفسه زيارة هذا الأب المعاق والمحروق في فلذة كبده، بوصفه ممثلا للمدينة في البرلمان وليس بوصفه وزيرا أول، لكي يسأله عن أحواله ويسمع منه روايته للفاجعة التي حلت به وبطفله؟ هل يتواضع عباس البرلماني ويزور أحد مواطني المدينة الذين يمثلهم في البرلمان (الذي لا يحضر إليه سوى أثناء افتتاحه) ويطالع بنفسه الشواهد الطبية التي تثبت تعرض الطفل للاغتصاب المتكرر، وتحدد مدة العجز في عدة أسابيع؟
عندما يتحدث عباس الفاسي في التلفزيون العمومي ويحمد الله على أن «الإنفلات» من العقاب لم يعد موجودا في المغرب، فإنه يكذب على الرأي العام الذي يمول القناة التي يتحدث عبرها. لأن زعيما نقابيا واستقلاليا سابقا اسمه عبد الرزاق أفيلال تتابعه المحكمة بتهمة تبديد المال العام منذ عشر سنوات دون أن يتمكن أي قاض من إحضاره إلى المحكمة. فالرجل استخلص شواهد طبية تثبت إصابته بالعته والخرف وسائر الأمراض الأخرى التي أصبح يدعي الإصابة بها كبار القوم للإفلات من المحاكمة.
هل يستطيع عباس الفاسي أن يشرح لنا لماذا يفلت يوسف التازي من العقاب، ويجتهد أعضاء فريق الوحدة والتعادلية الاستقلالي في مجلس المستشارين لإصدار قرار يقضي بإسقاط المتابعة في حقه؟ هل يستطيع عباس الفاسي أن يشرح لنا لماذا لم يذهب التازي الأب إلى السجن، رغم أنه كان مدينا لسبعة بنوك بديون خرافية؟ ولماذا لم يذهب عرشان إلى السجن بسبب ضرائبه التي لم يؤدها للدولة والتي أصبحت تقتطع من رابته البرلماني؟
هل يعرف عباس أنه عندما كان يحمد الله في التلفزيون على انتهاء عهد الإفلات من العقاب في المغرب، كانت سيدة تدعي قرابتها بالقصر، تطارد محامية رفقة رجالها المدججين بالبنادق في شوارع خنيفرة، وعندما أمسكوا بها «شرطوها» بالسكاكين. وهي الآن ترقد في المستشفى بانتظار إجراء عملية جراحية على العمود الفقري. هل يضمن عباس الفاسي لهذه المحامية حقها في الدفاع عن نفسها ضد هذه السيدة الخارجة عن القانون هي ورجالها، والتي لم تستدع الشرطة والدرك أي واحد منهم للاستماع إليه إلى حدود كتابة هذه الأسطر.
إن أهم شيء كان على عباس أن يعترف به في البرنامج الخاص الذي صمم على «شرفه»، ليس هو جلوسه إلى طاولة الحوار مع النقابيين لتوقيف الإضراب. بل ما فضحه أحد النقابيين الذين حضروا جلسة الحوار مع عباس ووزيره «الشطيطيح» كريم غلاب الذي «تقاضات ليه الهضرة» وجلس بجانب عمه عباس صامتا كتلميذ كسول.
فقد اعترف محمد الحراق، الكاتب العام للنقابة الوطنية للنقل الطرقي، بأن نقابته قدمت لعباس الفاسي خلال لقائهما به وعدا بالتصويت على حزب الاستقلال شرط أن يجمد المدونة. فقد فهم محمد الحراق «رأسه» عندما قال لهم عباس الفاسي في اللقاء إن رئيس دولة استطاع أن ينجح في الانتخابات بفضل مدونة مثل مدونة السير التي يدافع عنها غلاب.
هذه فضيحة سياسية بكل المقاييس. فعباس يفاوض بالمدونة، ويلمح إلى إمكانية تجميدها مقابل التصويت لحزبه في الانتخابات المقبلة. وجواب الكاتب العام للنقابة الوطنية للنقل الطرقي كان واضحا، فقد قال لعباس «إذا سحبت المدونة فسنصوت على حزبك».
ويبدو أن عباس لم يتعظ بفضيحة «النجاة» التي استغلها حزب الاستقلال، عندما كان عباس وزيرا للشغل، في الانتخابات أبشع استغلال. فقد كان مفتشو الحزب في المدن هم من يتولون توزيع عقود العمل على الشباب الراغبين في العمل، وكانوا يقايضونهم بالعقود على أصواتهم وأصوات عائلاتهم في الانتخابات لصالح حزب الاستقلال.
وهاهو اليوم عباس الفاسي يقايض نقابات النقل بأصوات أعضائها مقابل تجميد المدونة و«تغميلها» في أدراج مجلس النواب. لقد كشف عباس عندما قال إن تطبيق المدونة في أحد البلدان كان السبب في نجاح رئيس دولة في الانتخابات أن هاجس حزب الاستقلال من وراء تطبيق المدونة ليس المحافظة على أرواح المواطنين في طرقات المملكة، وإنما المحافظة على مقاعد وزرائه في الحكومة.
لأنه لو أراد فعلا المحافظة على أرواح المواطنين، لكان ضاعف ميزانية وزارة الصحة لكي تستطيع توظيف ممرضين وأطباء ومسعفين، خصوصا وأن القطاع الصحي يشكو من خصاص يقدر ب15000 في صفوف الممرضين و8000 في صفوف الأطباء. لو أراد عباس فعلا المحافظة على أرواح المواطنين لاشترى المزيد من سيارات الإسعاف المجهزة بوسائل الإنقاذ للتقليل من ضحايا حوادث السير الذين يموتون في الطرقات بانتظار وصول سيارات الإسعاف المتهالكة والمفتقرة إلى أبسط معدات النجدة.
عباس يريد أن يقنعنا بأن أرواح المغاربة ثمينة بالنسبة إليه، ولذلك يريد المحافظة عليها بالمدونة. والحال أن الجميع يعرف أن حرص الوزير الأول على التقليل من ضحايا حوادث السير سببه احتلال المغرب لرتب متدنية في التصنيف العالمي للبلدان الأكثر جاذبية سياحيا بسبب أعداد قتلى حوادث السير كل يوم. مما يؤثر على عائدات السياحة في الخزينة العامة.
ولو كانت أرواح المغاربة تهم الوزير الأول لكان حافظ عليها في مستشفيات وزيرته ياسمينة بادو، ففي غرف انتظارها وأمام أبوابها تزهق أرواح العشرات منها كل يوم دون أن يرف جفن لا للوزير الأول ولا لوزيرته الضاحكة دائما.

0 التعليقات:

إرسال تعليق