الأحد، 15 نوفمبر 2009

الحاضي الله

الحاضي الله

الآن بعد أن حصل المغرب على وضع القانون المتقدم في الاتحاد الأوربي، عليه أن يطلب مساعدة عاجلة من دول الاتحاد في ما يتعلق بالأمن ومكافحة الجريمة والمخدرات. وعلى وزير الداخلية شكيب بنموسى أن يستغل وجود وزيري داخلية فرنسا وإسبانيا في الرباط هذه الأيام لكي يطلب منهما مساعدته على وضع مخطط مستعجل لإعادة الأمن إلى أحياء المدن المغربية.
فيبدو الآن واضحا أن الدولة عاجزة عن وضع حد للتسيب الأمني في كثير من المدن الكبرى، والتي يعول عليها الاقتصاد الوطني لكي تجر قاطرة السياحة، كفاس ومراكش وطنجة والرباط والدار البيضاء.
ويكفي أن نرى كيف اعتقلت الشرطة في مراكش بداية هذا الأسبوع أصغر زعيم عصابة في العالم عمره لا يتعدى عشر سنوات، يتسلح بسيف أطول منه، لكي نفهم أن الجريمة أصبحت رياضة وطنية يمكن مزاولتها في كل الأعمار. من كثرة ما أصبح المجرمون والمبحوث عنهم يتحكمون في أحياء كاملة ويأخذون سكانها رهائن، صاروا لا يخشون رجال الأمن ومسدساتهم، وصاروا لا يتورعون عن مهاجمتهم بالسيوف والغازات المسيلة للدموع.
والمغرب لا يستحق دخول كتاب غينيس للأرقام القياسية بسبب زعيم عصابة مراكش الذي لا يتعدى عمره عشر سنوات، وإنما يستحق دخول كتاب الأرقام القياسية بسبب الطرق الجهنمية غير المسبوقة التي أصبح اللصوص يستعملونها لنهب ضحاياهم.
وآخر هذه الطرق هي الاستعانة بسراق الزيت و«الطوبات» لسرقة الفتيات والنساء اللواتي يقدن السيارات. وفي كثير من شوارع وأزقة الدار البيضاء يستغل هؤلاء اللصوص وقوف الفتيات والنساء بسياراتهن عند الإشارات الضوئية فيرمون داخل السيارة من زجاجها المفتوح خنشة من سراق الزيت أو الطوبات (حسب النوع الحيواني المتوفر ذلك اليوم في السوق). وبمجرد ما ترى صاحبة السيارة جحافل سراق الزيت تزحف في كل الاتجاهات أو قطيعا من الطوبات تتقافز فوق «الطابل دوبور» و«الكوسانات» (كل طوبة يا طوبة) حتى يطير صوابها وتقفز خارج سيارتها هاربة بجلدها تاركة مفاتيح السيارة وحقيبة اليد وكل ما بداخلها من هواتف وحافظة نقود وغيره من الممتلكات الخاصة.
فالنساء عموما وفي كل الدنيا لديهن خوف تاريخي من الصراصير والجرذان، وهناك من النساء من يحرم عليها صرصار تافه دخول المطبخ لأيام. كما أن هناك من تغادر بيتها وتتركه بسبب جرذ سخيف يتسلى بحرق أعصابها. فما بالك بخنشة من الصراصير والجرذان تنهال على إحداهن دفعة واحدة داخل سيارة مغلقة. إن مجرد تخيل هذا المنظر يجعل لحم الواحدة «يتشوك».
لذلك فالنصيحة التي يجب على كل النساء اللواتي يقدن سياراتهن في شوارع المملكة هي أن يحكمن إغلاق زجاج نوافذهن جيدا. وما على اللواتي يعانين من رهاب الأماكن المغلقة سوى تربية «مش» أو «مشيشة»، حسب الاختيار، وحملها معهن داخل السيارة تحسبا لنزول هؤلاء الضيوف المزعجين عليهن «على غفلة».
والكارثة أن اللصوص في المغرب أصبحوا «مفششين» ويتشرطون على ضحاياهم ويتخيرون في ما ينهبونه منهم. فقد أصبحوا لا يرضون بسرقة الهواتف النقالة القديمة، وإذا وقعوا على مواطن يملك واحدا من تلك «البورطابلات العيانة» والتي لا يتعدى ثمنها مائتي درهم، يشبعونه ضربا ويرشمون له حنكه بعلامة «النايك»، حتى يتعلم «طاسيلتو» في المرة المقبلة أن يحمل معه هاتفا متطورا يمكن أن «يحمر» لهؤلاء اللصوص وجوههم أمام زملائهم إذا ما أخذوا الهاتف للسويقة لإعادة بيعه.
ونصيحتنا للجميع في هذه الأيام الصعبة هي أن يحملوا معهم قبل خروجهم من البيت، تحسبا للطوارئ، هواتف «تحمر» الوجه، خصوصا إذا كانوا يريدون العودة إلى بيوتهم في المساء ووجوههم خالية من آثار «التحناك».
قد يبدو الأمر كما نصوره مضحكا بالنسبة لوزير الداخلية والمدير العام للأمن الوطني، المسؤولان المباشران عن التردي الأمني الذي وصل إليه المغرب، لكن ماذا يمكن أن نصنع لكي يفهما أن المواطنين أصبحوا يشعرون بالخوف كلما وضعوا أرجلهم خارج بيوتهم. وكما قال الشاعر فشر البلية ما يضحك. لكنه، وكما قال شاعر آخر، ضحك كالبكاء.
فمن جهة نقرأ كل يوم عن مهاجمة مجرم أو عصابة لرجال الأمن، تنتهي بالمجرم في المقبرة وتنتهي برجال الأمن في المستعجلات. ومن جهة نقرأ عن تورط بعض رجال الأمن أنفسهم في العمل لصالح العصابات. فهذا ضابط صف بالجيش في الدار البيضاء تعتقله الشرطة القضائية بتهمة المشاركة ضمن عصابة لسرقة السيارات. وهذان رجلا أمن في الدار البيضاء يعتقلهما زملاؤهما منذ أسبوعين بتهمة ابتزاز سياح أجانب في كورنيش عين الذياب.
فأصبح المواطن المسكين «ماحيلتو يحضي راسو» من المجرمين «ما حيلتو يحضي راسو» من بعض رجال الأمن.
والمصيبة أن رجال الأمن في بعض المدن أصبحوا عاجزين عن اقتحام الأحياء التي يتحصن فيها المجرمون المبحوث عنهم، بدعوى أن هؤلاء المجرمين مسجلين خطر. ويبدو أن قوات الأمن عندما حطمت بيوت المواطنين في سيدي إفني واقتحمت عليهم غرف نومهم واعتقلت المبحوثين عنهم المسجلين لدى الداخلية «خطر» بسبب أفكارهم ومواقفهم، لم يساورها الخوف. بل شربت حليب السباع وجندت ثلاثة آلاف رجل لحماية أمن الميناء ومستثمريه. أما عندما يتعلق الأمر بحماية أمن المواطنين في المدن فإن جهاز الأمن يصبح عاجزا وخائفا من سيوف المجرمين المسلولة.
ومن خلال الوضع المتقدم الذي أحرز عليه المغرب مع الاتحاد الأوربي، لا شك أن المغرب وقع على تعهدات في ما يخص الالتزام بمحاربة الإرهاب، إلى جانب تعهدات أخرى يعلم وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري خباياها.
ورجاؤنا هو أن يعتبر المغرب حربه ضد التسيب والتدهور الأمني نوعا من أنواع محاربة الإرهاب. فالمواطنون أصبحوا مرهوبين وخائفين على أنفسهم وعلى حياة أطفالهم وبناتهم. إن ما أصبحت تعيشه بعض أحياء المدن الكبرى من مواجهات بين المجرمين وتجار المخدرات ورجال الأمن والمواطنين أشبه ما يكون بحرب شوارع مفتوحة، تستحق إعلان بعض الأحياء مناطق «محررة» من طرف هؤلاء العصابات.
إن الإرهاب الحقيقي هو عندما يفقد الإنسان الشعور بالأمن وهو عائد إلى بيته في المساء، خوفا من أن تعترض سبيله عصابة من المجرمين شاهرين سيوفهم. والإرهاب الحقيقي هو عندما يتجنب الإنسان قيادة سيارته خوفا من أن يرمي أحدهم من فوق القنطرة مقلعا من الأحجار، أو أن يضعوها في طريقه لكي تنقلب به السيارة فيسارعوا إلى سرقته بينما هو يتلوى من الألم أو يحتضر.
في سورة «قريش» يقول الله تعالى «لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ». فالأمن من الخوف في القرآن يأتي مباشرة بعد الأمن الغذائي. وعندما رأيت كيف أن ميزانية السنة المقبلة تضع في اعتبارها زيادة ميزانية التعليم والصحة والقضاء تساءلت لماذا لم يتم التفكير في زيادة ميزانية الأمن. فلا معنى للزيادة في ميزانيات كل هذه القطاعات، على أهميتها، إذا لم يقترن ذلك بزيادة ميزانية الأمن الوطني. فالأمن الجسدي أهم شيء بعد الأمن الغذائي. ولكي نفهم ذلك ما علينا سوى أن نتأمل المسيرات الاحتجاجية التي أصبحت تخرج في المدن، لكي نفهم أنها كلها تطالب الدولة بالأمن. مما يعني أن الشعب يعاني من إرهاب إجرامي حقيقي غير مسبوق في حقه، يفوق الجرائم التي تم اقترافها ضده طيلة ثلاثين سنة على مستوى التعليم والصحة والقضاء.
فهل فهمت وزارة الداخلية الرسالة، أم أنها تنتظر حتى يتحول المغرب إلى «أخطر دولة في العالم»، مادام شعار «أجمل دولة في العالم» أصبح اليوم ضربا من الخيال.


إلى عناية قرائنا الأعزاء:

لوحظ في الفترة الأخيرة أن مجموعة من الأشخاص ينتحلون صفة مدير هذه الجريدة، رشيد نيني، ويروجون صفحات في موقع «الفايس بوك» والمدونات والمواقع الخاصة على أساس أنها صفحات خاصة برشيد نيني. والأخطر من ذلك أنهم يقومون باختلاق أحاديث وهمية وخلق علاقات مشبوهة مع مرتادي هذه الصفحات والمواقع تحت اسمه وصورته.
وتود إدارة «المساء» إخبار عموم مرتادي موقع «فايس بوك» والمدونات والمواقع الالكترونية الخاصة أن رشيد نيني ليست لديه أية صفحة أو مدونة أو موقع خاص به. وأن كل المواقع والصفحات والمدونات التي تحمل اسمه وصورته هي مواقع وصفحات ومدونات ينتحل أصحابها صفته. ولذلك يخلي رشيد نيني مسؤوليته من كل سوء تصرف أو استغلال لصورته واسمه للنصب أو استدراج مرتادي الشبكة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق