الجمعة، 13 نوفمبر 2009

اللي ما عندو سيدو

اللي ما عندو سيدو

في يوم واحد، هو ليلة السبت الماضي، وقعت حادثتان، واحدة في الصخيرات والأخرى في معبر «طاراخال» بسبتة المحتلة، كشفتا بالملموس طريقة تعامل بعض مصالح الأمن عندنا وعند جيراننا مع مخالفي القانون.
وفي الوقت التي اجتاز فيه ابن الجعايدي، سفير المغرب بالولايات المتحدة الأمريكية المكلف بمهمة «الشوبينغ» منذ عهد الحسن الثاني، نقطة الجمارك المغربية دون أن يختم جواز سفره الدبلوماسي المزور، استوقفته شرطة الجمارك الإسبانية لتكتشف أن ابن السفير الجعايدي زور تاريخ صلاحية جواز سفره الدبلوماسي «البيريمي» ومدد صلاحيته إلى سنة 2009. فتم اعتقال ابن السفير بقانون الهجرة السرية وتم إيداعه مع العشرات من المهاجرين السريين الذين تضبطهم مصالح الأمن الإسباني متسللين تحت الحافلات وبين أمتعة المسافرين.
ولم تفرج عنه السلطات الإسبانية إلا بعد أن توصلت من المصالح الدبلوماسية الأمريكية بمدريد بما يفيد أن الجواز يبقى قانونيا رغم «التغييرات» التي أجراها ابن السفير عليه. وفي الوقت الذي تصدر فيه مندوبية الحكومة المستقلة بسبتة المحتلة بيانا تؤكد فيه قانونية اعتقال «الدبلوماسي الأمريكي»، تصر عائلة الجعايدي على متابعة الأمن الإسباني بسبب ما أسمته تعسفات وخروقات شابت اعتقال ابنهم. خصوصا بعد أن صرح ابن السفير لإحدى الجرائد الإسبانية أن أحد رجال الأمن دس أصبعه في مؤخرته بحثا عن مخدرات قد يكون أخفاها هناك.
ومباشرة بعد توصل عائلة الجعايدي بخبر اعتقال ابنهم في سبتة من طرف الأمن الإسباني، بتهمة الهجرة السرية، تحركت حرارة الهواتف الدبلوماسية في وزارة الخارجية. فبالإضافة إلى وجود والد الشاب المعتقل على رأس سفارة المغرب بنيويورك، فلديه عم يوجد على رأس سفارة المغرب بباريس. وربما لازال الجميع يتذكر اسم ثريا الجعايدي الذي تردد كثيرا في ملف القرض العقاري والسياحي، وقضت بسببه بضعة أسابيع في السجن على عهد وزير العدل عزيمان، قبل أن يدخل الراحل بوزوبع ديوان العدل، فكانت تلك آخر ليلة تقضيها مدام الجعايدي وراء القضبان.
في الوقت الذي كان فيه الأمن الإسباني يسجل المحضر لابن السفير المغربي كان سائق إحدى السيارات الفارهة من نوع جاكوار يقف أمام باب العلبة الليلية بفندق «أونفيتريت بالاص» الذي اشتراه السعودي العامودي مدير مجلس إدارة شركة لاسامير.
ولوقت طويل وصاحب الجاكوار يطلب من الحراس أن يفتحوا له الباب ويسمحوا له بدخول العلبة الليلية. لكن الحراس كانت لديهم تعليمات من رؤسائهم بعدم السماح لهذا الشخص بوضع رجليه ثانية في العلبة، لأنه معروف بسكراته «الخايبة». غير أن مكالمة أجراها صاحبنا مع أحد المسؤولين فتحت فجأة أمامه أبواب الفندق الفخم.
وحوالي الساعة الرابعة صباحا خرج «المامون» ناشطا بما فيه الكفاية، وركب سيارته وقصد أحد الحراس الذين منعوه في الأول من الدخول، فبغجه تحت عجلات السيارة كما لو أنه يدوس صرصارا. وعاد مرة ثانية إلى الخلف وعاود بغجه من جديد، وعندما عاد إلى الخلف للمرة الثالثة وحاول تكرار جريمته، اعترض سبيله حارس ثاني فأصابه بجروح خطيرة. وعندما أنهى «المامون» حفلته الدموية فر بسيارته كما لو أنه داس بعوضتين.
بعد إشعار الدرك الملكي بما حدث، جاء عناصر من الدرك وكتبوا في المحضر أن الحارسين غادرا مكان عملهما وذهبا لاقتناء السجائر، وعندما كانا يعبران الطريق صدمتهما سيارة لم يتمكن أحد من رؤيتها.
يعني أن الحارسين كانت ستمشي على عينيهما ضبابة كما يقول المغاربة. لولا أن أحد الضحيتين لديه أخ برتبة عقيد في الدرك الملكي، لم «يسرط» الرواية التي كتبها زملاؤه في المهنة في المحضر، خصوصا وأن شهودا عاينوا الواقعة.
وهكذا تدخلت جهات عليا في الملف، ليتم إلقاء القبض على صاحب الجاكوار، وأعفي اليوتنان كولونيل التريكي من مهامه على رأس سرية الدرك بالصخيرات وتم تعويضه بالكوماندار القادري. فيبدو أن الجنرال حسني بنسليمان وجدها من الجنة والناس، واعتبر الفرصة مناسبة لرد الصرف للتريكي الذي كاد يتسبب للجنرال في مشاكل مع الأميرة لالة سلمى في مهرجان موازين الأخير، عندما دخل الكولونيل في عراك مع أفراد من رجال الشرقي أضريس رفضوا السماح له بمغادرة باب شالة رفقة عائلته قبل مغادرة الأميرة للمكان. فأوسعوه ضربا وركلا أمام أنظار أبنائه وأمام أنظار الجمهور الذي جاء ليستمع إلى الفلامينكو الإسباني فإذا به يشاهد عرضا بين الدرك ورجال الأمن في فن «زيد دردك عاود دردك».
وربما كان خطأ اليوتنان كولونيل القاتل هو نيته رفع دعوى قضائية ضد رجال الأمن الذين سلخوه. وهذه النية، لأنها أبلغ من العمل في الدرك والجيش، لم ترق كثيرا للجنرال بنسليمان، وهكذا ظل ينتظره في الدورة. خصوصا بعد التقرير الذي توصل به حول حادثة باب شالة «يغرق الساس» لليوتنان كولونيل ويتهمه بأنه كان سباقا إلى نطح أحد أفراد الأمن وإسقاطه أرضا. ويبدو أن حادثة علبة «الأونفيتريت» الليلية كانت هي القشة التي قصمت ظهر البعير، فتم إعفاء التريكي الذي «نوى» مقاضاة رجال الأمن، وتم إغلاق العلبة الليلة التابعة للفندق وسحب رخصة الخمر منه، وانخرط الدرك في مسلسل سريع لاستجواب مسؤول وعمال الفندق حول ملابسات الحادث.
ولو أن سرية الدرك التي تحقق في هذا الملف طالبت بمشاهدة شريط التسجيل الذي سجلته كاميرات المراقبة المزروعة في كل مداخل الفندق، لأمكنها مشاهدة فيلم الرعب الذي صوره صاحب الجاكوار في فجر تلك الليلة بالتفصيل الممل. والسؤال الذي يطرحه الجميع بالصخيرات ونواحيها، هو مصير الحارسين المسكينين اللذين لم يقوما سوى بواجبهما في تنفيذ التعليمات، لو لم يكن أخ أحدهما عقيدا في الدرك الملكي.
الجواب واضح، «غادي يكبو الما على كروشهم»، كما يكبه كثيرون غيرهم كل يوم في المغرب يذهبون في «الرجلين» لأنهم بدون «ضلعة»، ويفتقرون إلى «ضرسة» صحيحة، أو فقط لأنهم مقطوعون من شجرة الأنساب العائلية التي تظل بأوراقها وغصونها المنتسبين إليها من شمس العدالة الساطعة.
وهكذا في ليلة واحدة رأينا كيف طبق الأمن الإسباني القانون مع ابن سفير المغرب في نيويورك يحمل جواز سفر دبلوماسي مزور، وكيف تعامل الدرك الملكي بالصخيرات مع صاحب الجاكوار وكيف حاولوا أن يخرجوه كالشعرة من العجين بتغيير الوقائع وتحميل مسؤولية الحادثة لمجهول صدم الحارسين وهما يقطعان الطريق لاقتناء الديطاي وهرب.
وإذا كان أحد الحراس ضحايا صاحب الجاكوار قد أنقذه كون أخيه عقيدا في الدرك، فإن دركيا متقاعدا لم تشفع له كل سنوات الخدمة إلى جانب الجنرال بنسليمان في الكشف عن ملابسات دهس ابنه الرقيب في الدرك في الطريق السيار بين الرباط والدار البيضاء من طرف شاحنة.
ورغم أن الدركي المتقاعد يملك جميع الدلائل التي تثبت أن ابنه كان قادما في الاتجاه الصحيح، وأنه مر بمحطة الأداء ببوزنيقة بالطريق السيار وصورته مسجلة بالكاميرا المثبتة في زوايا المحطة، إلا أن التحقيق الذي أشرف عليه مسؤول بسرية بوزنيقة يصر على أن ابن الدركي المتقاعد كان يسير في الاتجاه المعاكس فصدمته الشاحنة. رغم أن أثار الصدمة على سيارة الدركي القتيل تبدو واضحة على يمينها وآثار الصدمة على الشاحنة تبدو واضحة على يسارها، مما يدل على أن سائق الشاحنة، الذي لم يعتقل بالمناسبة كما ينص على ذلك القانون، تجاوز سيارة الضحية من اليمين، مما يكذب نتيجة التحقيق التي تقول أن الضحية كان قادما في الاتجاه المعاكس.
شخصيا لا أفهم لماذا تضيع كثير من المؤسسات ميزانيات كبيرة في اقتناء كاميرات المراقبة إذا كانت أشرطتها المصورة لا تنفع كشهود إثبات عند الحاجة. ربما يضعونها ديكورا فقط، من يدري.

0 التعليقات:

إرسال تعليق