الاثنين، 9 نوفمبر 2009

من الخيمة خارج مايل

من الخيمة خارج مايل

أمام عباس الفاسي فرصة ذهبية هذه الأيام لكي يجري عملية جراحية، على حكومته طبعا، أو لكي يسقطها ويريحنا ويستريح. عوض أن يكتفي وحده بالسقوط المتكرر في الاجتماعات الحكومية بسبب الهبوط المفاجئ في السكر الذي يعاني منه.
ويمكن لعباس الفاسي أن يستغل الفرصة ويطبق ذلك القول المأثور الذي يردده المغاربة «دير راسك وسط الريوس وعيط على قطاع الريوس». فهناك أكثر من حكومة عربية وأوربية تم حلها أو تعديلها أو هي في الطريق إلى ذلك. فالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بعد هزيمته المدوية في الانتخابات البلدية، وفشله في تحقيق وعوده بخلق الشغل، وعوض أن يحافظ على قدرة الفرنسيين الشرائية فإنه «شراها ليهم»، اضطر إلى القيام بعملية جراحية تجميلية لحكومته تحت ضغط الرأي العام والصحافة.
أما أمير الكويت فقد ترك حكومته على بعد آلاف الكيلومترات ونسي نفسه في المغرب وانشغل بمطاردة طيور الحبار في رحلات صيد تبدأ ولا يعرف أحد متى تنتهي، ولم ينتبه جناب الأمير إلا عندما سقطت حكومته بالكامل بعد أن تخلى وزراؤها عن حقائبهم الوزارية تحت مبرر وجدته شخصيا مقنعا، وهو «عدم قدرتهم على الوفاء بما أقسموا عليه أمام منتخبيهم».
وأمير الكويت الذي سقطت حكومته في غفلة منه، واحد من بين أمراء خليجيين كثيرين يأتون إلى المغرب لقضاء رحلات صيد طويلة في صحاري الجنوب والشرق على الحدود مع الجزائر. وربما يعتقد البعض أن رحلات الصيد هذه يستعمل فيها الأمراء الصيادون فقط طيور الباز الذي يحجزون له في مقاعد الدرجة الأولى في الطائرات، بل إنهم يستعينون بتقنيات حديثة لتعقب أسراب طيور الحبار، وعلى رأسها تقنية «الجي بي إس». وكل رحلة صيد تكلف ملايين الدولارات ويشارك فيها جيش من المعاونين والخدم والحراس. والمغرب مقسم بين هؤلاء الصيادين الخليجيين الأثرياء بالتساوي، فالإماراتيون يصطادون في المغرب الجنوبي والقطريون يصطادون في المغرب الشرقي والسعوديون يتعقبون «طرائدهم» في المغرب كله. فهؤلاء السعود «الصيادة» عندهم بلا حدود. وطبعا كل منطقة صيد تخصص لها إدارة الدرك الملكي مجموعات أمنية لضمان مرور رحلة الصيد في أحسن الظروف.
وحسب أحد العارفين في الموضوع فوزارة الفلاحة أصبحت تربي طيور الحبار في محميات بالجنوب على سعد هؤلاء الأمراء الأثرياء. وتطلقهم في أماكن الصيد لكي يوفروا الطرائد الكافية لهذا النوع من الصيادين. خصوصا وأن هذه الهواية تضمن الشغل لعشرات الشركات التي تكتري السيارات الرباعية الدفع.
وإذا كانت حكومة أمير الكويت لا تعاني من أزمة مالية بالنظر إلى السقف العالي الذي وصله برميل النفط في الأسواق العالمية، فإن زميله في الحكم، الرئيس حسني مبارك يعاني أزمة خانقة في الخبز. وقد سقطت أرواح كثيرة بسبب التدافع في الصفوف الواقفة عند مراكز التموين بهذه المادة الحيوية، التي تمثل بالإضافة إلى الفول المدمس عماد الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مصر المحروسة.
وبسبب هذه الأزمة الحادة في الخبز حمل الرئيس حسني مبارك المسؤولية لحكومة أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء، وسط بوادر عن قرب تعديل الحكومة.
وهكذا نجح الخبز في إقناع رئيس الجمهورية فيما فشلت فيه حركة «كفاية» وغيرها من الحركات الثقافية والسياسية المناهضة لسياسات حسني مبارك. وقبل أشهر كان المصريون يخرجون إلى الشارع ويتظاهرون ضد فكرة توريث الحكم لابن مبارك رافعين شعارات تقول «كفاية فساد كفاية ذل، عاوزين ديمقراطية»، واليوم بسبب الخبز يخرجون إلى الشوارع ويتظاهرون رافعين شعارات تقول «كفاية فساد كفاية ذل، عاوزين دقيق».
أما في المغرب فالجميع يعترف بأن حكومة عباس هي إحدى أفشل الحكومات التي عرفها المغرب إلى الآن. ومع ذلك لا نرى مؤشرات تدل على أن هناك تعديلا حكوميا قادما في الأفق. كل ما نسمعه هو تصريحات لوزراء يعترفون بفشلهم علانية في تدبير القطاعات الحكومية المسندة إليهم.
وكأن تعيينهم على رأس هذه الوزارات كان من أجل أن يصفوا لنا المشاكل التي يعاني منها المغرب، وليس تقديم الحلول المناسبة لها. وهكذا نسمع وزير الشؤون الاقتصادية نزار بركة يتأسف لكون ميزانية صندوق المقاصة ارتفعت بنسبة 400 بالمائة ملتهمة ثلثي ميزانية الاستثمار. بمعنى أن ثلثي الميزانية تذهب مباشرة لدعم البطون وغاز البوطان . والكارثة أن سعادة الوزير يعترف بأن 15 بالمائة فقط من الطبقات المعوزة تستفيد من دعم الدولة، أما البقية فتذهب إلى جيوب الأغنياء.
وفوق هذا وذاك كل ما وجده سعادة الوزير ليقوله هو «لا تطلبوا من الحكومة كل شيء». ولسنا ندري ممن يجب أن نطلب كل شيء يتعلق بحاضر ومستقبل المغاربة إذا لم نطلبه من الحكومة.
كما حذر سعادته من عدم السقوط في المزايدات السياسية التي قد تؤدي، حسبما قال للصحافيين، إلى رد فعل اجتماعي نحن في غنى عنه. ويبدو أن نسيب الوزير الأول اختلطت عليه الأمور ونسي أن ما قد يؤدي إلى رد فعل اجتماعي ليست المزايدات وإنما تحديدا الزيادات. وهذا ليس ذنب الوزير، فتعليمه الفرنسي فوت عليه فرصة إدراك الفرق اللغوي بين الزيادات والمزايدات.
أما وزيرة الصحة فكل ما تعلمت ترديده منذ تعيينها هو أن الصحة في المغرب لا تبعث على الارتياح، وفي كل مرة يضعون أمامها ميكروفونا تشرع في تقديم أرقام تكشف عن الخصاص الفادح في الأطباء والممرضين وسيارات الإسعاف. وفي الوقت الذي ينتظر منها المغاربة تقديم حلول عاجلة لإنقاذ هذا الوضع الصحي الكارثي، تلتجئ سعادة الوزيرة إلى أسلوب «التشخيص» الدقيق للداء الذي ينخر القطاع الذي تشرف عليه. وكأن التشخيص أصبح في المغرب هو الدواء الوحيد المتوفر.
وحتى السياحة التي كان يعتمد عليها المغرب لتأمين مدخول سنوي قار، «حقق» المغرب فيها على عهد عباس «قفزة» نوعية، نحو الخلف طبعا. وتراجعنا، حسب آخر إحصاء أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، بحوالي عشر نقط على مستوى تنافسية القطاع السياحي. بحيث أصبحنا في المرتبة 67 ضمن لائحة تضم 130 بلدا. وتقدمت علينا تونس وقطر، وحتى مصر، التي أصبح الخبز فيها أندر من أسنان الدجاج.
ومن بين أهم أسباب هذا الإخفاق حسب المنتدى، هناك الوضعية المخجلة للتربية والتعليم، إهمال الموارد الطبيعية والبيئية. وهذه تركة ثقيلة خلفتها الحكومات السابقة، ويبدو أن الحكومة الحالية عاجزة عن تصفيتها. فالموهبة الوحيدة التي تمتاز بها هذه الحكومة هي قدرتها الخارقة على تصفيتها لجيوب المغاربة بتدمير قدرتهم الشرائية يوميا. ويكفي أن نعرف أن شركات إنتاج زيت المائدة قررت، جزاها الله، أن تقوم بزيادة في أسعار زيوتها مرتين في الشهر، بمبرر أن أسعار نوار الشمس والصوجا ترتفع في الأسواق العالمية. وهذه الشركات التي تبرر الزيادة في أسعار زيوتها هي نفسها الشركات التي ساهمت في طرد شركة «عافية» التي طرحت زيوتها في الأسواق بأثمان أقل بكثير من أثمان الزيوت المغربية. فاتضح أخيرا أنهم طردوا شركة «عافية» لكي يتكفلوا هم بإشعال العافية في الأسعار بمعرفتهم.
كثيرون تابعوا النقاشات التي سبقت الانتخابات الرئاسية الإسبانية والبلدية الفرنسية، ولاحظوا أن النقاش الأساسي للمتنافسين كان حول مقدس واحد ووحيد اسمه «القدرة الشرائية». الذي يتجرأ ويمس بهذا المقدس عليه أن يتحمل نتائج ذلك في صناديق الاقتراع.
عندنا بمجرد ما وصل وزير المالية إلى منصبه أهدى الشركات الكبيرة إعفاءات ضريبية خيالية وكبد المواطنين زيادات في الضريبة على الليزينغ. عملا بالحكمة المغربية «زيد الشحمة فظهر المعلوف»، حتى لا نقول شيئا آخر.
أما الثقافة التي يضعنا تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي ضمن الدول الغنية في هذا المجال بالنظر إلى عدد المواقع التاريخية والأثرية في المغرب المصنفة ضمن التراث العالمي، فتتحمل حقيبتها سيدة كل ما قدرها الله عليه هو توظيف زوجها عبد الواحد عوزري في ديوانها وإسناد كل المهمات الوزارية إليه. فأصبح الآمر الناهي في الوزارة. وبنظري فوزارة الثقافة عندنا لا تتحمل مسؤوليتها وزيرة اسمها ثريا جبران، وإنما وزير غير معين بظهير اسمه عبد الواحد جبران.
وطبعا لن نتحدث عن وزير الداخلية الذي يعترف بارتفاع معدلات الجريمة بشكل مخيف، ولا وزير العدل الذي يعترف بالفساد الذي ينخر العدالة، ولا عن وزير التعليم الذي يكشف بلا خجل عن آلاف التلاميذ الذين يغادرون مقاعد المدرسة نحو الشارع، ولا عن نزهة الصقلي وزيرة التنمية الاجتماعية التي تقضي وقتها في إعطاء أرقام الفقر والهشاشة، ومع ذلك توقع اتفاقيات التعاون بين وزارتها والجمعيات في ضيعات صنع الخمور. كما حدث مؤخرا في ضيعة «كاستل» بنواحي إقليم الحاجب.
نفهم أن سقوط عباس المتكرر في الاجتماعات الحكومية منذ تعيينه لديه ما يبرره. فليس هناك ما يعجب في هذه الحكومة التي تكتفي بتقديم أرقام عجزها ومؤشرات بياناتها التي تتجه نحو الأسفل. فالذي يجب أن يسقط في الحقيقة هو هذه الحكومة. لأنها فشلت في صيانة القدرة الشرائية للمغاربة، وأصبحت فعلا تهدد السلم الاجتماعي. وهذه ليست مفاجأة، فقد نبهنا منذ الليلة الأولى لتعيين حكومة عباس إلى أننا سنسمع كثيرا أخبارا تقول أن عباس طاح، وهذا طبيعي، لأنه من الخيمة خرج مايل.

0 التعليقات:

إرسال تعليق