الجمعة، 13 نوفمبر 2009

رسالة اعتذار

رسالة اعتذار

عندما يعود الواحد منا إلى رشده، ويضع رأسه الصلب فوق مخدة الندم الناعمة، يفهم كم كان مخطئا في حق دولته وحكومته. ويكتشف فجأة كم كان جلفا وعديم الأدب عندما كان يطالب من يحكمونه بتقديم الحساب للشعب على أخطائهم، عوض شكرهم على كل تلك الأخطاء التي لولاها لما تعلمنا الصبر، هذه الفضيلة الإنسانية الضرورية لأمثالنا حتى لا تخوننا قوانا عندما نحتاجها في حمل كل هؤلاء السادة الذين يقررون في مصائرنا كل يوم.
لذلك أرى ضروريا أن أعتذر أصالة عن نفسي ونيابة عن كل هؤلاء الأجلاف الذين يقضون سحابة يومهم يكيلون التهم والشتائم لهذه الدولة وهذه الحكومة البريئتين منها براءة الذئب من دم يوسف.
سامحونا على طول لساننا عندما اتهمناكم بتعذيب الناس في الأقبية السرية لمخافركم، لم نكن نعرف أنكم كنتم تفعلون ذلك حرصا على سلامتنا من هؤلاء الأشرار الذين يريدون الذهاب إلى الجنة على حسابنا، دون أن يدفعوا الثمن في جحيمكم الدنيوي. فقررتم أن تجعلوهم يدفعون الثمن حتى آخر قطرة من دمائهم، وحتى آخر ذرة من كرامتهم.
سامحونا لأننا أزعجنا قواتكم سريعة التدخل عندما يتعلق الأمر بالحضور لضربنا، والبطيئة كسلاحف كلما تعلق الأمر بالتحرك لإنقاذنا. اعذرونا على عرقلة خططكم الأمنية المصيبة. إنها حقا «مصيبة» خططكم الأمنية. ونحن المخطئون دائما بشكوكنا المسمومة حول جدواها. لقد أخطأنا عندما اعتقدنا أنكم ذهبتم لضرب المحتجين في سيدي إفني، وقطعتم كل هذه الطريق الطويلة من مختلف حاميات المملكة فقط من أجل الاعتداء على نسائهم واعتقال رجالهم وسرقة طعام إفطارهم. فيما أنتم ذهبتم لتحرير الميناء من مستعمرين جدد حلوا بالمدينة التي طردت مستعمريها القدامى بعد أن حاصرتهم وجوعتهم وجعلتهم يشربون بولهم ويمتصون جذور النباتات لكي يظلوا أحياء إلى أن يلقوا أسلحتهم وينسحبوا خائبين.
تصوروا أن جنودا يحرسون الحدود في الصحراء حتى لا يتسلل العدو إلى مملكتنا، تجرؤوا واتهموكم باقتحام منازلهم على زوجاتهم وأبنائهم. أي مجنون يمكنه أن يصدق ذلك. أنتم رجال الأمن والقوات المساعدة الشهمة النبيلة التي لا يستطيع أحدكم أن يفتح فمه أمام رئيسه الذي يحمل نياشين أكثر عددا منه، فالأحرى أن يتجرأ ويفتح باب منزل ليس معه مفتاحه.
سامحونا لأننا أفسدنا عليكم عملكم وأرسلنا إلى سيدي إفني من يصور ويشهد على ما كنتم تقومون به لصالح أمن ورفاهية هذه الأمة. لقد عاقبنا الصحافي بإخضاعه لعطلة إجبارية حتى يتعافى من كل الجروح التي تسببت له فيها رجلاه الطويلتان اللتان حملتاه إليكم. وعاقبنا المصور بخصم يوم من راتبه حتى يتعلم كيف يحول بآلة تصويره المرأة المضروبة على يد عميد الأمن إلى مجرمة خطيرة تعتدي على عميد يطلب النجدة ويستغيث. وسنخضعه لتكوين مستمر عند بعض «الزملاء» الذين لديهم خبرة طويلة مشهود لهم بها في تحويل الفأر إلى أسد بضربة حظ.
اعذرونا على قصر فهمنا لكل ما تقومون به لمصلحتنا. فنحن لفرط غبائنا في كل مرة نراكم تلوحون بالعصا نتصور أنكم تريدون جلدنا. فيما أنتم فقط رعاة مستأمنون على قطعان هائلة من الأغنام والماعز والجمال، وبعض الحمير أيضا، وفي كل مرة تلمحون الذئاب تقترب من القطعان تلوحون بالعصا لكي تخيفوها حتى تبتعد، فننجو ونعيش لكم، نحن دوابكم تسرحوننا كما يحلو لكم، وعندما تجوعون تأخذون بعضنا إلى المسلخ لكي تذبحوه بعيدا عن أشبابه. فأنتم رحماء بنا، ويحزنكم أن نرى رقاب بعضنا البعض تحز أمامنا. ما أرق قلوبكم، وما أغبانا.
سامحوا هذا الأمريكي المدعو «يوتوب»، الذي لم يحترم سرية مهمتكم في سيدي إفني وصفرو وفي طرقات المملكة المليئة بالقناصة، حيث المرتشون أكثر عددا من الأشجار. وخرج يعرض خدماتكم الجليلة التي قمتم بها من أجل راحتنا، ويقدمها كانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أمام الغرباء. دعنا نقول لهذا «اليوتوب» وأشباهه نيابة عنكم أن الإنسان الذين يتحدثون عنه نحن لا نعرفه، لأننا لسنا أناسا بعد وإنما مجرد رعايا. وبما أن الأمر لا يتعلق بنا فنحن راضون بهذه الانتهاكات التي تزعجهم كثيرا في بلدانهم البعيدة وراء البحار. ونسامح المتورطين فيها، لأننا فهمنا متأخرين بأن كل هذه الانتهاكات هي في مصلحة مستقبل الوطن. تصوروا لو لم تكن هناك انتهاكات فبماذا سيشغل أبناؤنا وقتهم بعد عشرين سنة من الآن إذا لم يجدوا أمامهم مقابر جماعية ومجهولي مصير ومعتقلين سابقين، تماما كما وجدنا نحن. فكما فكر السابقون في مستقبلنا وتركوا لنا جثثا وأيتاما وأرامل، فنحن أيضا يجب أن نكون عند حسن ظنهم بنا، ونترك للذين سيأتون بعدنا فرصة تذوق نصيبهم من العبث اللذيذ الذي يسميه رعاتنا الانتقال الديمقراطي.
تطعموننا الأمل بملاعق الذهب، فنشكو الجوع الشديد إلى اليأس. تعلموننا كيف ندير خدنا الأيمن عندما تشبعون من صفع خدنا الأيسر، فنفشل في تعلم الدرس وندير ظهورنا لكم ونمضي إلى بلدان الجيران. نحن الكسالى الذين لا يريدون أن يفهموا أن سادتهم يجوعونهم ويضربونهم لمصلحتهم.
تعلموننا كيف نرى الوطن بالألوان فنراه بالأبيض والأسود، اعذرونا، فنحن نعاني من عمى الألوان، ونحتاج إلى طبيب «يفتح» عيوننا على الألوان الزاهية لعهدكم الزاهي. فقد «فتحتم» رؤوسنا ما يكفي أمام البرلمان، ولم يكن ذلك كافيا لكي نرى حقيقة معدنكم الثمين. نحن القادمون من معادن رديئة لا تصلح سوى لكي تصهر تحت درجات مئوية لتصنعوا منها براغي ومسامير في آلتكم المبجلة.
قضيتم سنوات طويلة تعلموننا في المدارس الحكومية أن الصمت حكمة، وأن الفم المغلق لا يدخله الذباب، وأن الصمت من ذهب. وعندما كبرنا نسينا دروسنا كأي أغبياء وجئنا نرفع عقيرتنا بالصراخ أمام مقراتكم الحكومية، بلا خجل منكم أو خوف. وعندما طردتمونا وضربتمونا اشتكيناكم إلى الغرباء بالبيانات، وأرسلنا استغاثاتنا وراء البحار، وانتظرنا أن يأتي من يخلصنا منكم. سامحونا على هذه الخيانة العظمى، كان علينا أن نتحملكم ونكتم أنفاسنا ونتلقى ضرباتكم بصمت كما علمتمونا في الصغر، وألا نفتح أفواهنا حتى لا يدخلها الذباب. ذباب المرحلة الذي تكاثر بسبب كل القذارة التي تراكمت أمام أبوابكم، وها قد وقع المحظور وفتحنا أفواهنا ودخلها الذباب والنمل وسائر الحشرات، إلى درجة أن بعضنا عندما يتكلم يصدر عنه أنين حاد مكان الصوت.
اتهمناكم بدون دليل، مع أن أياديكم ملطخة بدمائنا. اتهمناكم وأنتم منا براء. لذلك نطمع في رأفتكم وسماحة قلبكم. سنجري عملية لتصحيح البصر في عيادة تابعة للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، حتى تصبح لدينا عيون زرقاء اليمامة. بحيث نرى المقابر الجماعية على هيئة متاحف لحفظ الكائنات والبقايا البشرية القديمة، والمخافر السرية على هيئة حدائق غناء. سنرى كل ما تحبون أن نراه. العمل متوفر والناس كسالى لا يريدون القيام به، وهو يجرهم من ثيابهم ويستعطفهم أن يشغلوا أنفسهم به لكي يتقاضوا عنه راتبا في آخر الشهر. المستشفيات فارغة تنتظر أن يمرض أحد لكي تسعفه، ولا أحد يمرض. الخبز متوفر في الشوارع إلى درجة أنه يطارد الناس إلى بيوتهم ويطلب منهم أن يأكلوه ويريحوه من البقاء طيلة الوقت مهملا في واجهات المخابز.
سامحونا أيها السادة، لم نكن نعرف أنكم متفائلون إلى درجة أنكم أصبحتم تخلطون الشعب بالعشب، فتدوسونه بلا رحمة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق