الجمعة، 15 يناير 2010

عاشت الأزمة

شـــوف تـــشـــوف


عاشت الأزمة
رشيد نيني
الجميع كان يستغرب لماذا فعل فتح الله والعلو، وزير المالية والخوصصة الاشتراكي السابق، لعشر سنوات متواصلة، كل شيء لكي يعرض أغلب مؤسسات المغرب العمومية للبيع في المزاد العلني. والجميع أيضا كان يتعجب متسائلا لماذا فعل أستاذ الاقتصاد السابق المدافع في البرلمان عن الطبقات الشعبية كل ما بوسعه لكي يفرض الضريبة على القيمة المضافة عندما وصل إلى الحكومة على كل شيء يتحرك في المغرب. وكما يقول المثل «إذا ظهر السبب بطل العجب»، وهاهو سبب كل ما قام به وزير الاقتصاد والمالية والخوصصة طيلة حكومتين متعاقبتين يظهر اليوم. فقد قال والعلو في إحدى ندواته أنه يحب الأزمة. وربما لذلك قرر مع رفاقه في الاتحاد الاشتراكي قبول المشاركة في حكومة التناوب عندما أعلن الراحل الحسن الثاني أن المغرب يوجد على حافة الأزمة القلبية. من حق والعلو أن يحب الأزمة، فليس هو من ينزل إلى الأسواق كل يوم لكي يشتري خبز أبنائه اليومي ليكتشف أن ثمنه قد زاد عن الأمس. وليس هو من يذهب لشراء الدواء فيكتشف أنه حذف من لائحة الأدوية التي يتم تعويضها في «الكنوبس». ويبدو أن عشق الأزمة ليس «بلية» مقتصرة على والعلو بمفرده، بل إن عدواها انتقلت إلى الحزب ككل. وهاهما الاتحاد الاشتراكي والاستقلال ينجحان في خلق أزمة سياسية وحكومية تسبب فيها حوار أعطاه عباس الفاسي لجريدة محلية. ويبدو أننا الآن فهمنا لماذا ظل عباس يقاطع الصحافة المحلية، فهو يعرف أن «فمو مقطع ليه الفران»، ولا يستطيع التحكم في انفعالاته. وهكذا «ما مشا حتى دارها ليه فمو»، وكان أحسن لو بقي محافظا على صمته. فماذا قال عباس حتى كشر الاتحاد الاشتراكي عن أنيابه البلاستيكية التي يعوض بها أنيابه العاجية التي سقطت بعد أن أكلتها سوسة «المخزن». قال عباس بأن الاتحاد الاشتراكي شريك في الحكومة وبالتالي فإن «الحصلة» الحكومية التي ينتقدها هي أيضا «حصلته»، حتى لا نقول حصيلته. ومعنى ذلك بالعربية «تاعرابت»، أن الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال يوجدان معا في المستنقع، ولذلك فلا معنى لمحاولة الاتحاد الاشتراكي الصعود على أكتاف عباس للخروج منه والوقوف مع الشامتين والمنتقدين والمتفرجين. كلام عباس فيه قدر كبير من الواقعية. وكما قال «جون بيير شوفينمون» وزير الداخلية الفرنسي في حكومة «ليونيل جوسبان»، «الوزير إما أن يغلق فمه أو يستقيل». وفي حالة وزراء الاتحاد الاشتراكي في الحكومة، فلا هم يريدون إغلاق أفواههم ولا هم يريدون تقديم استقالتهم. وكل ما يقومون به هو تبادل الأدوار مع رفاقهم في المكتب السياسي الذين يبصقون في «الصوبا» نفسها التي يأكل منها وزراؤهم في الحكومة. وإذ كان وزراء الاتحاد لا يرغبون في مغادرة كراسيهم الوثيرة في الوزارات مثلما لا يرغبون في إغلاق أفواههم التي انفتحت على مصراعيها فجأة على بعد أشهر قليلة من الانتخابات الجماعية، فإن وزيرا مهذارا (زعما فيه قوة الهضرة) مستعد من جانبه لتقديم استقالته. فقد قال وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الناصري لإحدى الجرائد أنه مستعد لتقديم استقالته «إذا ثبت أن المغرب يعرف تراجعا في حرية الصحافة». وذهب إلى القول بأنه «لا يوجد في المغرب صحافي يزج به في السجن بسبب أفكاره». ونسي سعادة الوزير التقدمي أنه في عهده تم الحكم بالإعدام على جريدة اسمها «المساء»، ولازال الحكم ساري المفعول إلى اليوم، نحاول كل يوم إبعاد حبل المشنقة عن أعناقنا حتى نظل أحياء لمزيد من الوقت. نعم سعادة الوزير، لم يصدر في عهدكم أي حكم بالسجن ضد أي صحافي، لكن صدر في عهدكم حكم بالإعدام في حق صحيفة يأكل منها 130 مواطنا خبزهم اليومي. وإذا نسي الصحافي الذي أجرى معكم الحوار تذكيرك بهذه الجريمة القضائية، فاسمح لنا بأن نذكرك بها نحن، وإذا كانت ذاكرة البعض قصيرة إلى هذا الحد فنحن لسنا مستعدين لنسيانها بكل هذه السرعة المريبة. وبما أن وظيفة خالد الناصري الحكومية هي «تابراحت»، أي الصراخ في كل المجالس والمجامع والجرائد بـ«خبار الخير» التي تريد الحكومة إيصالها إلى الرأي العام، فقد نفد صبره وهو يرى «بولحية ديال الأشعري» يشهر لسانه السليط من غمده الذي نام فيه لعشر سنوات، مطالبا بالملكية البرلمانية والحق في انتقاد الحكومة. فأدخل الناصري «شريحتو فالشريط» وقال منتقدا الأشعري وبقية الرفاق الذين شربوا حليب السباع: «إن بعض الأحزاب التقدمية تحن إلى خطاب المعارضة الذي يتأقلم مع نوع من الكسل الفكري». وهذا الحنين كشف عنه بعض أعضاء المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي الذين قضوا عشر سنوات في حكومة اليوسفي وجطو، وخرجوا مهزومين خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة. هؤلاء الوزراء والبرلمانيون الاتحاديون «المكردعين» يعيشون فترة فطام قاسية، بعد أن تعودوا على «بزولة» الحكومة والبرلمان، ولسان حالهم يقول «ما سخينا يالالة ما سخينا بالبزيزيلة». وإذا كان خالد الناصري «التقدمي» قد اختار موقعه إلى جانب عباس الفاسي الاستقلالي الرجعي في نظر الفكر الشيوعي الذي تربى عليه الناصري، فإن رئيسه في الحزب، إسماعيل العلوي يقترح نفسه كوسيط لإنهاء التشنج بين الاتحاد والاستقلال. بمعنى «الناصري يكوي ومولاي اسماعيل يبخ». ولو كان الاثنان معا لم يستطيعا أن ينهيا التشنج الذي يعيشه صحافيو جريدة «بيان اليوم» الناطقة بلسان حزبهما «التقدمي». والكارثة هي أن يتشدق الناصري وزير الاتصال بالوضعية المتقدمة لحرية الصحافة في المغرب، في الوقت الذي يشتغل فيه صحافيو الجريدة الناطقة بلسان حزبه حاملين الشارة الحمراء احتجاجا على أوضاعهم الاجتماعية والمهنية المزرية داخل المؤسسة الإعلامية التي يشتغلون بها. وإذا كان الصحافي الذي حاور سعادة الوزير نسي أن يطرح عليه هذه الإشكالية، فليسمح لنا بتذكيره بأن مدير مكتب جريدة «بيان اليوم» بالرباط، والذي ظل يشغل هذا المنصب لسنوات، تم الاعتداء عليه أمام باب وزارة الاتصال التي يحمل حقيبتها وزير ينتمي إلى الحزب نفسه الذي يصدر «بيان اليوم». ولتبرير هذا السلوك العدواني تجاه أحد أفراد أسرة تحرير «بيان اليوم» قالت الوزارة أن المعني بالأمر ليس صحافيا وإنما هو «صانع أسنان». يعني أنه تابع لوزارة الصناعة التقليدية وليس لوزارة الاتصال. بحكم أن صانعي الأسنان تابعون مهنيا لوزارة الصناعة التقليدية وليس لوزارة الصحة، فالحكومة عندنا يستوي عندها فم المواطن مع الشربيل. وهكذا فالناصري ينطبق عليه المثل المغربي الذي يقول «خلاتو ممدود ومشات تعزي فمحمود». وعوض أن يتوقف وزير الاتصال عن إعطاء الدروس النظرية حول حرية الصحافة والمهنية وطريقة تسيير المقاولة الصحافية العصرية، كان عليه أن ينكب أولا على الوضعية المزرية لصحافيي جريدة حزبه. ولكي نبرهن للناصري على أن التضييق على الصحافة انتعش في عهده، نذكره فقط بالطريقة المهينة التي تصرف بها المكتب السياسي لحزبه مع الصحافي الذي أنجز حوارا مع عبد الله القادري نشرفي جريدة الحزب قال فيه القادري في الهمة ما لم يقله مالك في الخمر. فتبرأ الحزب من الصحافي والجريدة والحوار والقادري، وفضلوا الوقوف إلى جانب حزب بيد الله عوض الوقوف إلى جانب الجريدة التي تنطق بلسانهم. الشئ نفسه قامت به إدارة جريدة «ليبيراسيون» التي تنطق بلسان الاتحاد الاشتراكي، عندما طردت الصحافي عزيز الوديع الذي اشتغل معها طيلة عشر سنوات، بسبب حضوره أشغال مؤتمر «الأصالة والمعاصرة». ويبدو أن «الرفاق» في إدارة الاتحاد الاشتراكي دخلهم الشك في عزيز الوديع، وتساءلوا عن سبب منع جميع صحافييهم من حضور مؤتمر الهمة والسماح لأخ صلاح الوديع وحده بالحضور «من دون لخرين». هؤلاء إذن هم الوزراء التقدميون الذين يعطون الدروس للمغاربة كل يوم في احترام قانون الشغل والأعراف المهنية والأخلاق. يطردون صحافييهم بدون مبررات مهنية مقبولة، ويحرمونهم من حقوقهم الاجتماعية البسيطة، مع أن جرائدهم تعيش بفضل أموال دافعي الضرائب على شكل منح سنوية يأخذونها منذ عشرات السنين. صحافيو جريدة وزير الاتصال يشتغلون بالشارة الحمراء، وبعد كل هذا يجد سعادة الوزير الجرأة الكافية لكي يقول بأنه مستعد لتقديم استقالته إذا ثبت أن هناك تراجعا في مجال الصحافة بالمغرب. نهمس في أذن وزير الاتصال مذكرين بما قاله «شوفنمان الله يذكرو بيخير»، الوزير إما أن يغلق فمه أو يستقيل. وبما أن قرار استقالة الناصري ليس في يده لكي يقدمها، القرار الوحيد الذي يوجد بين يديه هو قرار إغلاق فمه. وذلك أضعف الإيمان.

0 التعليقات:

إرسال تعليق