الخميس، 12 نوفمبر 2009

رضينا بالهم

رضينا بالهم

رفضت لجنة الاختيار في مهرجان موازين قبول شروط مجموعة «فناير» الشبابية لأنها طالبت بمستحقات مادية وبرمجة تليق بشهرتها ومكانتها في الخريطة الموسيقية المغربية الجديدة. ولذلك لم تشارك المجموعة في المهرجان. وفي مقابل ذلك شاركت مجموعة إسبانية اسمها «المنحرفون» وقدمت عرضا في منصة أبي رقراق. وقد كان على الذين اختاروا هؤلاء «المنحرفين» لكي يقدموا عرضهم الموسيقي في ساحة عمومية في بلد مسلم كالمغرب، أن يحذروا المواطنين من أن العرض يتضمن بعض اللقطات الخادشة للحياء، حتى يكون كل من أتى على بينة من أمره، وحتى يجنبوا الأطفال رؤية مناظر لا تليق بأعمارهم.
فقد كان الآلاف من المتفرجين مجتمعين حول المنصة يتابعون عرض «المنحرفين»، وفجأة بينما كان مغني الفرقة «مابيه ما عليه»، شرع ينزع ملابسه أمام ذهول المتفرجين إلى أن بقي كما ولدته أمه، وأخذ يقفز وينط فوق المنصة مظهرا مؤخرته للجمهور بشكل مستفز.
لقد كان على المدير الفني للمهرجان أن يكون على علم بطبيعة العروض الفنية والموسيقية التي ستقدمها الفرق التي استضافها. وحسب البرنامج الذي وزع على الصحافيين فلا توجد أية إشارة إلى عرض للستريبتيز في مهرجان موازين. لكن هذا العرض وقع، وفي مكان عام وأمام الآلاف من المتفرجين الذين غادروا المنصة حانقين بسبب هؤلاء «المنحرفين» وأيضا بسبب من أتى بهم.
وشخصيا ما أثارني في برمجة مهرجان موازين هو عدم استحضاره للبعد الفلسطيني في دورته لهذه السنة. خصوصا وأنه صادف تخليد المسلمين والعرب للذكرى الستين للنكبة. تلك التي تعتبرها إسرائيل ذكرى قيامها الستين. في تجاهل تام لكل الهياكل العظمية التي قامت عليها.
كل ما قامت به اللجنة المنظمة هو أنها استدعت المغنية الإسرائيلية الجنسية والفلسطينية الأصل سيدار زيتون، لكي تحيي إحدى حفلاتها في الرباط. فقامت الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني بحملة ضدها، قبل أن تقرر تقديم اعتذار لها بعدما انتهى إلى علمها أن سيدار فلسطينية الأصل تنتمي إلى ما يسمى بعرب 1948. أي الفلسطينيون الذين قبلوا الاندماج في إسرائيل وحمل جواز سفرها.
ومع أن سيدار تجري في عروقها دماء فلسطينية إلا أنها لم تهد أية أغنية من أغانيها لفلسطين في الذكرى الستين لنكبتها. ربما لأنها تخشى على مستقبلها الفني عندما ستعود إلى تل أبيب.
لكن رغم أن المغنية سيدار تحمل جواز السفر الإسرائيلي وتشارك في مهرجانات موسيقية بإسرائيل، فإنها لم تذهب إلى حد المشاركة في احتفالات ما تسميه إسرائيل الذكرى الستين لتأسيسها، كما هو الحال بالنسبة للمغنية المغربية صوفيا السعدي، نجمة «سطار أكاديمي» ومدللة القناة الثانية التي تستقبلها بطاقم التصوير كلما هلت بطلعتها في مطار محمد الخامس. فحسب إعلان نشرته جريدة «لوموند» الفرنسية ليوم الجمعة الماضية، تحيي صوفيا السعدي وفنانون آخرون مثل كلارا فابيان وإنريكو ماسياس، الذكرى الستين لتأسيس إسرائيل في حدائق التروكاديرو يوم الأحد 25 ماي، تحت شعار «إسرائيل 60 عاما، السلام في القلب». وهو الاحتفال الذي ترعاه الجمعية الفرنسية للاحتفال بالذكرى الستين لتأسيس إسرائيل والذي سينشطه المنشط التلفزيوني الفرنسي من أصل مغربي يهودي، أرتير.
من الممكن أن نتجاهل في المغرب ذكرى النكبة، وأن نفتح منصاتنا على مصراعيها لفنانين منحرفين يظهرون لنا سوءاتهم في الهواء الطلق. ومن الممكن أيضا أن نستدعي فنانين انتهت مدة صلاحيتهم وأفل نجمهم كويتني هيوستن التي تملأ أخبارها وفضائحها مع المخدرات والإدمان جميع المواقع الإلكترونية والمجلات العالمية. من الممكن أن نستدعي مغنية إسرائيلية الهوى تحت ذريعة أنها فلسطينية الهوية.
من الممكن أن نستدعي كل هؤلاء وأن نصرف لهم تعويضات بمئات الملايين.
لكن ما يدعو للخجل حقا هو أن تقبل مغنية مغربية كصوفيا السعدي تحمل اسما مغربيا المشاركة في حفل يخلد ذكرى نكبة شعب اسمه فلسطين، يتعرض أبناؤه يوميا للذبح على يد قوات الاحتلال الصهيونية.
هذا في الوقت الذي يمتنع فيه فنانون فرنسيون معروفون بالتزامهم مع القضية الفلسطينية عن المشاركة في مثل هذه الاحتفالات التي تريد أن تغالط التاريخ وتفرض حقيقة خاطئة عبر ترسانة هائلة وجبارة ومرعبة مكونة أساسا من وسائل الإعلام، مفادها أن إسرائيل تحتفل بذكرى تأسيسها وليس بذكرى اغتصابها لأرض كان يعيش فوقها شعب اسمه فلسطين تم تهجيره وتقتيله وأسره على امتداد ستين سنة كاملة.
إذا كانت صوفيا السعدي لا تعرف بماذا ستحتفل مع إسرائيل في مهرجان «ستون عاما من السلام في القلب» فيمكن أن نساعدها في إنعاش ذاكرتها بكل المذابح التي اقترفتها إسرائيل بكل سلام في القلب، بدءا من مذبحة دير ياسين وتل الزعتر وصبرا وشاتيلا وجنوب لبنان والمخيمات وغزة وغيرها من المذابح اليومية التي تقترفها إسرائيل على مرأى من العالم «الحر».
إذا كان المنشط التلفزيوني «أرتير»، الذي عندما يأتي إلى سينما «ميغاراما» لكي يقدم عروضه الساخرة تتجند له القناة الثانية لتغطية وصوله إلى المطار، سيقدم هذا الحفل في «حدائق التروكادور» بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس دولته، فلأنه أول من يخرج في المسيرات المتضامنة مع الجيش الإسرائيلي في شوارع باريس لجمع التبرعات لهذا الجيش. وليس وحده، فحتى أنريكو ماسياس الذي عندما جاء إلى «ميغاراما» تهافتت عليه نساء الطبقة المخملية ليلتقطن صورا معه، وقبل رأسه مقلد عبد الحليم ... واحتفت به القناة الثانية في سهرة مخصصة له، يخرج في كل المسيرات المساندة للجيش الإسرائيلي ويقول في القنوات التلفزيونية التي يملكها اليمين الإسرائيلي في فرنسا بأنه مدين لإسرائيل بكل شيء، ومدين للجيش الإسرائيلي الذي يحمي أبناء إسرائيل ويدافع عنهم ضد الإرهابيين الفلسطينيين. ولهذا منعت الجزائر إنريكو ماسياس من إقامة عروضه على أرضها، رغم أنها مسقط رأسه.
لقد استقبل جميع المغاربة بارتياح قرار الملك محمد السادس ضمان الخبز اليومي لسكان القدس، فهذا أقل ما يمكن أن يصنعه المغرب لصالح القضية الفلسطينية التي يرأس الملك لجنة القدس فيها.
لكن ما يحز في القلب هو أن نرى مؤسسات بنكية مغربية وشركات عقارية تطعم «الخبز» أيضا لقناة تلفزيونية يملكها اليمين الإسرائيلي بفرنسا.
والذين يهوون التنقل من قمر صناعي إلى آخر سيكونون قد لاحظوا مؤخرا مرور وصلات إشهارية في قناة إسرائيلية إخبارية تبث برامجها بالفرنسية انطلاقا من القمر «أوتيل سات 2» (ستة عشر درجة شرقا). القناة الإسرائيلية تدعى «غيسان» وتخضع لتوجه اليمين المتطرف الإسرائيلي. ومن بين المؤسسات المغربية التي تمر إعلاناتها في القناة نجد «التجاري وفابنك» وشركة حدائق ابن سليمان وشركة عقارية أخرى بمراكش.
وهكذا، ففي الوقت الذي تقاطع بعض المؤسسات البنكية والعقارية صحفا ومجلات مغربية لمجرد أن طريقة معالجة هذه الجرائد والمجلات للأخبار لا تروق لها، نجدها تطعم من يديها بسخاء تلفزيونات الأجانب خبز الإشهار المقوي والمدعم.
صدق من قال «رضينا بالهم والهم ما رضا بينا».

0 التعليقات:

إرسال تعليق