الجمعة، 15 يناير 2010

رسائل تنتظر من يتسلمها


رسائل تنتظر من يتسلمها
رشيد نيني
بمجرد ما اكتشف الرئيس الأمريكي الجديد أن عنصرين من فريقه الحكومي لديهما مشاكل مع مصلحة الضرائب حتى طلب منهما تقديم استقالتهما من منصبهما. ولم يكتف بذلك، بل أعلن في حوار صحافي أنه يتحمل مسؤولية هذا الاختيار الخاطئ، وقال بدون أن «يرمش» أنه «طبز لها العين» عندما اختار كمستشار في الصحة رجلا لديه مشاكل مع الضرائب، وعندما اختار للسهر على ترشيد النفقات سيدة لديها في ذمتها ديون عالقة. فالضرائب مقدسة في أمريكا، وكل سياسي يتهرب من دفعها يغامر بسمعته ومستقبله السياسي. خصوصا في هذه الأزمنة الاقتصادية الصعبة التي تتوجه فيها الأنظار كلها إلى خزائن الدولة. عندنا في المغرب، تحدثت كل الصحف تقريبا عن تهرب عضو فريق الأغلبية في مجلس المستشارين، الاستقلالي التازي، من دفع ديونه المتراكمة والتي تطالبه بها سبعة بنوك مغربية. وقد ذهبت هذه البنوك إلى حد مقاضاته والحصول على قرار من المحكمة بالحجز على راتبه الذي يصرفه له مجلس المستشارين. ومع ذلك لم يتحرك حزب الاستقلال الذي يقود الحكومة، لاتخاذ قرار واضح في حق هذا المستشار الذي حجزت المحكمة على راتبه. وإذا كان عباس الفاسي الوزير الأول الاستقلالي لا يضايقه في شيء أن يكون أحد أعضاء حزبه الممثلين في الغرفة الثانية، رجلا يتهرب من دفع ديونه وضرائبه، فإن الأمين العام لحزب الحركة الشعبية لا يضايقه هو أيضا أن يكون أحد أعضاء مكتبه السياسي الذي تحمل خلال حكومة جطو حقيبة الطاقة والمعادن، مطالبا اليوم من طرف المحكمة بإرجاع حوالي ثلاثين مليون سنتيم بددها بوطالب على أسفاره ورحلاته عبر العالم عندما كان وزيرا. وبين الرئيس الأمريكي الذي يطالب وزيريه بالاستقالة لأنهما لم يدفعا ضرائبهما للدولة، وبين الوزير الأول المغربي الذي يغمض عينيه عن نائب بحزبه في الغرفة الثانية لم يدفع ديونه وضرائبه، والكاتب العام للحزب الذي يقبل بقاء أحد أعضائه رغم ثبوت تبديده للمال العام خلال ولايته الحكومية، فرق كبير وشاسع، هو الفرق نفسه بين من يحترم العمل السياسي ويقدر الرأي العام حق قدره، وبين من يساهمون في تحقير العمل السياسي وازدراء الرأي العام وتسفيهه. ولعل عباس الفاسي الذي دشن دخوله الحكومي بإعطاء هدايا ضريبية للشركات الكبرى والبنوك و«نزل» على الطبقة الوسطى بزيادات على ضريبة «الليزينك» وفي أسعار الأدوية والمواد الغذائية، مدعو لتأمل خطاب الرئيس الأمريكي الذي دشن دخوله الحكومي بانتقاد شديد اللهجة للمنح السنوية المرتفعة التي حصل عليها موظفو بورصة «والت ستريت»، والتي وصلت إلى 18،4 مليار دولار سنة 2008. ففي الوقت الذي صدق الأمريكيون رئيسهم السابق جورج بوش الذي طالبهم بتفهم مساعدة البورصة من أموال دافعي الضرائب، اكتشفوا أن جزءا من هذه المساعدات تم توزيعه كمنح على مستخدمي البورصة. ولذلك قرر الرئيس الأمريكي وضع سقف محدد لرواتب «الباطرونات» ومدراء الشركات الكبرى، وفاء لتعهداته الانتخابية السابقة. هذه الدروس الأمريكية يجب أن تستفيد منها الطبقة السياسية المغربية، وخصوصا الحكومية، لكي تفهم أن إعادة الاعتبار للعمل السياسي وإعادة الثقة للمواطن في رجل السياسة مسألة تتعلق بالسياسيين أكثر من غيرهم. عندما يتعهد مرشح لرئاسة الحكومة بدعم الطبقات الشعبية والوسطى وينجح في الوصول إلى السلطة، فعليه أن يفي بوعوده. لا أن يصنع مثلما صنع عباس الذي ظل يعد هو وحزبه طيلة الحملة الانتخابية بالوقوف إلى جانب الطبقات الشعبية، وعندما جلس على كرسي الوزير الأول انتقم من الطبقة الشعبية شر انتقام ووقف إلى جانب البنوك والشركات الكبرى التي يسيرها الدائرون في فلك «الحكومة الفهرية». علينا أيضا أن نتأمل طريقة تعامل الأمريكيين حكومة وإعلاما وشعبا مع الطيار الذي أنقذ حياة جميع ركاب الطائرة التي كان يقودها. فقد أصبح خبر هبوط طائرة «الإيرباص» الاضطراري وعلى متنها 155 مسافرا فوق مياه نهر «هودسن» بنيويورك الخبر الثاني من حيث الأهمية في وسائل الإعلام بعد خبر تعيين الرئيس الأمريكي الجديد. فقد أصبح قائد الطائرة بطلا قوميا وتم استدعاؤه إلى حفل تنصيب الرئيس، ومنحته مدينة نيويورك مفاتيحها كاعتراف رمزي ببطولته وشهامته التي أنقذت حياة 155 راكبا. أما المدرسون ورجال التعليم في الأقسام الابتدائية فقد استغلوا هذا الحادث الفريد في ترغيب وتشجيع التلاميذ على الدراسة لاختيار شعبة الملاحة الجوية في المستقبل. كما استغل رسامو القصص المصورة ومخترعو ألعاب الفيديو هذا الحادث في تصميم وألعاب وتأليف قصص تجعل من قائد الطائرة بطلا وقدوة للأجيال الصاعدة. عندنا في المغرب تحول الشاهد الرئيسي في تفجيرات سيدي مومن الذي سلم حقيبة لم تنفجر عبواتها الناسفة للأمن، والذي كان السبب الرئيسي وراء القبض على أحد الانتحاريين المتورطين في تلك التفجيرات، إلى لاجئ بأحد بدار للعجزة في تيط مليل، بعد أن رفضت السلطات تمكينه من العلاج بمستشفى لائق. هنا في المغرب، تابع الجميع عبر وسائل الإعلام كيف ضحى الإطفائي البطل المرحوم حسن الغاوي بحياته واقتحم اللهب لكي يخمد حريق معمل الملياردير التاجموعتي بفاس. وكيف أصيب البطلان القائد الجهوي للوقاية المدنية الحسن الطالب والرقيب ميمون أمهاون بحروق وعاهات مستديمة عندما اقتحما مكان الحريق لأداء واجبهما المهني والأخلاقي. ورغم أن هؤلاء الأبطال غامروا بحياتهم وضحوا بمستقبلهم من أجل إنقاذ المعمل وإخماد الحريق، فإن الجميع نسي بطولتهم. فليس هناك مقرر لوزارة التربية الوطنية سيتذكرهم بمجرد نص قصير يتحدث عن بطولتهم ويعطي للأجيال القادمة نموذجا يقتدى به، وليس هناك نصب تذكاري في ساحة عمومية بفاس يلتفت إلى رمزية العمل البطولي الذي قاموا به. فعمدة المدينة منشغل بترخيم شارع محمد السادس ونافوراته، وليست لديه قطعة صغيرة من الرخام يكتب فوقها اسم شهيد الواجب المرحوم حسن الغاوي ويعلقها في ساحة عامة ليتذكر أهل المدينة بطلهم ويترحموا على روحه. مع أن هؤلاء الإطفائيين الأبطال لا يستحقون من عمدة المدينة أن يسجل أسماءهم في قطعة من الرخام، بل يستحقون أن يقيم لهم حفل تكريم يسلمهم فيه مفاتيح فاس، ولم لا مفاتيح شقق يسكنون فيها هم وعائلاتهم إذا كانوا لا يملكون سكنا خاصا، اعترافا بشهامتهم وتفانيهم في أداء الواجب. وحتى نبقى في فاس، قرأت بحزن رسالة «الخراز» الفاسي والد الشاب المعتقل بتهمة عرقلة الموكب الملكي، والذي ينتظر محاكمته بسبب الرسالة التي حاول إيصالها إلى الملك خلال زيارته الأخيرة لفاس. وتذكرت حادث إعفاء أحد أعضاء الفرقة التي أدت التحية الرسمية خلال حفل تنصيب أوباما، بسبب تجرؤ هذا العضو على خرق البروتوكول وتحية الرئيس بإشارة من يده. لا أحد اعتقله على ما قام به ولا أحد حاكمه، كل ما في الأمر أن الإدارة التي يشتغل معها قررت فصله عن العمل بسبب خطئه المهني الموجب للطرد. عندنا بمجرد ما أخرج الشاب العاطل والمريض رسالته من جيبه لكي يسلمها للملك «طار» عليه الحرس الخاص وسلموه لمخفر الأمن حيث حرروا له محضرا بتهمة عرقلة الموكب الملكي. كل ما كان يريده هذا الشاب هو أن يشرح للملك أنه يعاني من «الفتق» ويحتاج أربعة آلاف درهم لإجراء عملية جراحية. وأن سقف بيتهم يقطر عليهم، وأن والده «الخراز» ينتظر منه أن يحصل على وظيفة حتى يساعده على إعالة اثني عشر أخا وأختا يعيشون جميعهم في بيت لا تتعدى مساحته أربعة أمتار مربعة. هذا كل ما في الأمر. فهل يستحق هذا الشاب اعتقاله ومحاكمته وإرساله إلى السجن فقط لأنه فقير ومريض. إن الذين يستحقون المحاكمة بتهمة عرقلة الموكب الملكي هم أولئك المسؤولون الذين يقفلون أبوابهم في وجه شكاوي المواطنين ومظالمهم، فلا يتركون لهم من حل إلا انتظار المواكب الملكية لإيصال رسائلهم. الذين يعرقلون المواكب الملكية ليسوا هم أولئك الفقراء والمظلومين الذين يقفون بانتظار الملك لكي يسلموه رسائلهم، وإنما هم أولئك المسؤولون الذين يصمون آذانهم عن سماع شكاوي المواطنين ومظالمهم. فهم الأجدر بالمحاكمة بتهمة عرقلة مصالح الشعب.

0 التعليقات:

إرسال تعليق