الاثنين، 9 نوفمبر 2009

خروب بلادي

خروب بلادي

مخطئ من قال أن المال ليست له رائحة. لأنه في الدار البيضاء يمكن أن تكون له رائحة، ورائحة كريهة فوق ذلك. ومؤخرا تم التوقيع على اتفاقية بين مجلس المدينة وشركة أمريكية ستقوم بتأسيس زبالة جديدة بمعايير دولية للقضاء على «زبالة ماريكان» القديمة المعروفة بزبالة مديونة. والصفقة تقترب من مليار سنتيم، هي تكلفة تأسيس الزبالة الجديدة التي ستستقبل نفايات المدينة وأزبالها. لقد فشلنا حتى في القيام بجمع أزبالنا بأنفسنا وأصبحنا محتاجين لاستقدام الغرباء وإعطائهم أموال دافعي الضرائب لكي يخلصونا من قمامتنا.
ولعل أبرز علامة على فشل المغاربة بعد خمسين سنة من الاستقلال في إدارة شؤونهم وحاجتهم الدائمة إلى أجانب لكي يسيروا شؤونهم، هو هذه الاتفاقيات التي يوقعها عمداء المدن مع الشركات الأجنبية بالملايير. فبعد شركات تدبير الماء والكهرباء الفرنسية والإسبانية، ها نحن نلتجئ إلى الأمريكيين لجمع أزبالنا في فاس والدار البيضاء، أزبالنا التي يبدو أنها الإنتاج الوحيد الذي نحطم فيه أرقاما إنتاجية قياسية في السنوات الأخيرة.
فعندما ننظر إلى الميزان التجاري نصاب حقيقية بالدهشة عندما نرى كيف أن المغرب، إحدى الدول التي تحتل مؤخرة الترتيب في سلم التنمية عالميا، يعاني من اختلال كبير في ميزان الواردات والصادرات، بسبب ضعف إنتاجه للمواد القابلة للتصدير وتعويله على استيراد أغلب حاجياته الاستهلاكية من الخارج. بحيث سجل الميزان التجاري خلال هذه السنة عجزا يقدر بحوالي 108،7 بالمائة. يعني بلغة نزار بركة وزير الشؤون العامة للحكومة، يكلفنا هذا العجز حوالي 6،88 مليار درهم. والسبب هو أن المغرب يستورد ضعف ما يصدره.
بمعنى أن المغرب يريد أن يعيش فوق طاقته، عملا بالمثل القائل «آش خصك آ العريان، الخاتم أمولاي». وتكفي إطلالة سريعة على لائحة الواردات المسجلة في مكتب الصرف المغربي لكي نفهم أن هناك طبقة من المغاربة غير معنية بارتفاع أسعار الزيت أو السمك، ولا بتغير طعم الماء في الصنابير، لأنهم يستهلكون منتجات باهظة قادمة من أصقاع العالم البعيدة تكلف الميزان التجاري عجزا إضافيا.
فالمغرب سيتورد نوعا نادرا من الفريز من جزر البارباديس، ويستورد ذيول اللانغوست من بيليز، والتي تساوي مائة كيلو منها عشرين مليون سنتيم. ومن جزر الباهاماس يستورد المغرب مشروب الروم، الذي يأتي لينضاف إلى حوالي 2.700 طن من المشروبات الكحولية القوية التي يستوردها المغرب، منها 1.383 طن من الويسكي قادمة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. وبلغة نزار بركة دائما، فقيمة هذه الواردات الكحولية تقدر بحوالي 85 مليون درهم. هذا دون أن نتحدث عن الفودكا القادمة من أوربا الشرقية والتي استورد المغرب منها السنة الماضية 1.339 طن، كلفت الميزان التجاري 42 مليون درهم.
وعندما نتحدث عن الويسكي السكتلندي الرفيع فلا بد أن نتحدث عن السيغار الكوبي الذي يرافقه، ذلك السيغار الذي يحلو لنبيل بنعبد الله الظهور به في الحفلات العامة، أو الذي حضر الناصري وزير الاتصال إحدى حفلات ترويجه قبل شهرين. فقد استورد المغرب من أمريكا اللاتينية حوالي 25 طنا من السيغار بقيمة 30 مليون درهم في سنة واحدة.
والمغرب لا يستورد فقط المنتجات الباهظة المخصصة للهاي كلاص، وإنما حتى أبسط المنتجات الاستهلاكية الموجهة للطبقات المسحوقة. فحتى السليبات القطنية أصبحنا نستوردها من البانغلاديش. أما الولاعات التي نستوردها من الصين فقد وصل حجمها إلى 34 مليون بريكة، أي بريكة لكل مواطن. وقد نجحت البيركات الصينية في الإجهاز على شركات صناعة لوقيد المغربية، وإسقاط ذلك الشعار الوطني الذي تهجينا حروفه طويلا والذي كان يقول «إنكم باستعمالكم للمنتوجات الوطنية فإنكم تحافظون على اقتصاد البلاد». فيبدو أن هذا الشعار الوطني قد ذهب إلى حيث ذهب شعار «ها كيلي ها كاوا» الذي ظلت تلفزة دار البريهي تردده على أسماعنا طيلة سنوات الثمانينيات يقول «الطاقة ثمينة حافظوا عليها».
وبعد سنتين من الآن عندما سيدخل المغرب غمار تحرير التجارة العالمية سنستورد بدون شك كيس الحمام من إسبانيا، والخرقة من إيطاليا. والكسال ربما سيكون صينيا هذه المرة، يضع في معصمه ساعة مقاومة للماء «مايد إن تشينا» يحصي بها دقائق كل تكسيلة.
وعلى ذكر المنتوجات الصينية التي غزت الأسواق المغربية، اكتشف خبراء أحد المختبرات في الدار البيضاء بروز جيل جديد من الصراصير لا توجد عادة إلا في الدول الآسيوية. واستنتجوا أن هذه الصراصير جاءت إلى الدار البيضاء عبر الميناء متسللة وسط حاويات السلع القادمة أساسا من الصين.
وهذا طبعا ما سيفرض على مجلس المدينة تخصيص ميزانية إضافية من أموال دافعي الضرائب في بند «محاربة الحشرات الضارة».
وعلى ذكر الحشرات، دعونا نكون ايجابيين كما يطلبون منا هذه الأيام، ودعونا نلقي نظرة على لائحة صادرات المغرب. والذين يعتبرون أن الحشرات كلها ضارة يجب أن يعرفوا أن المغرب استطاع أن يقتحم سوق «الحشرات الغريبة» وتمكن من تصدير ثلاثة أطنان من الحشرات خلال سنة واحدة بقيمة 27 مليون درهم. وهذه الحشرات تتم «تربيتها» في مختبرات خاصة وتستعمل للقضاء على أختها الحشرات في الحقول الزراعية.
وبما أن ثقافة «الترياش» مزدهرة في المغرب هذه الأيام، خصوصا «ترياش» المواطنين بسبب الأسعار الملتهبة، فإن المغرب أصبح يصدر الريش أيضا. وإلى حدود الآن نجح في تصدير بعض الأطنان فقط، فالترياش لم يصل بعد أوجه.
ولعل الملاحظة الأساسية التي نخرج بها عندما نراجع لوائح المواد التي يصدرها المغرب، هي أننا لازلنا نعيش في الصناعة زمن الالتقاط البدائي. وهي الفترة التاريخية المعروفة عند علماء الإنسان بالفترة السابقة لاكتشاف الزراعة، حين كان الإنسان يعيش متنقلا على ما يلتقطه من الطبيعة، قبل أن يكتشف الزراعة ويستقر.
وكذلك الشأن بالنسبة لصادرات المغرب، فهي أغلبها ملتقطة من الطبيعة ولا دخل للإنسان في تصنيعها. فالمغرب هو المصدر العالمي الأول للخروب، وهي ثمار تنتجها شجرة تنمو لوحدها في الأطلس والجنوب على حواشي الوديان. والمغرب هو المصدر العالمي الأول للصابون البلدي، الذي يستخرجه من بقايا عظام الزيتون المطحون. والمغرب هو المصدر العالمي الأول للغاسول الذي لا يكلف شركة آل الصفريوي صاحب مجموعة الضحى سوى التقاطه من الأرض ووضعه في أكياس وتصديره.
وبما أن الحمير موجودة في المغرب بكثرة فإننا نحتل رتبة أول مصدرين عالميين للحمير، أعزكم الله. وحسب إحصائيات مكتب الصرف فالمغرب يصدر سنويا نحو إسبانيا وفرنسا حوالي 1500 حمار من الحمير المغربية الأصيلة. أما البابوش الذي يسرح في الخلاء ولا يحتاج إلى استثمارات لتربيته فالمغرب يصدر منه سنويا 10،500 طن، ويربح من روائه 55 مليون درهم.
وبالإضافة إلى الحيوانات فالمغرب يصدر حوالي 1300 طن من الترفاس إلى فرنسا التي تستعمله فنادقها الفخمة في وجباتها الغذائية نظرا لفوائده الجنسية السحرية، والذي لا يكلف استخراجه من الأرض سوى نبش التراب. كما أن المغرب رائد عالمي في تصدير النعناع الذي أصبح يثير مخاوف المستهلكين في أوربا بسبب اكتشاف نسبة مرتفعة من المبيدات السامة فيه.
هذه إذن هي أهم منتجات صادرات المغرب، طبعا بالإضافة إلى الفوسفاط الذي تركته لنا عظام الأسماك والحيوانات المنقرضة، والسمك الذي يعيش ويتكاثر في البحر بدون أن نقوم بأي مجهود آخر غير اصطياده.
وبالإضافة إلى هذه المنتجات هناك إنتاج آخر نحقق فيه سبقا عالميا وهو إنتاج الزبل. والكارثة أننا عاجزون حتى عن جمعه، ولذلك تتعاقد مجالس مدننا مع الأمريكيين والإسبان والفرنسيين لتخليصنا منه مقابل عشرات الملايير.
مزابل قوم عند قوم فوائد.

0 التعليقات:

إرسال تعليق