الجمعة، 13 نوفمبر 2009

الأمور إلى غير أهلها

الأمور إلى غير أهلها

لإخواننا في الغابون حكمة عميقة تقول «إذا أردت أن تصعد شجرة الكوكو لجني ثمارها يجب أن تكون ملابسك الداخلية نظيفة». وهذا طبيعي، ما دام أن الجميع في الأسفل سيرون عورتك عندما ستصعد إلى الفوق.
هذه الحكمة لم يسمع بها ربما رئيس المحكمة الجنائية الدولية الذي يطالب برأس رئيس دولة مستقلة كالسودان. وهاهو العالم يكتشف أن الرجل الذي يطالب بالعدالة الدولية في حق رئيس دولة ويتمنى رؤيته مكبلا بالأغلال أمام كاميرات الصحافيين وهواة التقاط الصور المثيرة، تماما كما وقع مع صدام حسين عندما أخرجوه من الجحر والتقطوا له صورا مهينة بينما كانوا يتفقدون أضراسه، هذا الرجل الباحث عن العدالة الجنائية متورط في فضائح جنسية ضد قاصرين.
لا بد أن إليوت سبيتزير، دركي بورصة والت ستريت السابق الذي انتخب حاكما ثم استقال بعد افتضاح قصة إدمانه على زيارة بيوت الدعارة، سيكون سعيدا وهو يسمع هذا الخبر. لأنه لن يكون الوحيد الذي دافع طيلة حملته الانتخابية عن فكرة تخليق الحياة السياسية، وفي الأخير يعطي المثال على أن الأجدر بالتخليق كانت هي حياته الشخصية أولا.
عندما يتورط أحد المسؤولين أو الشخصيات العمومية في البلدان الديمقراطية في شباك فضيحة أخلاقية أو على علاقة بالاختلاس أو استغلال النفوذ، فإنه يوقع على نهاية مشواره المهني والسياسي ويختفي عن الأنظار حتى لا تنهش الصحافة سيرته كل يوم.
عندنا في المغرب يختلف الأمر. حتى لكأن الفضائح والعثرات التي يتعرض لها المسؤولون والشخصيات العمومية تصبح بمثابة نقط في سجلهم تؤهلهم لاحتلال مناصب المسؤولية. فنحن في المغرب لدينا قاعدة ذهبية تعمل بها الدولة والمؤسسات العمومية، وهي «الفشل الذي يقود إلى النجاح». يعني بقدر ما أنت فاشل ولديك قدرة على خلق المشاكل والتورط في الفضائح بقدر ما تتضاعف حظوظك للترقي المهني والطبقي.
خلال هذه السنة وقفت أمام قاضي إحدى المحاكم بسبب تهمة تتعلق بما أسمته هيئة دفاع المشتكي «السب والقذف ونشر خبز زائف». وطيلة الأربع ساعات التي استغرقتها المحاكمة سمعت المحامي الذي أرسله النقيب لينوب عنه لكي يدافع عن المشتكي يتحدث عن الأخلاق المهنية والأمانة والصدق. بعد نهاية المحاكمة عرفت أن هذا «الأستاذ» سبق وأن صدر في حقه حكم بالسجن النافذ لستة أشهر بتهمة النصب والاحتيال. فقد تصرف في شيكات زبائنه بدون علمهم، فانتهى في السجن وأعاده إلى المحاماة نقيبه الذي جاء ينوب عنه.
وفي القضية التي يترافع فيها «النقيب» زيان لصالح نواب الملك الأربعة بالقصر الكبير في قضية «عرس الشواذ»، سمعت وزير حقوق الإنسان السابق الذي قال لمعتقلي تازمامارت عندما جاؤوا يطالبونه بالوفاء بتعهدات عزيمان وزير العدل سابقا «حمدو الله اللي باقين بالحياة، كون جات عليا أنا كون دوزت عليكم الطراكس»، سمعته طيلة الجلسات يتحدث عن الأخلاق المهنية والشرف ونظافة الذمة، وأعطانا الدروس المطولة حول القانون وضرورة معاقبة كل من يتجاوزه ويعتدي على حقوق الغير.
هذا النقيب الذي عندما يغضب تنتفخ أوداجه وتخرج كشكوشته، لم يتورع رغم كل الدروس الأخلاقية التي كان يلقيها أمام هيئة المحكمة عن إهانة هذه الهيئة ومعها هيئة الدفاع والجمهور الحاضر في القاعة، عندما بدأ يشتم من «السمطة لتحت» زميلا له في المهنة. بل أكثر من ذلك، أهان أحد أقدس المقدسات عندما شتم الرب. وإلى اليوم لم نسمع أحدا يتابع زيان بتهمة إهانة المقدسات. وكأن سب الذات الإلهية لا يدخل ضمن قاموس إهانة المقدسات في المغرب.
وآخر «خرجة» لزيان كانت عندما تعارك مع زملائه في نادي المحامين عندما واجهوه بتجاوزاته وزلات لسانه التي رجعت بمهنة المحاماة قرونا إلى الوراء في المغرب، وانتهى بجعل الشارع كله يتابع هذه المهزلة بالمباشر.
ولعل فضيحة الفضائح مع هذا «الأستاذ»، المعجب بأوداجه، هي تسجيل مستخدمي قسم الغش في شركة ريضال بالرباط لثلاث حالات غش اقترفها الأستاذ المدافع عن القانون في بيته بالسويسي. وهكذا على «الأستاذ» الذي «يتفلعص» علينا في كل جلسات المحكمة مهددا بجعلنا ندفع 600 مليون حتى آخر درهم، أن يدفع هو أولا الغرامات الثلاث التي لشركة ريضال في ذمته. غرامتان عقوبة له على فتح علبة الكهرباء من أجل تثقيل عدادها، وغرامة على استعمال سلك واختلاس الكهرباء مباشرة من العمود إلى فيلته.
إنه لشيء مخزي فعلا أن يقف ضدك أمام العدالة شخص لا يؤمن بأبسط القوانين الاجتماعية ويربح قضيته ابتدائيا، والأكثر خزيا منه أن يترأس هذا الشخص هيئة للمحامين في الرباط.
وليس المحامون وحدهم من يمثلهم في بعض المدن أشخاص لا يشرفون المهنة، فحتى فيدرالية الناشرين التي تضم أغلب مدراء الصحف والمجلات الصادرة في المغرب يوجد على رأسها مدير قررت وكالة التحقق من الانتشار «أوجيدي» الفرنسية أن لا تكمل تحقيقها في أرقام مبيعات جريدته وجمعت أوراقها وغادرت غاضبة إلى باريس بعد أن اكتشفت تلاعبا في أرقام المبيعات.
ولعل «زميلنا» الذي أقنع مساهميه ومستشهريه بأنه يبيع 12.000 نسخة يوميا، يعرف أكثر من غيره أن هذا الرقم مبالغ فيه، وأنه يبيع نسخا أقل بكثير تقدير من المصرح به.
هكذا يكون قد استعمل، حسب «لوجيدي»، الغش والتدليس لإعطاء صورة كاذبة عن حجم مبيعاته. ببساطة هذا يعني أنه أخذ إشهارات ليست من حقه، وعلى حساب منافسيه الذين يبيعون أكثر منه في الواقع لا في الأوراق.
وإلى اليوم لم يعلن أي مدير جريدة أو مجلة منضوية تحت لواء فدرالية الناشرين استقالته بسبب هذه الفضيحة. كما أن «زميلنا» نفسه لازال متمسكا بكرسي الرئاسة، وكأنه تلقى وساما من «لوجيدي» وليس إنذارا.
الكارثة هي أن فيدرالية الناشرين تقدم نفسها كمحاور رئيسي للحكومة من أجل إخراج قانون جديد للصحافة، ولجنة حكماء مكونة من شخصيات مستقلة سيعهد إليها بالسهر على احترام أخلاقيات المهنة.
وأحيانا من يعهد إليهم بالسهر على تطبيق أخلاقيات المهنة يكونون أول من يسهر على خرقها. ومثال رئيس اتحاد مقاولات المغرب، حفيظ العلمي، لازال ماثلا في الأذهان.
ولن نتحدث هنا عن فضيحته في الشارع العام عندما اعتدى على مواطن وهدده بإرساله إلى ثلاجة الموتى بدعوى أنه هو من يحكم المغرب، وإنما عن صفقة اقتنائه لأسهم من شركة «لا بيل في» أسابيع فقط قبل دخولها إلى البورصة بثمن لا يتعدى 700 درهم للسهم. وهذا ما يسمى في لغة المحاكم التجارية بجريمة المعرفة المسبقة. وإذا عرفنا أن مدير «لا بيل في» ليس سوى رئيس اتحاد مقاولات المغرب فرع الرباط، فهمنا كل شيء.
ويبدو أن تخصص حفيظ العلمي في اقتناء أسهم الشركات المقبلة على دخول البورصة ليس وليد اليوم، بل إنه سبب تحوله في ظرف زمني سريع من موظف بسيط قادم من كندا إلى ملياردير يشتري شركات التأمين ويبيعها في الوقت المناسب وللشخص المناسب وبالثمن غير المناسب إطلاقا.
ولعل آخر «خرجة» للعلمي في التلفزيون قبل يومين للتعبير عن سعادته بمغادرة ميلود الشعبي لرئاسة فيدرالية المنعشين العقاريين بعد انفجار قضية الضحى والأراضي التي فوتت لها، تعطينا صورة أوضح عن «سياسة» رئيس الباطرونا الذي يكره السياسيين وأحزابهم التي لا تفهم في السياسة.
وعندما نراجع تصريحاته الصحافية السابقة بخصوص عدم اعتراضه على تفويت أراضي الدولة للمنعشين العقاريين والمستثمرين من أجل تسريع وتيرة النمو الاقتصادي، نفهم أن الرجل ليست لديه مشاكل مع اقتصاد الريع. وقد قالها بعظمة لسانه عندما اعترف بأن تفويت الأراضي بدون طلبات عروض شيء غير ديمقراطي، لكن الدولة يجب عليها أن تختار. ويبدو أن الدولة اختارت الضحى، مادام أن بقية المنعشين العقاريين لم يستفيدوا من هذا «الاختيار» غير الديمقراطي.

0 التعليقات:

إرسال تعليق